عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
9

المشاهدات
6972
 
هايل عزيزي
من آل منابر ثقافية

هايل عزيزي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
9

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Jan 2012

الاقامة

رقم العضوية
10761
02-07-2012, 05:52 PM
المشاركة 1
02-07-2012, 05:52 PM
المشاركة 1
افتراضي جنازة على الكوكب المجاور-قصة قصيرة
جنازة على الكوكب المجاور
اليوم هو الثاني والعشرون من أيّار سنة2045م ، الساعة الآن تقترب من التسعين والدقيقة من الألف !! ،هكذا الحياة تسير هنا تحترق بسرعة هائلة كاحتراق القش اليابس في هجير الشمس الغاضبة المتوقدة ، خرجت قبل قليل من البيت أحسست رجليّ تسيران بسرعة خارقة ليس كما يمشي الناس قبل خمس وثلاثين سنة ! ، الأمر مختلف جداً ، تذكرت شيئا ما توقفت كما يتوقف القطار أمام منزلها الصغير الذي تسكن فيه لفترة قصيرة مؤقتة ريثما يصل زوجها من إحدى دول الخليج العربي ، لقد طردها من البيت الذي قضيا فيه أروع أيامهما الزوجية وأنجبا فيه أربعة أطفال أبرياء ، طردها وهو في الغربة حينما تسربت إليه أنباء بأن أحد أعيان القرية والذي يملك حانوتا صغيرا بات إلى جانبها ذات مساء ، بيني وبينها مرمى حجر الآن ... ، أعرف جيدا أن أخاها الذي يقيم جنوبي البلاد لم يرسل لها بمصاريف هذا الشهر لأن الكهرباء منقطعة بسبب الظروف التي يمر بها الوطن ، وأعرف جيدا أيضا أن أخواتها وجاراتها لاترق قلوبهن تجاهها ، اقتربت قليلا ... رأيت قنينة فارغة لم يتبق فيها سوى قطرات من الزيت ، وفي الزاوية الشمالية الشرقية من الغرفة كيسا لايوجد فيه غير ذرات من الدقيق لم تتجاوز حفنة واحدة ، تظاهرت بالنوم ، لم أنبس ببنت شفة ، لكنني تذكرت أنها لم تطرق بابنا منذ يومين
عدت مسرعا إلى البيت ،سالت أخواتي عنها فأجابت إحداهن بأنها لم ترها منذ أمس الأول وربما إحدى جاراتها وشت بيننا وبينها ، جلست القرفصاء وشبكت بين أصابعي ثم أومأت بطرفي إلى الأرض ، نادتني إحداهن :
قم إلى مائدة الطعام ...
التفت إليها بصمت غريب ثم أمرتها أن تتجه إلى غرفة تلك المسكينة لترى ماالذي يحدث هناك وبسرية تامة ، لحظات ثم أقبلتا عليّ ، رأيت على أنفها لونا لم أره طيلة حياتي بالرغم من أن عمري اليوم هو ثلاثمائة وتسعة وستون عاما ، وشممت منها رائحة أعتقد أنها لاتوجد إلا في الجنة ، حينها كنت مذهولا وخرجت من دائرة السيطرة ، صافحتني فأحسست بنشاط جديد دبّ في دمي ومفاصلي ، عزمناها على المائدة فلم تقبل ثم ابتسمت ابتسامة الشهيد وادّعت أنها طبخت وأكلت وبعد ذلك عادت على اثرها تحمل حياء جما يتدلى على وجهها ، علمنا من إحدى جاراتها أنها جائعة منذ ثلاثة أيام !!! وأنها لم تدعها إلى غداء أو عشاء خوفا من زوجها الذي يصب الشتائم على رأسها إذا فعلت ذلك .
ياللعجب العجاب !!! أطفالها ليسوا موجودين ، ليس لديها ضمان إجتماعي ، لاأحد يعولها ، أدقعها الفقر وأعدمها الجوع ولم تجد ماتسد به أودها
أمرت أختي الصغيرة أن تحمل إليها كيسا يحوي بعضا من أساسيات الطعام علها تطبخ لنفسها لكنها سرعان ما عادت واجمة مكفهرة الوجه ثم أشارت لنا نحو الشمال
انطلقنا فوجدناها ملقاة على الطريق ، عيناها ذابلتان مضمحلّتان وثوبها الذي قدّ من اليسار تعبث به الرياح وهي متجمدة كليا عن الحركة ، تقبض في كفها الأيمن على شيء ما
حاولت فتح كفها لكني لم أجد فيه إلا هذه العبارات منقوشة بحناء الدم :
الدكتاتور لم يرحل ....
مازال الدكتاتور موجودا .....
الدكتاتور يغتصب النساء ........
الشعب يريد محاكمة الدكتاتور .......
قرأت الفاتحة ، سقطت من عينيّ دمعتان براقتان ، رفعت يديّ إلى السماء :
اللهم لاتجعلني أسكن قلوب الناس بالإيجار ....
ولا تجعل قلبي منطقة خالية من السكان.........
حملناها إلى الكوكب المجاور ، اشترينا لها كوبا من الهواء البارد لكن دون جدوى ، نظرت إلى الساعة فإذا هي تشير إلى الثالثة وسبع دقائق صباحا والتاريخ هو الثامن من آذار سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وألف للميلاد.
قصة : هايل عزيزي