عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2010, 10:40 AM
المشاركة 292
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إبراهيم المازني

ولد المازني فى أواخر القرن التاسع عشر في أسرة متوسطة ، ومات أبوه وهو صبي ، وكانت الأسرة تسكن في أطراف العاصمة بالقرب من المقابر (وهنا تأتي الدلالة لمقالته على تخوم العالمين) . ولد تحديدا في عام 1890 ، من أسرة من رجال الدين وكان أبوه محاميا شرعيا للأسرة الحاكمة ، ومات أبوه وهو صبي فورث أخوه مكان الأب وبدد ثروته .

تزوّج المازني بعد أن تخرج من مدرسة المعلمين العليا ، واشتغل بالتدريس ، عاش معها حياة مليئة بالمرارة ، وأنجب منها بنتا .. ماتت الزوجة ، ثم ماتت البتت أيضا .

ترك التدريس واشتغل بالصحافة منذ أعوام الثورة المصرية الأولى .. ويظل يعمل بها إلى إن مات في عام 1949 .

تراث المازني خصب ورائع: أربع قصص .. إبراهيم الكاتب ، وإبراهيم الثاني ، وعود على بدء ، وميدو شركاه .
عدد من المقالات جمعها في كتبه حصاد الهشيم ، وقبض الريح ، وخيوط العنكبوت ، وصندوق الدنيا ، وع الماشي .
ديوان من الشعر في ثلاثة أجزاء .
دراسة عن الشاعر بشّار بن برد .

للأسف لا يعرف الغالب المازني إلا إذا ذكر العقاد ، لارتباطهما بالكتاب الشهير في عالم النقد (الديوان في الأدب والنقد) .


في مقدمة كتابه حصاد الهشيم تعريف بشخصية الأديب المازني .

أيها القارئ !

هذه مقالات مختلفة في مواضع شتى كتبت في أوقات متفاوتة وفي أحوال وظروف لا علم لك بها على الأرجح . وقد جمعت الآن وطبعت وهي تابع المجموعة منها بعشرة قروش لا أكثر ! ولست أدعي لنفسي فيها شيئا من العمق أو الابتكار أو السداد ، ولا أزعمها ستحدث انقلابا فكريا في مصر أو فيما هو من دونها ، ولكني أقسم أنك تشتري عصارة عقلي وإن كان فجّا ، وثمرة إطلاعي وهو واسع ، ومجهود أعصابي وهي سقيمة ، بأبخس الأثمان ! .
وتعال معي لنتحاسب ! إن في الكتاب أكثر من أربعين مقالا تختلف طولا وقصرا وعمقا وضحولة . وأنت تشتري كل أربع منها بقرش ! وما أحسبك ستزعم أنك تبذل في تحصيل القرش مثل ما أبذل في كتابة المقالات الأربع من جسمي ونفسي ومن يومي وأمسي ومن عقلي وحسي ، أو مثل ما يبذل الناشر في طبعها وإذاعتها من ماله ووقته وصبره . ثم إنك تشتري بهذه القروش القروش العشرة كتابا ، هبه أنه لا يعمر من رأسك خرابا ولا يصقل لك نفسا أو يفتح عينا أو ينبه مشاعر فهو – على القليل – يصلح أن تقطع به أوقات الفراغ وتقتل به ساعات الملل والوحشة . أو هو – على الأقل – زينة على مكتبك . والزينة أقدم في تاريخنا معاشر الآدميين النفعيين من المنفعة وأعرق ، والمرء أطلب لها في مسكنه وملبسه وطعامه وشرابه ، وأكلف بها مما يظن أو يحب يعترف .
على إنك قد لا تهضم أكله مثلا فيضيق صدرك ويسوء خلقك وتشعر بالحاجة إلى التسرية والنفث وتلقى أمامك هذا الكتاب فالعن صاحبه وناشره ما شئت ! فإني أعرف كيف أحوّل لعناتك إلى من هو أحق بها ! ثم أنت بعد ذلك تستطيع أن تبيعه وتُنكب به غيرك ! أو تفككه وتلفّف في ورقه المنثور ما يُلف ، أو توقد به نارا على طعام أو شراب أو غير ذلك !
أفقليل كل هذا بعشرة قروش ؟ !

أما أنا فمن يرد إليّ ما أنفقت فيه ؟ من يعيد لي ما سلخت في كتابته من ساعات العمر الذي لا يرجع منه فائت ، ولا يتجدد كالشجر ويعود أخضر بعد إذ كان أصفر ، ولا يُرقع أو يُرفى ؟

وفي الكتاب عيب هو الوضوح فاعرفه ! وستقرؤه بلا نصب ، وتفهمه بلا عناء ثم يخيّل إليك من أجل ذلك أنك كنت تعرف هذا من قبل وأنك لم تزد به علما ! فرجائي إليك أن توقن من الآن أن الأمر ليس كذلك وأن الحال على نقيض ذلك !

واعلم أنه لا يعنيني رأيك فيه . نعم سيسرني أن تمدحه كما يسر الوالد أن تثني على بنيه ، ولكنه لا يسوءني أن تبسط لسانك فيه إذا كنت أعرف بعيوبه ومآخذه منك . وما أخلقني بأن أضحك من العائبين وأن أخرج لهم لساني إذا أراهم لا يهتدون إلى ما يبغون وإن كان تحت أنوفهم !

ومهما يكن من الأمر ، وسواء أرضيت أم سخطت ، وشكرت أم جحدت ، فاذكر ، هداك الله ، انك آخر من يحق له أن يزعم أن قروشه ضاعت ! أولى بالشكوى منك الناشر ثم الكاتب .


القاهرة في 28 سبتمبر 1924

إبراهيم عبد القادر المازني