عرض مشاركة واحدة
قديم 10-19-2014, 09:58 PM
المشاركة 1227
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


- نرى كاتبنا قد اختار المرأة كمنسِّبة لبطلنا طارق عمران في عالم الرجولة، وهنا أيضاً نعود إلى «نموذج المرأة» في حياة طارق عمران، وسوف ندرسه على نحوٍ متواضع،

- وبقي أن نشير إلى أن العجيلي استطاع أن يصوِّر من خلال طارق حالة وجدانية، ومعاناة حقيقية.

-ولاشك في أن عودته إلى مدينته البعيدة التي تحمل طابع الريف في ذلك الوقت، يحمل ألف معنى ومعنى، نعم إن طارق عمران يترك إدارة مؤسسة عمه، ويترك دمشق، ويعود إلى بلدته، وهنا المفاجأة التي تركها لنا العجيلي ليكشف لنا عن شخص طارق الذي كان صادقاً مع أحاسيسه، وحالة تنبض بالحياة، وبعبارة أخرى، لم تكن النهاية، بل البداية‍‍‍‍!!.

- يطالعنا العجيلي، في روايته هذه بأربعة نماذج، ويتدرج بطلنا من خلال علاقته مع كل من هذه النماذج في تطور تصاعدي باحثاً عن نفسه، إلا أن ثمة نموذجاً خفياً كما لو أنه كان على الهامش، ينتظر الفرصة لدخوله وانسحابه كالجنيات، سوف نأتي على ذكره.
سوف نبدأ بالنموذج الأول «الفتاة المراهقة»، هذا النموذج يفصح عن علاقة من أجل المسرَّة، وعندما تكون هذه العلاقة (أي المسرَّة) هي أساس الزواج على سبيل المثال، فسوف تنتهي العلاقة عندما يصبح الشخص الآخر لا يجلب المسرَّة، وهنا فإن هذا النموذج يلعب دوراً معيناً في القصة، فنرى مثلاً، «الزوج أو الأب سوف يقع في غرام مراهقة صغيرة، ويتنحَّى جانباً، والأم سوف تُهجَر بقلب وبيت فارغين. ويكون عليها أن تكافح من جديد كي تخلق لحياتها معنى بالطريقة التي تراها».

- إلا أن العجيلي يختار سياقاً آخر لهذا النموذج، كونه انعكاس لتطور بطلنا في علاقته مع الآخر، وربما اختار له هذا النموذج كبداية في تفتحه وتطوره الصاعد. ومما نعثر عليه في هذا السياق، حين تشرح «ماجدة» -التي تمثل نموذج «الفتاة المراهقة»– مفهوم الحب المرتبط بالجنس، فإننا نرى حنق طارق الذي يدفعه لكي يؤدبها بالعصا‍‍!!.

- إنها ولاشك العقلية الشرقية المشحونة في اللاوعي بالعدائية تجاه أي تمظهر بريء للجنس، وهذه العدائية إن نمَّت عن شيء فهي تنمّ عن الجهل والخوف من أشد طاقاتنا حيوية، وأهمها في سعادتنا، ورُقيِّنا في سُلَّم الحضارة الإنسانية!!.

- إلا أن تجربته مع «ماجدة» حين يقول: «وها هي الآن، ماجدة، تكسر القمقم أمامي في حركة واحدة، وتلصق صدرها الناهد بصدري لتبرهن لي أنها امرأة وتقول لي أنها تحبني» إلا أن طارقاً هنا أيضاً تماسك وتراجع بعد أن ندَّت عنه على رغمه تنهيدة خفيفة.

- ثم تأتي تجربته مع «نهاد» وهي نموذج آخر سوف نأتي على ذكره، لكن شيئاً ما ينبغي الإشارة إليه، وهي بوادر حالة عصابية قد تلمّ ببطلنا، فكما ذكرنا أنه يمثل متناقضات عالمنا الحديث، فهو شاعر من جهة، وعمه رجل أعمال ثري يرى الحياة بمنظور مختلف، وهو ريفي أي طاهر السريرة من جهة، وهو في المدينة التي تحكمها الشهوة والسلطة من جهة أخرى، تجربته مع ماجدة ورغبته في الإشباع من جهة، ورغبة أخرى في الكف من جهة أخرى.

-إنها سلسلة من المتناقضات تهيئ الجو المناسب لنشوء العصاب النفسي، فالعصاب النفسي هو حالة تشل فيها الإنسان قوى متعارضة في اللاشعور. إلا أن كاتبنا شاء قدراً آخر لبطله، فأظهر صراعه إلى دائرة النور والوعي، مما أتاح له فرصة أكبر لكي يتبلور وينضج في سياق تطوري لم يخلُ من إرهاصات عصابية.

-هذا السياق التطوري يقوده إلى نموذج آخر على الساحة، هو النموذج الذي يمتثل للبعد الاجتماعي في العلاقة الجنسية، والذي يشكِّل الثراء أحد عوامله ويفعِّله، فالثراء أو الطبقة الاجتماعية، وبعبارة أخرى الامتياز الذي تتمتع به، يتيح لها حرية ممارسة العلاقة، وهذا النموذج نراه في «نهاد» المرأة الأرستقراطية، وهكذا نسمع بطلنا يقول في هذا الصدد: «أليس بديعاً أن يتسامى الإنسان عن دعوات نهاد إلى السقوط في شبكة الارتباطات نصف العاطفية، نصف الجنسية التي أصبحت مكرسة رسمياً عند طبقة معينة من طبقات المجتمع فيجدها سخيفة».

- وعلى الرغم من رأيه هذا نجد وصفاً شاعرياً لعلاقته مع نهاد تدخلنا في عوالم السحر والجمال. حيث أن بطلنا لم يستطع مقاومة فتنة وجمال نهاد، إلا أنه أثناء انجذابه وعناقه لها كانت تلوح أمامه شخصية أخرى، امرأة أخرى، «نموذج آخر»، وفي صراعه بين نموذجين: «أنيما النفس» الذي تمثله «صفية» ونموذج «المرأة الأرستقراطية المتزوجة» وتمثله «نهاد». فإن صورة صفية تقفز إلى ذهنه حيناً حتى تغيب وتختفي أمام صهيل الجسد، وجموحه لدى رؤية نهاد الفاتنة وجسدها الملتهب، فهاهوذا يصف تجربته حين دعته للوصال: «كان بصوتها بعض البحّة.

- فأسرعت إليها حتى دانيتها. رأيت أن شحوباً خفيفاً كسا وجنتيها في تلك اللحظة، أما جسدها فقد خُيِّلَ إلي، من مرآه مهصوراً بذلك الرداء القاني، إنه كان ينفث اللهب. ضممتها إلي، وسرنا معاً متخطين المنطقة الظليلة من البهو إلى ما وراءها، أصابع يدينا متشابكة ورأسها ملقى على كتفي، كأننا كنا نخطو بجسد واحد إلى عالم رائع كان يهتف بنا مرحباً، فاتحاً لنا ذراعيه ليضمّنا في أمواجه الهانئة».

- ونهاد التي أقامت علاقة مع بطلنا نراها فيما بعد، وقد «تركت زوجها حليم بك رمزي، وتزوجت زكي بيه الذي أصبح بعد الانفصال محافظاً أو وكيل وزارة فيما تبقى من الجمهورية العربية المتحدة».

- أما النموذج الآخر الذي كان يتراءى له أثناء عناقه لنهاد، وهو إن حق لنا القول، أنيما النفس، الذي يتمثل في شخص صفية، «صفية» هذه التي قال عنها بطلنا: «هذه هي ملهمتي الحقيقية، صفية! إنها الجديرة بأن أنظم فيها الشعر القديم الذي لم يوحَ إليّ بعد في هذه المدينة الشاعرية. صفية، وليست زوزو (أي الراقصة) التي يريدني ممدوح أن أنظم فيها ما يريد من قصيد!».

- ولكن، من هي زوزو هذه؟! لقد ذكرنا في بداية المبحث عن نموذج أبقاه العجيلي على الهامش، وأدخله الرواية، وانسحب كالجنيات. والآن قد أتى وقت الحديث عنه، لاغرو أنها حركة خفة، وعمل يُظْهِر مقدرة الكاتب الإبداعية في إظهار الشخصيات والتعبير عن ماهياتها!!.

- لقد ذكرنا أولاً نموذج «الفتاة المراهقة»، إلا أن نموذجاً أكثر منه صميمية يفعل على نحو لاشعوري تاركاً بصماته في جسد شبقي منذ سني الطفولة الأولى، ومع المراهقة تدب في هذا الجسد الحياة ويصبح صارخاً، وهو يعبِّر عن ارتباط اللاشعور أول بأول بمصدر الإثارة، هذا المصدر الذي يلوح في عوالم المراهقة من خلال نموذج «المرأة الفاسقة» أو «البغي»، واللاشعور المرتبط بهذا النموذج كالرجل المرتبط بامرأة فاسقة يقيم معها تحت سقف واحد، وهي تزور مريديها في مخادعهم، في مخيّلتهم، وفي بيوتهم، وفي قلوبهم بأشكال شتّى. وتمنح اللذة أولاً، والإشباع ثانياً. وهكذا تشيد مملكتها، وتعتلي عرشها، حتى أنها تستطيع أن تجعل من الزواج ماخوراً لها!!.

- هذا النموذج فاعل بشدة على مستوى اللاوعي عند الأفراد، وثمة ارتباط لاشعوري بها. ولعل تجربة مثل هذه نراها حتى عند بعض القديسين مثل أوغسطين في كتابه اعترافات، أما في الوقت الحاضر فنرى هذا النموذج متمثلاً بفتاة الستربتيز، أو بطلة البورنو، هذا النموذج الذي يصرخ في الغرائز ويستثيرها، يلوح في الرواية من خلال «الراقصة زوزو» التي يستسلم لها طارق بعد أن شعر أن الأرض تختفي من تحت قدميه، وذلك بمغادرة عمه للبلاد، وإيقاف المشروع، بزواج هدى من عمه، وزواج صفية بعد أن فكت حزنها على زوجها الأول. وبالتالي يعيش ما يسميه البعض «القلق السري» أو «قلق الذات»، هذا الشعور الغامض الذي امتزج مع شعور من اليأس، يقوده أخيراً إلى أحضان الراقصة زوزو، وتجربته هذه تفضي به إلى ما نسميه بـ«آلام اللذة»، ذلك أن «اللذة» حين تكون لاواعية فإنها تستعبد المرء وتنحدر به إلى الجحيم، أما حين تكون واعية فهي تحرِّره وترتقي به إلى السماء!!.