عرض مشاركة واحدة
قديم 09-13-2010, 03:00 PM
المشاركة 12
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
لست وحدي
الجزء الثاني ( في وداع أمي )



ماتت أمي .. ولما تغادر بعد
راحت روحها .. لكن جسدها لا زال هنا
أنظره بعيوني وأحسه بيدي
الجو لا زال يبشر بمزيد من البرد الجاف الأشبه بتنهداتي الليلية الممزوجة بحرقة الوجع

اقتربت من أمي
وتأملت وجهها .. ودموعي تنهمر على ثيابها بصمت
تحسسته .. لمسته بيدي وحاكيتها من غير كلام ..
عدت للوراء كثيراً
تذكرت هذا الوجه المصفر كيف كان ؟
عندما كانت تقف على المرآة - قبل أن يداهم جسدها المرض - وهي تتحسسه بيديها وتضع بعضاً من الدهون عليه ,, وتقول : جلد الإنسان يا ابنتي يحتاج باستمرار أن ترطبيه ببعض الكريمات المنعشة ..
فهي تعطي للوجه طراوة ...
أتذكر .. كيف كانت تدهن وجهي ببقايا الكريم الذي لا زال عالقاً بيديها الحنونة
وبعدها تقبلني وتقول لي : ما أجملك يا حبيبتي
آه ... أيام راحت ..
وراح كل ما فيها بحلوها ومرها
عدت اتأمل الوجه المصفر .. وأشهق بتنهيدة خرجت من أعماقي
يا ليت تنهيدتي تلك تصحيها من نومها الطويل
اقتربت أكثر فأكثر .. وأحسست بقشعريرة تسري في أعضائي
تلفت هنا وهناك .. وقررت أن أنام بحضنها وأتلفع بلحافها
صعدت إليها
ومددت نفسي في سريرها كما عودتني
اقتربت أكثر وأكثر حتى التصقت بها أنشد شيئاً من حنان لا زال يرقد في جسدها البارد ..
عانقتها
و بكيتها ..
وبكيتها
بكيت غربتي ..
بكيت وحدتي...
بكيت أحوالي
بكيت أحزاني
بكيت وبكيت .. وكلما استدعيت من ذاكرتي شيئاً بكيت أكثر
بكيت حتى لم يعد في عيوني دموع أستعين بها على حزني
فقد جفت عيوني
فأغمضتها لاستدعاء مزيد من الدمع
.
.
.
.
لكنني رحت في نوم عميق
وأنا أقبع في غرفة ليس فيها سوى جسد بارد الأطراف
شاخص العيون أحمق لا يعي ما أقول !
وأنا وحزني .. كلنا في هذه الغرفة
ساعات قلائل مضت على غفوتي العميقة في حضن أمي
صحوت في عمق الليل أتفقد الجسد الهامد
اقتربت من أمي وصرت أهمس لها علها تسمعني
أمي حبيبتي ..
أين تذهبين وتتركينني وحدي أين ؟
اجيبيني ..
وأقول في نفسي : يقولون إن الميت لا يذهب سمعه بسرعة
اذن لا بد أنها تسمع كلماتي ولكنها لا تجيب !!
وأعيد .. أمي
وصرت ألاعب جفنيها وأداعب شعرها الأبيض
وأتحسس وجهها الذي غزته التجاعيد بلا رحمة
صمت لبرهة .. أتأمل سقف الغرفة
وأتمنى أن يسقط هذا السقف على رأسي لأغادر الدنيا برفقتها ..
تسللت برفق من جانبها لئلا أزعجها
ونهضت أقف على الأرض
رتبت نفسي قليلاً ورحت كالمجنونة أبحث في محتوياتها
علني أجد شيئاً يربطني بها أكثر قبل أن تغادر
نبشت خزانة ملابسها .. وأنا أتخيلها في كل قطعة تقع بين يدي
فأضمها بين يدي وأقبلها وأرمي بها جانباً
أمضيت وقتاً طويلاً أحسسته عمراً آخر وأنا أفعل ذلك

كان الليل قد أوشك أن يغادرهو الآخر
فأسرعت ألملم نفسي من جديد قبل أن يهرع الجمع لوداع أمي
ارتديت ملابسي بسرعة
وخرجت إلى الصالة .. وعادت الذكرى تلوح في مخيلتي من جديد
صورة أمي تجلس على الأريكة ...
أعود إلى غرفتها أضمها وأقبلها وأعود إلى الصالة قليلاً بانتظار من سيحضر
ها هي خالتي الوحيدة تقبل

انها خالتي مديحة
كم حدثتني أمي عنها ..
ها هي تدخل بجسدها الممتلئ وتمشي على عجل
وكأنها تتكئ على بعضها وهي تجهش بالبكاء
وتضمني إلى صدرها
فاسترجعت شيئاً من دموع ضاعت مني في ليلة فائتة ..
وكأنها اعتصرتني وأفرغت ما بي من دموع
فبكيت من جديد
وأحسست بضمتها لي دعوتي للإقامة معها
مما أضفى على روحي شيئاً من راحة مؤقتة
لأني وجدت إجابة على سؤالي
أين أذهب ؟


لم تطل اقامة أمي في البيت
فها هي قد غسلت وكفنت . ولم يسمحوا لي بالمشاركة في غسلها
لأنني أزعجها وهي ميتة على حد زعمهم
فامتثلت لأوامرهم .. وانتظرت حتى تمّ تكفينها ..

وبعد أن انتهوا ..
هجمت على الجسد المسج المكفن أبكي وأصرخ
والنسوة يبعدونني عنها لئلا يبتل كفنها بدموعي !!

وها هي الآن في نعشها
تنقل إلى بيتها الجديد
لعله بيت من غير آلام !!
يا ليتها أخذتني معها
وما هي إلا دقائق حتى امتلأ البيت بالمعزين
والكل يأمرني بالكف عن البكاء
فزممت الدمع والقلب يشتعل
وقبل أن تغادر البيت وجدتني أصرخ وأصرخ
أين تذهبين وتتركينني وحدي
إلى أين أذهب يا رب ؟
دارت بي الدنيا في جنبات البيت لا أدري أين أتوجه ..
فتلقفتني خالتي بين يديها ..
وأرخيت ما تبقى من أضلاعي المنهكة
بين أحضان خالتي مديحة
وطالت إقامتي بين يديها ..


الآن لم يتبق شيء.. بل انتهى كل شيء
راحت أمي جسداً وروحاً .. راحت إلى الأبد
وانفض الناس كل إلى حال سبيله كأن شيئاً لم يكن
.............
لملمت حاجياتي التافهة وكأني على سفر