عرض مشاركة واحدة
قديم 05-24-2014, 03:25 PM
المشاركة 18
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي روحٌ في زُجاجة ....!
رُوحٌ في زُجاجة :
-و كلّه بأمر الله يا سيدي ..!
-و نعمَ بالله يا دكتور .. هل مِن الطبيعي أن تكون بهذا الصغر ؟؟ و عيونها ؟ و جسدها ؟؟
-نعم .. نعم طبيعي ، فجسدها شفاف لأنها لم تكمل التسعة ، و عيونها مطموسة و هذا طبيعي و حجمها جيّد أعتقِد ستكون ضئيلة الحجم ..لا تخف سنُغذيها من أنفها حتى تبلغ التسعة .. و كلّه بأمرِ الله فهو صاحِب المشيئة الأعْظم ..
-و نِعم به الكريم الحليم الوهاب العظيم ..
نظر إليها مرّة أخرى ... مخلوق غير كامِل التكاوين ، الأنابيب تحيطها كألف ثعبان شفّاف .. صدرها يعلو و يهبط بسرعة جنونيّة و كأنها تختنِق ، تنتفِض كل حينٍ كأنها مصدومة .. لخروجها في هذا الوقت المبكّر ..
خَرج مِن المُستشفى يحملُ هموماً تَخَرّ لَهَا الجِبال ، يفكّر : ربي ما ظلمتُ أحد لماذا يحدُث هذا لأولادي ... فكّر في [ جميلة ] صغيرته ذات اليد القصيرة و في هذه التي لَم يُسميها للآن ... كيف سيتعامل مع أسئلة زوجته عن هذه الصغيرة ؟؟ كيف سيشرح لها و هي ذات القلب الطيّب و التصرفات الفِطريّة البسيطة ؟؟
:
:
وَلَج المنزل .. وجد هدوءاً غير عادي الأطفال متجمعين عِند أمهم ينظرون إليها و هي نائمة طردهم و مشّط شعرها بأصابعه فاستيقظت :
-هلا بنور البيت !
-هلا الغالية .. ما أخبارك ؟؟
-الحمدلله .. حسّن الله عزاءك في الطفلة ...!
-إنها حيّة ..! و في زجاجة ...!
-هاه ؟؟ كيف ؟؟
شرح لها الأمر كاملاً بتفاصيله الدقيقة .. ابتسمت و تنهّدت .. و هي تتمتم :
-ستموت .. فقدنا أولاداً كانوا رمزاً للصحة .. فكيف ستبقى هذه ..
-لا تقولي هذا .. إن أراد الله أمراً فإنما يقولُ له كُن فيكون ...
- و نعم بالله لكنه المنطِق ...!
-و هُناك معجزات و ربما كانت هذه إحداها .. سأسميها نجاة
-لا ... لا أسمح لك سأسميها أنا
-
-
-
-.... [ جليلة ] ..!
بعد شهرين فقدت الغالية الأمل في قدوم الصغيرة و عادت لتمارس دورها الريادي كأم حنون و زوجة مُحبّة ، أما الوالِد كان يتردد على المستشفى بشكل يوميّ يطمئن على الصغيرة و يلاحظ كيف أنها مُحارِبة فكل من حولها يموت و تبقى هي تصارِع الحياة ... كلّما دخل المستشفى الحكومي يركُض إلى غرفة الخُدّج و يرى أسرةً قد اختفت و صغيرته تقاوم الموت بأنبوب في أنفها ... بدأت تحرك جسدها و تفتح عيونها و تبكي بصوت ضئيل كمواء قِطـة ولِيدة .. و كلّ يوم يخبر إخوتها عَنها .. يملؤهم الحماس لدرجة تسميتها بـ بسبوسة و سؤالهم عنها الدائم يجعل الأب يضحك و يفرح .. أما الغالية فكانتْ تهزّ رأسها : اهتموا بـ [جميلة ] دعوا الميّتة في قبرها الزجاجيّ ...
و كان الأب ينفّس عن بركان غضبه في خروجه إلى الشارِع و مشيه الحثيث إلى البحر ... يدع البحر يحمله إلى مساحاتٍ من الهدوء لا يصلْ إليها إنسٌ و لا جان ... مع صوتِ النوارِس و السمك المجفف على الشاطئ .. يغسِل روحه ..و يعود بهدوءٍ إلى المنزل ليُمْطِر حنانه وابلاً من عِناقٍ و قُبُلات للصغار .. .. يتمنى لو كان لديه المال لعالج [ جميلة ] و سافر بالصغيرة لكنه لا يملك ما يسد رمق هذه الأفواه .. فكيف بعلاجهم .. نظر إلى السماء ... ربي أنت أعلمُ بالحال ... ارحمنا !
:
:
قَدْ حان موعِد خروجِها أعدّ العُدة لاستِقبال [ بسبوسة ] طار إلى المستشفى على جناحِ الحُب ... وضّح له الطبيب كيفية التعامل مع هذه الـ خديجة ...
-يجب أن ترتدي القفازات قبل لمسها منعاً لوصول الجراثيم هذا عدا الكمامات لجميع من يتعامَلْ معها و هذا الحليب الخاص بها ملعقتين في زجاجة كلّما جاعت ، هذه حفاظاتُها و .....
نظر الأب إلى الصغيرة ... لا ملامِح واضحة .. لازالت شفّافة و حجمها صغير جداً كأنها لُعبة و عِندما تبكي لا يُسمع لَها صَوْتاً ، عيونها لا زالت مقفلة و يجب التعامُل معها كشيء قابلٍ للكسر ... كَم هذا صعب عليه ...!
-هل فهِمت يا سيدي ؟؟ - قال الطبيب
-نعم ... نعم ... فهِمت ...!
-و في كل شهر هاتها مرّة سنجري تحاليلاً على نموها و نطمئن على مقدرتها العقلية ...
-حاضر ... حاضِر ...
-جعلها الله مِن عباده الصالحين ...
-آمين ... شكراُ دكتور ...!
-على الرحبِ و السعة ...!
وضعها في حجره و ساقَ إلى المنزل ... دخل المنزل ضاحكاً :
-لقد جلبتُ بسبوسة ..!
-هذه منحوسة و ليستْ بسبوسة – ردّت [ جميلة ]
-تعالي حبيبتي انظري إليها ...!
-هذه مسخ لا أريد ..
-لقد جلبتْ لكِ حلوى .. انظري
-أنا أحبّ بسبوسة ..!

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..