عرض مشاركة واحدة
قديم 05-28-2012, 11:44 AM
المشاركة 715
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جميل عطية إبراهيم: السلطة الآن في مصر لاتعتقل المثقف ولا تستمع إليه
الروائي المصري لـ«الشرق الأوسط»: ما فعله صنع اللهإبراهيم يتسق مع تاريخه السياسي والأدبي
القاهرة: محمد أبوزيد
يتعرض الروائي جميل عطية ابراهيم في روايته «المسألة الهمجية» الصادرة حديثاً عن دار ميريت بالقاهرة «إلى واحدة من أعقد القضايا الإنسانية في تاريخ البشرية وهي منطق وأفعال الهمجي وكيفية الحكم على أفعاله والقوانين والمواثيق التي تجرم الفعل الهمجي.

وفي زيارته السريعة للقاهرة قادما من سويسرا حيث يقيم لحضور مؤتمر الرواية التقيناه وكان هذا الحوار:
* تفتح في روايتك الجديدة «المسألة الهمجية» ملف المسألة الهمجية وأسطورة الصهيونية ألا ترى أن هذه منطقة ملغومة؟
ـ إذا كان تاريخ البشرية هو تاريخ مقاومة الشرور فإن على الكاتب أن يقاوم دفاعاً عن بشريته لأن الهمجية ظلت وصمة عار ولاتزال وصمة عار في عالمنا الحديث، لذلك فإن الرواية تلفت النظر إلى أن الهمجي يزاول همجيته وفقاً لمنطق خاص يضعه لنفسه ويؤمن به لكي يبرر همجيته ويعتقد الهمجي دوماً أنه على صواب وعلى استعداد لتقديم مبررات وأسانيد قانونية لأفعاله المشينة وليس كما يعتقد بعض الناس بأن الهمجي لا يمتلك قانوناً ينظم همجيته ومن هنا تأتي أهمية الرواية فهي لا تدين الفعل الهمجي فقط ولكنها تكشف عن منطقه الخاص وتدينه.
* تتحدث في الرواية عن شارون، وهنا تتحدث عن الهمجي، هل أقول إنهما شخص واحد؟
ـ هذا صحيح، ومن هذا المنطلق تتوقف الرواية عند مذبحة جنين حيث مارست قوات الاحتلال الاسرائيلي ارتكاب كل الشرور والهمجية وفق منطق خاص بها يعتمد على ضرورة ابادة الشعب الفلسطيني وسرقة أراضيه انطلاقاً من النظرية الصهيونية الشائعة التي تؤيدها بقوة الدوائر الأميركية الحالية ومعظم الساسة في الغرب أيضاً في السابق بدرجات أقل من أول بلفور صاحب الوعد الشهير وحتى الزعماء الأوروبيين المحافظين الحاليين. ما أريد قوله : إذا كان للهمجي منطقه الخاص فإن المواثيق الدولية وأولها ميثاق حقوق الانسان واتفاقيات جنيف وقواعد القانون الانساني الدولي هي المحك الأخير للفصل بين الهمجية وغير الهمجية ولذلك فإن بطل الرواية وهو صحافي يعمل في جنيف وعاش سنوات الحرب الباردة وسقوط الكتلة الاشتراكية وبدء النزاعات الاقليمية ووصل إلى قناعة بأنه من الضروري تقديم شارون إلى محكمة جرائم الحرب.
* هل أستطيع أن أقول إن في الرواية شبه سيرة ذاتية؟
ـ إلى حد كبير، فالهم الخاص والعام الذي يحرك بطل الرواية هو الذي يحركني، بالاضافة الى تفاصيل أخرى.
* لماذا يتركز معظم ابداعك في سنوات ما بعد الثورة، بالتحديد في فترة الرئيس جمال عبد الناصر؟
ـ لقد عشت سنوات الثورة وتأثرت بها واستفدت من انجازاتها، ووقع عليَّ عزم من تجاوزاتها وانتكاساتها وعندما تولى الرئيس السادات الأمر عمل على مسح تاريخ الثورة من التاريخ، لذا رأيت من واجبي الحفاظ على ذاكرة الأمة بتقديم تلك السنوات بعد اعادة الدراسة والفحص فكتبت ثلاثية الثورة (1952، أوراق 1954، 1981) وهذه تواريخ فاصلة في تطور الثورة حتى مقتل الرئيس السادات، ثم بعد ذلك كتبت أوراق سكندرية التي تتعرض من أول ثورة 1919 حتى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، فجمعت في الرواية أحداث قرن من الزمان بشكل فني وليس تسجيلياً دعائياً.
* لكن في الثلاثية توجد شخصيات حقيقية كهيكل وعبد الناصر وصلاح عيسى، كيف ترى الفارق بين الكتابة التاريخية والابداعية؟
ـ هذه اشكالية كبرى. كنت في 1952 أطلب مشورة د. علي الراعي فكان يرفض نصيحتي في أي شكل اتبعه في الكتابة قائلاً: يا جميل: اتبع التجربة والخطأ وأنت ستصل إلى القوانين ونصحني ببعض الكتب التاريخية في الأدب الانجليزي لا أعرفها، أما ما أعرفه من روايات فأعدت قراءته خاصة من الأدب الروسي والألماني مرة أخرى في أثناء الكتابة، وأنا أعتقد أني طورت منهجي بعد قراءة توماس مان على وجه التحديد، كما أنني قرأت ثلاثية نجيب محفوظ عشرات المرات حتى تثريني وتزكيني ابداعياً وروحياً، واستغرق العمل في الثلاثية عشر سنوات، وتعلمت أثناء التحضير لها أن الروائي هو المؤرخ السري للثورات، لذا وجدت من واجبي تقديم المهمشين والذين قامت ثورة 1952 من أجلهم، وظلت اشكالية التعامل مع الشخصيات العامة قائمة فاتخذت قراراً بالتعرض للشخصيات العامة في أقل مساحات مع عدم نسبي إليها أي قول لم تقله في الحياة العامة.
* لكن البعض يتهمك بضعف بناء الشخصيات العامة في رواياتك؟
ـ الشخصيات العامة ليست شخصيات روائية بالمعنى المعروف فأنا لا أتناول مشاعرها ولا حياتها الأسرية فأنا أستعملها لاستكمال الصورة فربما تأتي غير ناضجة غير مكتملة البناء كما تقول، ولكنها تكشف محاور سياسية عامة وهذا لا يضايقني لأني لا أكتب سيرة ذاتية لهذه الشخصيات ولكني أكتب سيرة الثورة.
* تبدو سلطة يوليو في كتاباتك أكثر انسانية في التعامل مع المثقفين على عكس ما هو معروف هل هو موقف سياسي أو توجه آيديولوجي؟
ـ سلطة يوليو في عهد الزعيم جمال عبد الناصر لم تعتقل المثقفين بسبب أفكارهم الثقافية ولكنها اعتقلتهم بسبب أنشطتهم السياسية، لا يوجد مثقف اعتقل في عهد عبد الناصر بسبب رواية أو قصيدة شعر، كان الاعتقال دوماً بسبب النشاط السياسي. حيث كان جمال عبد الناصر يرفض فكرة تنوع الأنشطة السياسية ويرى أنه في معركة مع الاستعمار طويلة ودائمة، ويود أن يضع البلد كله خلفه في كل لحظة تاريخية. ومن هنا وقع اضطهاد المثقفين والتضييق عليهم، لكنه من جانب آخر كان يستمع إلى المثقفين ويجري اتصالات مع المعتقلين منهم ويستفيد من آرائهم. الوضع الحالي في مصر ان السلطة لا تعتقل أي مثقف ولا تستمع إليه أيضاً، هو يقول ما يشاء، وهي تفعل ما تشاء، فيعاني المثقفون في الثلاثين سنة الماضية من هذه العزلة وهي عزلة خطيرة لأن البلد لا يستفيد من الآراء النيرة لجبهة واسعة من المثقفين. هذه الجبهة مشغولة بالرأي العام مثل الصراع العربي ـ الاسرائيلي وقضية التكامل العربي والعراق والعولمة، المثقفون لهم أفكار ومقترحات لهذه القضايا يكتبونها دوماً، والسلطة دوماً ما تسمح لهم بتشكيل الأحزاب وممارسة النشاط السياسي، ومن جانب آخر لا تستمع إليهم وهذه هي الفجوة الحقيقية بين المثقف والسلطة وأرى أنها شائعة في كل بلدان العالم العربي والعالم الثالث.
* إشكالية التعامل بين المثقف والسلطة كيف تراها، وكيف يجب أن تكون في رأيك؟
ـ هذه اشكالية موجودة منذ تشكلت السلطة ومنذ وجد المثقف وهي اشكالية تتسق في بعض العصور بالحدة، بل إلى حد ارهاب المثقف وفي عصور أخرى تتسم بالليونة ومحاولات الاحتواء والاستفادة من المثقف ويوجد في ذهني مثال واضح: يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الحالي كان في شبابه في الستينات من الطلبة المشاغبين والفوضويين ووجهت له أقصى الاتهامات وهو حالياً من أنجح وزراء الخارجية الذين عرفتهم ألمانيا، وهذا حدث لأن النظام الألماني سمح لهذه الشخصية أن تسير في طريقها الطبيعي وتصل إلى السلطة من موقع المثقف، الأنظمة الأقل عقلانية والأكثر استبداداً لا تعرف هذا المسلك وتصنف الناس إلى خانة أعداء وخانة أصدقاء، تماماً كأنظمتنا العريبة، ومن الطبيعي دوماً أن تكون هناك خلافات واسعة بين المثقف والسلطة لأن من واجب المثقف النظر دائماً إلى تحقيق الأفضل بينما السلطة تؤمن بشعار ليس في الامكان أبدع مما كان.
* كنت أحد الموقعين على بيان الدفاع عن صنع الله ابراهيم وأن الذين ناصروه في مؤتمر نقابة الصحافيين، هل هذا بدافع الصداقة أم بدافع الموافقة على ما فعله؟
ـ أنا دافعت بشدة عن الخطوات التي اتخذها صنع الله ابراهيم برفض جائزة الدولة والأسباب التي أعلنها لهذا الرفض، وسأظل أدافع عن حقه وحق الآخرين في رفض أي جائزة لاعلان أسبابها، فهذا حق أصيل لأي كاتب ولايجوز مناقشة هذا الحق، قد يوافق عليه البعض أو يرفضه ولكنه يظل حقاً أصيلاً للكاتب أن يرفع صوته قائلاً لا.
* لكنك لم تقل لي هل أنت موافق أم لا على ما فعله؟
ـ ليس مهماً رأيي، المهم هو أن ما فعله صنع الله ابراهيم يتسق مع تاريخه السياسي وابداعه الأدبي ومواقفه المعلنة وليس لغرض الادعاء والشهرة وهذا هو صنع الله الذي نعرفه منذ سنوات الستينات.
* أنت أحد مؤسسي جماعة جاليري 68، والتي أثرت الحياة الأدبية في الستينات ماهي أسباب توقفها؟
ـ تخصصت جاليري 68 في نشر انتاج الشباب الذي يكتب بشكل مختلف عنالابداع السائد في المجلات والمنابر المختلفة الرسمية في ذلك الوقت بشكل متفرد وبدأ التفكير في مجلة خاصة عام 66، ثم جاءت الهزيمة فعطلت المشروع إلى أن صدر العدد الأول من جاليري 68 بدعم مالي من كل الكتاب ومن الفنانين والتشكيليين الذين نظموا معرضاً لبيع لوحاتهم لصالح اصدار المجلة وتوقفت المجلة بعد أن أدت رسالتها وأصبح الأدب الجديد ينشر في كل المنابر الرسمية وغير الرسمية وعرض الكتاب الجدد أدبهم على الساحة ممثلاً في نشر أعمال ابراهيم أصلان ومحمد البساطي وغيرهما في «الأهرام» وبدأت اذاعة البرنامج الثاني تقدم قصصاً لي، فلم تكن هناك حاجة ملحة لاستمرار الجماعة والمجلة، بالاضافة الى أن اصدار مجلة ليس بالعمل السهل، وكناقد تجاوزنا الثلاثين من العمر وتصدر المجلة من المقهى فتوقفنا لأسباب موضوعية أدبية وليس لأي أسباب أخرى سياسية.
* هل هذا الزخم الابداعي والثقافي الذي كان موجوداً في فترة الستينات اختفى الآن؟
ـ في الستينات كان هناك زخم ابداعي وزخم ثقافي في السنوات الأخيرة يوجد زخم ابداعي متميز ولا يوجد زخم ثقافي، بمعنى أن أجهزة الاعلام القوية تقاطع الثقافة الجادة، ولا تتيح لها الفرصة، ويقتصر الزخم الثقافي على دوائر المثقفين المعزولة عن الشارع ومن يقرأ الصحافة المصرية المكتوبة ومن يرى القنوات الفضائية التي تنبح ليلاً ونهاراً يحس بغيبة الثقافة الجادة عن هذه الأيام.