عرض مشاركة واحدة
قديم 10-19-2014, 10:07 PM
المشاركة 1229
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


- يقول «كتبت القصة أمداً طويلاً دون أن أحسب أن لي في كتابتها مذهباً أو طريقة خاصة.

- أعتقد أن الفنان الحق يعطي بعفوية حين يكتب، وإن كثرة تدقيقه في كيفية العطاء والإنتاج إذا لم تضر قليلاً بهذه العفوية فهي لا تفيدها كثيراً.

- أريد أن أقول أن قصصي التي كتبتها هي التي حددت مذهبي وأعطته الشكل الذي تميز به بين مذاهب كتاب القصة، وإني لست الذي اتخذت مذهباً معيناً من المذاهب القصصية المعروفة فاخترت أن أكتب قصصي ضمن حدوده.
- يقول " إذن فمذهبي مذهب أصيل لم يأت عن تقليد ولا اتباع، وهذا ما يرضيني عنه ويصل بي إلى حد الفخر به.

- ولقد آبى على نفسي أحياناً تقليد نفسي فأحاول أن آتي دوماً بالجديد والمبتكر فيما أكتبه.

- فالزمن عندي عامل من عوامل القصة قد أقفز به أو أتراجع فيه، وأروح به جيئة وذهاباً حتى أستطيع أن أعطي للحادثة التي أكتب عنها وقعاً معيناً في نفس القارئ.

- بل يحدث أن أكتب قصة لا وزن للزمن فيها مذكوراً.

- فلي قصة اسمها «حمّى» مكتوبة بشكل مذكرات لا تؤرخ باليوم الخامس والعاشر والسابع عشر من أيام الشهر مثلاً بل بدرجة حرارة البطل: سبع وثلاثين وثلاث شرطات، أربعين وست شرطات، وهلم جرا.. كلما تبدلت حمى البطل تبدلت أفكاره والأحداث التي تحيط به.

-ولي قصص غير هذه لا يدرك القارئ فكرتها إلا بقراءة حوادث متعددة لا رابط زمنياً بينها مثل قصتي "القفاز".

- إلا أني على اهتمامي بحادثة القصة أو حوادثها لا أجعل منها دوماً الشيء الرئيسي. بل إني كثيراً ما أحمّلها غايتي من القصة التي أكتبها سواء كانت هذه الغاية فكرية علمية أو عاطفية إنسانية أو إحساساً شعرياً.

- أضرب لذلك مثلاً قصة "الليل في كل مكان". فهذه قصة ترد في بضع صفحات ولكن مسرحها العالم بكامله، من فرنسا إلى فلسطين إلى الحبشة إلى جنوب إفريقيا. لو كانت رواية الحادثة هي الغاية في القصة لشتّتُ ذهن القارئ في ركضي به بين آفاق العالم المتسع في تلك الصفحات القليلة.

- ولكن غايتي كانت أن يشعر القارئ بشعور البطلة مارليت وهي تسعى بين أرجاء الدنيا بطفليها باحثة عن مكان لا أثر فيه للحقد والبغض والتهديد بالحرب، فلا تجد ذلك المكان، لأن الليل في كل مكان.

- ثمة صفتان أخريتان من صفات الشكل في مذهبي للقصة، هما فصاحة اللغة ثم اللغة العلمية.
إني أجد أن استعمال الألفاظ العلمية يزيد اللغة العربية المتداولة ثروة في المفردات وغنى في التعبير، وتلك خدمة لا أتردد عن المساهمة في إسدائها إلى لغة وطني وقومي.

- تلك هي بعض صفات الشكل في مذهبي القصصي.

- أما صفات المضمون، فالتنويع الذي أشرت إليه في مستهل كلامي، من أبرزها. والتنويع فيما أكتبه ليس مفتعلاً، فأنا أغرف من منابع كثيرة في الحياة كان من نعمة الله عليّ أن يسرَّ لي ورودها. فقد نشأت في جو البادية الغنية في أحاسيسها والغريبة في تقاليدها. وعشت في أجواء المدينة المعقدة الحياة المزدحمة المرافق. ودرست العلم وهويت الأدب. كما أني مارست السياسة سلماً وحرباً، وتنقلت في أرجاء العالم الواسعة. فتوفر لي من كل ذلك ذخيرة من التجارب والذكريات والأفكار وتفتح به من آفاق الخيال ما أعانني على كتابة قصص متباعدة المرامي والأمكنة والمواضيع.

- وأنا أحرص في هذا التنويع على صفة الغرابة والتشويق فيما أكتبه، غرابة الحادثة أو غرابة النتيجة التي تنتهي إليها الحادثة، أو غرابة الفكرة التي تستنتج من الحادثة. على أن الغرابة ليست في الواقع إلا عنصراً واحداً من عناصر مذهبي في القصة.

- كتبت قصصاً كثيرة تدور حوادثها في جو طبي وتصف الصراع بين الطبيب، بين الإنسان المسلح بسلاح العلم الحديث، وبين المرض بملايين عوامله المعروفة والمجهولة. وعلى رغم إيماني بالعلم وبمعطياته الخيّرة وبضرورته اللازمة لمجتمع كمجتمعنا العربي في أيامنا الحاضرة.

- كنت أجعل الغلبة في قصصي للمجهول على المعلوم وأضع الطبيب أو العالِم موضع القلق الحائر أو المغلوب الضائع. وكتبت قصصاً إنسانية، الناس فيها خيّرون يبذلون كل مجهودهم لبلوغ طمأنينة النفس، ولكن العالم المحيط بهم يتغلب عليهم وينتهي بمجهودهم إلى العدم. وكتبت قصصاً قومية يحارب شخوصها من أجل مثلهم العليا، وهي مثلي أنا الشخصية، بكل قواهم، ولكنهم لا يبلغون غاياتهم. فأبطال تلك القصص منكوبون دوماً، أو مقتولون، على حبي لهم وتمجيدي إياهم.

- يكاد التشاؤم أن يكون هو الفكرة المهيمنة على قصصي لولا أن صفة مشتركة بين أبطالها ترفعهم إلى مرتبة أعلى من مرتبة التفاؤل، هذه الصفة هي لا مبالاتهم بما يصيبهم ما داموا جادين في كفاحهم، هي كبرياؤهم التي لا يؤثر فيها الفشل ولا الموت. إنهم يعرفون أن الظروف المحيطة بهم والطبيعة التي يعيشون في حضنها والوجود الذي هم منه، أقوى منهم، ولكن ذلك لا يخيفهم، فهم يتحدون كل تلك العوامل بالجهاد في سبيل غاياتهم المثلى.

- هذه هي الفكرة الشاملة التي ينبعث منها موقفي كأديب في الحياة.

- فأنا كإنسان مؤمن بإنسانيتي من ناحية وبعقلي ومعطياته العلمية من ناحية ثانية. حائر بين أمرين أو على الأصح مدرك لأمرين:
- الأول هو ضآلة شأني كمخلوق بشري في الوجود. فالمخلوق البشري ليس إلا ذرة على كوكب هو تابع لشمس تابعة لمجموعة سديمية، نعلم بعقلنا القاصر أن الكون المدرَك من قبلنا يحتوي الملايين من أمثالها.

- والأمر الثاني هو كبريائي كإنسان، وهي كبرياء تدفعني إلى الكفاح وبذل كل جهد في سبيل غايات سامية معينة. فإذا غلبتني القوى المتألبة عليّ فإنها لا تكون قد غلبت جباناً مستسلماً بل مكافحاً مناضلاً. من تصارع هاتين الحقيقتين، ضآلة شأن الإنسان وكبريائه المكافحة، يتألف موقف أبطال قصصي المتميز، وبه تتوضح أرسخ معالم مذهبي في كتابة القصة.

- كتبت القصة الساخرة والقصة الضاحكة، وكتبت القصة الحزينة ولكن حزناً هادئاً فيه الأسى وليس فيه الصخب أو العويل. فكأن الوجود عندي، على غلبته للإنسان، مدرك لضعفه ونبله فهو مكبر له ورفيق فيه. أو كأن الإنسان على وثوقه بنفسه وإيمانه بسلامة موقفه مدرك لدوافع غريمه فهو لا يحمل له في قلبه ضغينة ولا حقداً.