عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2012, 03:28 PM
المشاركة 774
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رحيل الروائية ليلى عسيران مؤرخة الخيبات العربية
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
بيروت: سناء الجاك
لم تغير الروائية اللبنانية ليلى عسيران عادتها. بهدوء ولياقة وبأقل قدر من الضوضاء انتقلت الى دار البقاء، وذلك بعد نضال صامت مع المرض، ايضا كعادتها. وعسيران المولودة عام 1934 كانت زوجة رئيس مجلس الوزراء اللبناني الاسبق الدكتور أمين الحافظ ووالدة رمزي الحافظ المهندس وناشر مجلة Lebanon Opportunities. لطالما عرفت كيف تجمع بين نشأتها في كنف عائلة عريقة لها بصماتها في التاريخ اللبناني وارتباطها بأحد أهم رجالات لبنان الذي سجل مواقفه وترك بصماته على الحياة السياسية بأسلوب غير مألوف في مستويات الصراع اللبناني وبين قناعاتها والتزامها بقضايا تتجاوز وطنها الى هموم العالم العربي. تركت ارثا ثقافيا وأدبيا كبيرا في الصحافة والرواية والقصة القصيرة والمقالات. بدأت عسيران مسيرتها الروائية مع «لن نموت غدا» بعد حرب يونيو (حزيران) 1967. ومع هذه البداية حاولت ان تؤسس عمارتها الروائية بمعزل عن مقولة الادب النسائي. لم تكن تؤمن بهذه التسمية. سعت الى تجاوزها باتجاه الادب الانساني الطالع من بيئته والملتزم بها، وذلك خلال فترة محتدمة من تاريخنا العربي.
وهي لم تكتف يوما بالكتابة الصورية بمعناها الوصفي السطحي. عاشت مواضيعها وشخصياتها. ففي رواية «خط الافعى» راحت الى غور الاردن واجتازت النهر وحاربت مع الفدائيين الفلسطينيين. كان لقبها آنذاك «الاخ ليلى». وفي رواية «قلعة الاسطه» عاشت فترة حصار منزلها في أحد ضواحي بيروت يوما بيوم ونقلت معاناة اهل البيت من دون توقف عند الفوارق الاجتماعية التي لطالما أزالتها لتغلب عليها جوهر التعامل الانساني. فـ«الاسطه» صاحب القلعة الصامدة في وجه الحصار والحرب هو الطباخ المصري للعائلة، أي فرد من أفرادها. اما في رواية «جسر الحجر» التي تحكي معاناة الجنوب اللبناني ابان الاحتلال الاسرائيلي فالبطلة «أم قاسم» الطالعة من نسج الخيال اكتسبت حياة وحركة في ذهن الكاتبة، حتى انها سألت زوجها ذات جولة قتالية: ترى ما حل بأم قاسم؟ كيف ستنجو من القصف؟ ليذكرها بأن أم قاسم لا وجود لها الا في الرواية.
وفي كتب ليلى كل تاريخ العرب وخيباتهم وبتسلسل ادبي انيق وصافع في حقيقته. الا ان تأريخها لهذه الخيبات لم يحل دون بقائها في دائرة التفاؤل، تماما كما يمكن ان نلمس في سيرتها التي حملت عنوان «شرائط ملونة»، حيث استعرضت محطات من حياتها التي عرفت لوعة الموت باكرا بفقدانها الاب وهي بالكاد في الرابعة من عمرها، مرورا بسنوات المدرسة الداخلية في القاهرة، وبعدها الدراسة الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم بدايات العمل الاعلامي في الصحافة المصرية، انتقالا الى مسيرتها الروائية والنضالية ومحطات بارزة في حياتها السياسية ان وفق قناعاتها والتزامها بالقضية الفلسطينية او الى جانب زوجها الذي كان في الندوة البرلمانية لعقود من الزمن.
ولعل عودة بيروت الى السلم الاهلي والانطلاق بإعادة الاعمار شكلا حلقة ساطعة من حلقات التفاؤل فكانت روايتها «طائر من القمر» خير ترجمة للامل بعودة لبنانها الى سابق عهده.
الا ان احوالها الصحية قوضت متابعتها لتلك المرحلة، وهي التي تحمل العياء في قلبها المتعب منذ شبابها. وتناضل لتهزمه. وقد فعلت فتغلبت على ازمة قلبية خطيرة اخذتها الى الغيبوبة طوال اشهر. وعادت لتكتب عن تجربتها هذه. «الغيبوبة» الذي كان آخر رواياتها، لتغرق الكاتبة المرهفة من دون غيبوبة في غياب قسري طوعي.