عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2010, 12:19 PM
المشاركة 4
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
وإنك لتجد الإنسان السالي برغمه.
وذا السن المتناهية، إذا ذكرته تذكر وارتاح وصبا واعتاده الطرب واهتاج له الحنين.
ولا يعرض في شيء من هذه الأجناس المذكورة،
من شغل البال والخبل والوسواس وتبدل الغرائز المركبة واستحالة السجايا المطبوعة والنحول
والزفير وسائر دلائل الشجا ما يعرض في العشق،
فصح بذاك أنه استحسان روحاني وامتزاج نفساني.
فإن قال قائل: لو كان هذا كذلك لكانت المحبة بينهما مستوية،
إذ الجزآن مشتركان في الاتصال وحظهما واحد فالجواب عن ذلك أن نقول: هذه لعمري معارضة صحيحة،
ولكن نفس الذي لا يحب من يحبه مكتنفة الجهات ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة فيها من الطبائع الأرضية فلم تحس بالجزء الذي
كان متصلاً بها قبل حلولها حيث هي،
ولو تخلصت لاستويا في الاتصال والمحبة.
ونفس المحب متخلصة عالمة بمكان ما كان يشركها في
اتهاورة، طالبة له قاصدة إليه باحثة عنه مشتهية لملاقاته،
جاذبة له لو أمكنها كالمغنطيس والحديد، فقوة جوهر المغنطيس المتصلة بقوة جوهر الحديد لم تبلغ من تحكمها ولا من تصفيتها أن تقصد إلى الحديد على أنه من شكلها وعنصرها،
كما أن قوة الحديد لشدتها قصدت إلى شكلها وانجذبت نحوه،
إذ الحركة أبداً إنما تكون من الأقوى،
وقوة الحديد متروكة الذات غير ممنوعة بحابس، تطلب ما يشبهها وتنقطع إليه
وتنهض نحوه بالطبع والضرورة وبالاختيار والتعمد. وأنت متى أمسكت الحديد بيدك لم ينجذب إذ لم يبلغ من قوته أيضاً مغالبة الممسك له مما هو أقوى منه.
ومتى كثرت أجزاء الحديد اشتغل بعضها ببعض واكتفت بأشكالها عن طلب اليسير من قواها النازحة عنها،
فمتى عظم جرم المغناطيس ووازت قواه جميع قوى جرم الحديد عادت إلى طبعها المعهود.
وكالنار في الحجر لا تبرز على قوة الحجر في الاتصال
والاستدعاء لأجزائها حيث كانت إلا بعد القدح ومجاورة الجرمين بضغطهما واصطكاكهما،
وإلا فهي كامنة في حجرها لا تبدو ولا تظهر.
ومن الدليل على هذا أيضاً أنك لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية لا بد من هذا وإن قل، وكلما كثرت الأشباه زادتها انسة وتأكدت المودة فانظر هذا تراه عياناً، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكده:
"الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"،

وقول مروى عن أحد الصالحين: أرواح المؤمنين تتعارف. ولهذا ما اغتم أبقراط حين وصف له رجل من أهل النقصان يحبه،
فقيل له في ذلك،
فقال: ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه.
وذكر أفلاطون أن بعض الملوك سجنه ظلماً، فلم يزل يحتج عن نفسه حتى اظهر براءته، وعلم الملك أنه له ظالم،
فقال له وزيره الذي كان يتولى إيصال كلامه إليه:
أيها الملك، قد استبان لك أنه بريء فمالك وله؟
فقال الملك: لعمري مالي إليه سبيل، غير أني أجد لنفسي استثقالاً لا أدري ما هو.
فأدى ذلك إلى أفلاطون. قال: فاحتجت أن أفتش في نفسي وأخلاقي أجد شيئاً أقابل به نفسه وأخلاقهما مما يشبهها،
فنظرت في أخلاقه فإذا هو محب للعدل كاره للظلم،
فميزت هذا الطبع في، فما هو إلا أن حركته هذه الموافقة وقابلت نفسه بهذا الطبع الذي بنفسي فأمر بإطلاقي
وقال لوزيره: قد انحل كل ما أجد في نفسي له.

وأما العلة التي توقع الحب أبداً في أكثر الأمر على الصورة الحسنة، فالظاهر أن النفس حسنة وتولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المنقنة،
فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه، فإن ميزت وراءها شيئاً من أشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية،
وإن لم تميز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة،
وذلك هو الشهوة.
وإن للصور لتوصيلا عجيباً بين أجزاء النفوس النائية.
وقرأت في السفر الأول من التوراة أن النبي يعقوب عليه السلام أيام رعيه غنماً لابن خاله مهراً لا بنته شارطه على المشاركة في إنسالها، فكل هايم ليعقوب وكل أغر للأبان،
فكان يعقوب عليه السلام يعمد إلى قضبان الشجريسلخ نصفاً ويترك نصفاً بحاله،
ثم يلقى الجميع في الماء الذي ترده الغنم، ويتعمد إرسال الطروقة في ذلك الوقت فلا تلد إلا نصفين، نصفاً نهماً ونصفاً غراً.
وذكر عن بعض القافة أنه أتى بابن أسود لأبيضين،
فنظر إلى أعلامه فرآه لهما غير شك. فرغب أن يوقف على الموضع الذي اجتمعا عليه.
فأدخل البيت الذي كان فيه مضجعهما، فرأى فيما يوازي نظر المرأة صورة أسود في الحائط،
فقال لأبيه: من قبل هذه الصورة أتيت في ابنك.

....يتبع