عرض مشاركة واحدة
قديم 10-17-2014, 02:56 PM
المشاركة 1221
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع .....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 64- بعد الغروب محمد عبد الحليم عبد الله مصر


- محمد عبد الحليم عبد الله واحد من أندر الأدباء الذين تشعر بالأمان والرقي وأنت تقرأ لهم.

- عرفته حالما متساميا مترفعا شاعرا لم يكتب بيت شعر واحد فيما أعلم

- وهو إلى جانب هذا عف اللسان ومحلل نفسي كأحسن ما يكون وناقد أدبي وقاريء نهم ومصري حتى النخاع.

- في كتابه "الوجه الآخر" أبدأ لك بأول فصل بعنوان:"أنا" حيث يشرح فيه عبد الله كيف أنه كثيرا ما حاول جاهداً أن يستبطن حقيقة ذاته ويغوص في أعماقها يريد أن يقف على عيوب نفسه وذاك وإن كان يبعث على الأسى لكن الأسى كما يقول خير من الغرور. والذي يريد أن يعرف نفسه كمن يلاعب نفسه الشطرنج فلن يرضى غالباً ولا مغلوباً.

- يرى في كل الناس مزايا ولذا فهو يحب كل الناس. يذوب عبد الله رقة فيقول إن أكثر ما يستوقفه في هذه الحياة ويثير في نفسه الإحساس بالجمال بعد الإنسان هو الشجرة التي يبعث شموخها وثباتها في مكانها بجذورها حالة لا مثيل لها من السكون والطمأنينة التي نحتاجها بشدة.

- يقول إن الطعام القليل والفكر الكثير هو أعظم متعة في الدنيا ويؤكد قيمة الأدب ويصفه بأنه منجم ماس.

- أنتقل بك لما كتبه يوسف الشاروني واصفاً عبد الله حيث يقول إن عبد الله اختار وجها ماسيا في الأدب وهو الجانب القصصي متنقلا بين الرواية حينا والقصة القصيرة حيناً.

-ومن روايات عبد الله يؤكد الشاروني أن عبد الله رجل يحترم العلاقات العائلية والرحم ويقدسها وهو دائم العرفان بالفضل لأمه التي ورثته رهافة الحس وحب الدين وكانت تستحث رغبته نحو التعليم والقراءة ويذكر عبد الله جيدا كيف كانت تصر على أن يرتدي الطربوش لأنه كان رمزا للأفندية المتعلمين، وكيف أنها كانت أما جميلة طيبة حنونا رقيقة شديدة الإيحاء ذكية ألهمته الحب والخوف والعبادة طاهرة في كل شيء تنتقي أجمل الثياب لها وله ولأبيه وكل أسرته.

- يبلغ الوفاء بعبد الله أن يعترف بفضل عم محمد الجندي عليه وهو فراش المجمع اللغوي حيث كان يعمل عبد الله.

- يحكي عبد الله بتأثر إعجابه بتولستوي - وهو نفس الإعجاب الذي نراه عند محمود تيمور - وكيف أن الأخير قد أنشأ في ضيعته مدرسة على حسابه الخاص لتعليم أطفال الفقراء من الفلاحين وكان يعلمهم ويطعمهم بنفسه بينما كان الناس والمعلمون أنفسهم يسخرون من أريحيته وكرمه وهذا ما جسدته شخصية صلاح النجومي بطل رواية عبد الله "للزمن بقية" الذي فعل مثل ما فعل تولستوي وتلقى نفس ردة الفعل من الناس.

- ينحاز عبد الله إلى الرواية على حساب القصة القصيرة لكن المهم يا قارئي هو أنه يؤكد على ما أطلق عليه اسم "الخواص" التي يعتمد عليها كاتب القصة القصيرة وهي اللمسة الإنسانية ذات المغزى الاجتماعي الصامت، والأقصوصة التي تبنى على هذه الخاصة تتطلب كما يقول عبد الله مزاجا شاعرياً وقلباً يحس آهة الحَزَانى.

- يقول عبد الله:" إننا نصنع من الورق والطين والقش أشياء جميلة فلماذا إذن نصنع من لغتنا أشياء تافهة أو قبيحة. ويضيف عبد الله:" لكي تكون أعمالنا صادقة ينبغي أن نكون صادقين مع ذاتنا أولاً قبل أن نكون صادقين مع غيرنا."

- يفرق عبد الله في الحب بين الحب العفيف والحب الجنسي وهو أكثر ما أعجبني في عبد الله أنه لا يبتذل في أعماله أبدا

- ويؤكد على قيمة التسامح التي يمكن أن تنتشر من خلال أدب عف يقوم على التسامي والترفع عن الفحش والابتذال.

- يتخذ عبد الله تولستوي مثالا فيقول كم حصل تولستوي الروائي الكبير من الحب الجنسي مثلا؟ ويجيب: صفر لأنه كان دميما حتى كانت الخادمات تأنف منه في شبابه وزوجته كانت كارهة له لكن يركز عبد الله على أن تولستوي كان مملوءا بعبير الحب الاجتماعي والتحنن على الفقراء والضعفاء من الفلاحين حوله. لقد رثى تولستوي للمخطئة وجعل الناس يعطفون على ضعفها في "أنّا كارنينا"....وعذب الذي سلب الفقيرة شرفها...عذبه بضميره وتوبته ثم بإعراضها هي عنه، عن ذلك الغني الذي جاء يطلب عفوها في قصة "البعث".

- يقول عبد الله:"أنا شخصيا أحس أن الكلمات المفردة لها ملامح، وألوان وطول وعرض، وظل مثل ظل الروح على وجه الإنسان.

- وإخال كل أديب يحس نفس الإحساس."

-لقد قال عبد الله ذلك لأنه عاش عشرين عاما وسط المفردات العربية في المجمع اللغوي حيث كان يعمل وهو هنا يؤكد على قيمة الكلمة وخطورتها والفرق الشاسع بين الكلمة والأخرى ولو كانتا مترادفتين وأبرز دليل على ذلك هو الفرق بين المترجم والكاتب.

- بقي أن أختم بقولي إن نجيب محفوظ - وهو هو في الرواية العربية - قد شهد بأن عبد الحليم عبد الله أفضل منه موهبة وأدباً ولغة

- وقد كان عبد الله أول من فاز في مسابقة القصة التي نظمها يوسف السباعي وتفوق على محفوظ الذي اشترك في فيها هو أيضاً

- عبر بصدق عن مجتمعه وأخرج لنا أدبا اجتماعيا هادفا هو أشد ما نحتاجه اليوم من أنواع الأدب.


من مقال بقلم : محمود الفقى