عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2011, 07:08 PM
المشاركة 2
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
مقدمة عن الأدب وأهميته في الإسلام

إنّ من نعمة الله علينا أن أكمل لنا الدين وأتم لنا النعمة،وأرسل إلينا رسولاً رحيماً بأمّته،فما من خير إلا ودلنا عليه،وما من شرٍ إلا وحذرنا منه r،ولقد كان من جملة الخير الذي دلنا عليه آداب شملت كثيراً من أمور الدين والدنيا،فالعبادات لها آداب ومخالطة الناس لها آداب والتعامل مع النفس له آداب،والأدب هو الدِّينُ كله .
*والآداب منها ما هو مستحب أو مكروه،ومنها ما هو واجبٌ أو محرَّم،ومنها ما هو مُباح.ولذلك اعتنى الإسلام بهذا الجانب وصنّف أهل العلم كثيراً من الكتب والمصنفات،وفي كتب السنة والحديث كتب وأبواب للأدب بل وقد أفرد البخاري رحمه الله كتاباً في الأدب سماه ( الأدب المفرد ) جمع فيه الأحاديث والآثار المتعلقة بالأدب .
*ولا شك أن الأدب في الإسلام مهم جداً وينبغي للمسلم أن يعتني بالآداب الشرعية في جميع الأمور.ونظراً لجهل كثير من المسلمين منزلة الأدب ومراتبه وأنواعه وطرق اكتسابه وغير ذلك من الأمور،ولأن الآداب الشرعية تشمل العالم والمتعلم والرجل والمرأة والكبير والصغير والغني والفقير وغيرهم،وحثاً وترغيباً لنا في اتباع هدي وآداب النبي rفي أقواله وأفعاله وصفاته وأخلاقه،نتكلم عن هذا الموضوع المهم.
*فما هو تعريف الأدب؟
وما هي منزلته وفضله ؟
وما هي حاجتنا إلى الأدب ؟
وما هي مراتبه وأنواعه ؟
وكيف نكتسب الأدب الشرعي؟وفي هذا البحث الموجز نُجيب على هذه الأسئلة وغيرها إن شاء الله تعالى
1- تعريف الأدب :
الأَدَبُ مُحَرَّكَةً:الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس سُمّيَ به لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إلى المَحَامدِ وَيَنْهَاهُم عن المَقَابِحِ. وقال ابن القيم في مدارج السالكين ( الأدب:اجتماع خصال الخير في العبد ومنه المأدبة وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس ) وقال أيضاً: ( وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ) ثم قال ( قال بعض العلماء:الأدب هو استعمال ما يجمل من الأقوال والأعمال والأحوال ) وقال بعضهم ( الأدب هو أن تكون على تعاليم الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً ) وقال ابن القيم رحمه الله ( الأدب هو الدين كله فإنّ سِتر العورة من الأدب،والوضوء وغسل الجنابةِ من الأدب،والتطهر من الخبث من الأدب … ).
*والخلاصة أن الأدب هو اجتماع خِصال الخير في العبد وفق الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً .فإذا أراد المسلم أن يكون مؤدباً فعليه أن يلتزم بالكتاب والسنة في عقيدته ومنهجه وعبادته وأخلاقه وأفعاله وأقواله وصفاته ظاهراً وباطناً .
2- منزلة الأدب وفضله :
قال ابن القيم رحمه الله: ( الأدب هو الدين كله ) فمنزلة الأدب هي منزلة الدين عند العبد،وقال رحمه الله: ( أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه،وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره،فما استُجلب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب،ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب،فتأمل أحوال كل شقيٍّ ومُدبِرٍ كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ).
*فمنزلة الأدب عظيمة،فعن الْحَسَنَ بْنِ عَرَفَةَ،قال:سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ،يَقُولُ:" مَنْ تَهَاوَنَ بالْأَدَبِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ السُّنَنِ،وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالسُّنَنِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ الْفَرَائِضِ،وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْفَرَائِضِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ الْمَعْرِفَةِ " .
3- حاجتنا إلى الأدب:
المجتمع المسلم بحاجة ماسةٍ إلى سلوك الأدب وتحقيقه بين الأفراد للأسباب التالية :
أ – إذا اتصف الناس بمراعاة الأدب بينهم،حصل الاطمئنان والأمن بينهم .فحقوقهم مكفولة وسمعتهم محترمة ومكانتهم محفوظة،فيطمئنون على أنفسهم .
ب – الأدب ينزع الأحقاد من صدور الناس:فإذا التزم الناس بالآداب الشرعية صَفت النفوس فسادت الأخوّة والمحبة والألفة المجتمع .
ج- الأدب طريقُ العلم النافع:فطالب العلم لن ينال العلم وبركته بدون أدب .وقد حذّر السلف كثيراً من طلب العلم بدون أدب.قَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ البُوْشَنْجِيّ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ العِلْم وَالفِقْه بِغَيْر أَدبٍ،فَقَدْ اقتحمَ أَن يكذب عَلَى اللهِ وَرَسُوْله..
قال بكر أبو زيد رحمه الله :( لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلّي بمحاسن الأدب ومكارم الأخلاق سِمةُ أهل الإسلام وأن العلم لا يصل إليه إلا المُتحلي بآدابه المتخلي عن آفاته )
* فالأدب مهم جداً للفرد وللمجتمع وخاصةً طالب العلم .
4- مراتب الأدب :
تتفاوت مراتب الأدب بحسب المتأدَّب معه،فليس الأدب مع الله كالأدب مع أنبيائه،وليس الأدب مع رسول الله r كالأدب مع سائر الناس،وليس للتعامل مع الناس أدب واحد بل للوالدين أدب خاص وللعلماء والكبار أدبٌ خاص،وهكذا. وكذلك للتعامل مع النفس أداب،فمراتب الأدب أربعة هي :
أ) الأدب مع الله
ب) الأدب مع رسول الله r
ج) الأدب مع الناس
د) الأدب مع النفس
×أ) الأدب مع الله عز وجل :
فهو رأس الأمر وعموده وأهم ما يقدمه العبد في دنياه.قال ابن القيم رحمه الله ( الأدب مع الله ثلاثة أنواع:أحدها صيانةُ معاملته أن يشوبها بنقيصةٍ،الثاني:صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره،الثالث:صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه ) ثم قال ( ومن الأدب مع الله عدم رفع البصر إلى السماء في الصلاة للنهي عن ذلك،ومن الأدب مع الله:أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة في الفضاء والبنيان،ومن الأدب مع الله:السكون في الصلاة وعدم الالتفات فيها والاستماع للقراءة في الصلاة،والمقصود أن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً،ولا يستقيم لأحدٍ قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء:معرفته بأسمائه وصفاته،ومعرفته بدينه وشرعه وما يُحب وما يكره،ونفسٌ مستعدة قابلة متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً ).
قلت:ما الذي يُرجى في الآخرة من رجلٍ أساء أدبه مع الله تبارك وتعالى وهل يُرجى من مسيء الأدب مع الله أن يُحسن أدبه مع خلقه؟
×ب) الأدب مع رسول الله r:
قال ابن القيم رحمه الله :( وأما الأدب مع الرسول rفالقرآن مملوء به،فرأس الأدب معه كمال التسليم له،والانقياد لأمره،وتلقي خبرَه بالقبول والتصديق دون معارضته بالعقل أو الشك أو يقدم عليه آراء الرجال،فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وحَّد اللهَ تعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل،ومن الأدب مع الرسول rأن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف،حتى يأمر هو،وينهى ويأذن كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ( ومن الأدب معه أن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فما الظن برفع الآراء على سُنَّته !! ومن الأدب أن لا يُعارض نصه بقياس،ولا يُحرف كلامه عن حقيقته،ولا يوقَفُ قَبول ما جاء به على موافقة أحد ،فكل هذا من قلة الأدب معه rوهو عين الجرأة … )
×ج) الأدب مع الخلق :
فلابد من أن يعامل كل واحد بما يليق به،ومن خلقِ الله الملائكةُ،وعلى المسلم أن يتأدب معهم،ومن الأدب مع الملائكة محبتهم وموالاتهم،ومن الأدب مع الملائكة:البعد عن الذنوب والمعاصي والروائح الكريهة لأنها تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم،ومن الأدب معهم الامتناع عن كل ما يمنع قرب الملائكة أو دخولهم بيوتنا أو حضورهم مجالسنا مثل الصورة والتمثال والكلب والجرس وكذلك لا تقرب الملائكة سكرانا أو جنبا إلا أن يتوضأ،ومتشبها بالنساء وغيرهم.
* كذلك لابد أن يعامَل الناس كل واحد بما يليق به،فهناك آداب التعامل مع الوالدين وآداب مع الأرحام وآداب مع الجار المسلم وآداب مع العلماء وآداب مع ولاة الأمر وآداب مع الضيف وآداب مع الأولاد وآداب بين الزوجين وآداب مع عامة المسلمين وآداب مع المخالفين من أهل البدع والفاسقين وكذلك وآداب مع غير المسلمين.قال ابن القيِّم رحمه الله ( أما الأدب مع الخلق فهو معاملتهم بما يليق بهم على اختلاف مراتبهم،فلكل مرتبة أدب،والمراتب فيها آداب خاصة،فمع الوالدين أدب خاص،وللأب منهما أدب هو أخص به،ومع العالم أدب آخر ومع السلطان أدب يليق به ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهله،ولكل حالٍ أدب:فللأكل آداب .. .. ) ثم قال ( وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه،وقلة أدبه عنوان شقاوته وبَواره … ) ثم قال ( ومن حقوق الخلق أن لا يفرِّط في القيام بحقوقهم،ولا يستغرق فيها بحيث يشتغل بها عن حقوق الله أو عن تكميلها،أو عن مصلحة دينه وقلبه … ) .
×د) الأدب مع النفس :
وأدب الإنسان مع نفسه متنوع متفاوت كذلك،فمن الأدب مع النفس السعي إلى تزكيتها وإصلاحها ومحاسبتها وتدريبها على الطاعات والأخلاق،ومن الأدب مع النفس حثها على التوبة والإنابة والخشية وغيرها،وكذلك من الأدب مع النفس تدريبها وإلزامها على الآداب الشرعية.قال ابن القيم رحمه الله: ( فللأكل آداب وللشرب آداب وللركوب آداب والدخول والسفر والإقامة والنوم آداب ولقضاء الحاجة آداب وللسكوت والاستماع آداب … )
والخلاصة أن الأدب مع النفس إلزامها والسير بها على هدي النبي rفي جميع سيرته وأقواله وأفعاله وهديه ظاهرا وباطنا .
*إذا عُلم هذا فينبغي للمسلم أن يضع هذه المراتب والأنواع الأربعة للأدب نَصب عينه دوما:الأدب مع الله عز وجل،والأدب مع رسول الله r،والأدب مع الخلق والناس،والأدب مع النفس،ومن ثم يحرص على بلوغ الدرجة العليا في كل هذه المراتب ليسعد في الدنيا والآخرة




هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني