عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2010, 04:22 PM
المشاركة 19
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الغزالي

في مدينة (طوس) إحدى مدن بلاد (فارس) وبالتحديد في قرية (غزالة) جلس طفلان صغيران ينظران إلى والدهما وهو يغزل الصوف، أخذا يتأملان أصابعه؛ ويتابعانه في إعجاب شديد، ترك الأب مغزله وأخذ ينظر إلى ولديه (محمد وأحمد. شعر الشقيقان أن أباهما يريد أن يقول لهما شيئًا، لقد فهما ذلك من نظرات عينيه، وفجأة.. انهمرت الدموع من عيني الأب الذي عرف بالتقوى والصلاح، فقد تملكه إحساس جارف بأنه سيموت قريبًا، ولم يترك لولديه شيئًا من المال يعينهما على تحمل أعباء الحياة، غادر الأب دكانه، وذهب إلى صديق وفي له؛ فأوصاه بتربية ولديه الصغيرين، وترك له ما كان معه من مال، وكان قليلاً، ومات الأب، فعمل الصديق بالوصية، فنشَّأ الطفلين تنشئة دينية صحيحة، وعاملهما معاملة طيبة وألحقهما بإحدى المدارس، وكانت أمهما ترعاهما بعناية كبيرة، وتتابع دراستهما، فنبغ الطفلان، وتفوَّقا على أقرانهما، وبخاصة (محمد الغزالي) الذي تعلم مبادئ النحو واللغة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفارسية

معاناة النفس في بحثها عن مقصد اليقين بفكر ثاقب، وجبلة في الطبع لابد وأن تكون مضنية، ومثال ذلك الإمام أبو حامد الغزالي في مجاهدة بين الشك واليقين.

ومن خلال هذه المسيرة فإن المعرفة بأثر التجربة حين نفهم أبعادها، والارتحال لرحابها ارتحال لمزيد من المعرفة بذات الإنسان في معاناته وما يستغرقه من الجهد والوقت، وهو النموذج الأمثل لرحلة ما بين الشك واليقين. وبنظرة تختزل التفاصيل على بعض مما كتب، وبالذات كتب ثلاث، وهو الذي ألف عشرات الكتب إلا أن هذه الكتب الثلاث تسهل أي حوار حوله.

وللمزيد من التفاصيل لابد من استعراض شامل لحياته الفكرية من خلال كل مؤلفاته. وما أقترح الحوار بصدده يعتمد على كتب ثلاث، الأول (المنقذ من الضلال)، والثاني (تهافت الفلاسفة)، والثالث (الإحياء).

وقد تعتبر خلاصة لرحلة فكر ومعاناة نفس، بالمنقذ من الضلال إن لم يكن سيرة لفكرة فهو بيان لمعاناة فكر ما بين الشك بسؤال يعقبه آخر حتى يستقر به الحال مطمئناً إلى اليقين، سجل في كتابه (المنقذ من الضلال) مراحلها في جانب ما يراه حول علم الكلام ومذهب التعليمية، وعن الفلسفة والفلاسفة، وأنهى ذلك بحديث عن التصوف، وفيما احتوى هذا الكتاب إشارة إلى طرح جديد لم يسبقه سوى الحارث بن أسعد المحاسبي في مقدمة كتابه (الوصايا).