عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-2010, 09:40 AM
المشاركة 12
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفاً للاسلام وحده، وإن كان الاسلام أحق به، ولكنه شرف للانسانية جميعاً..

لقد صمد لأقسى ألوان التعذيب صمود البرار العظام .

ولكأنما جعله الله مثلاً على أن سواد البشرة وعبودية الرقبة
لا ينالان من عظمة الروح إذا وجدت إيمانها، واعتصمت بباريها، وتشبثت بحقها..

لقد أعطى بلال درساً بليغاً للذين في زمانه، وفي كل مان،
للذين على دينه وعلى كل دين..
درساً فحواه إن حريّة الضمير وسيادته لا يباعان بملء الأرض ذهباً، ولا بملئها عذاباً..

لقد وضع عار ٍفوق الجمر، على أن يزيغ عن دينه، أو يزيف اقتناعه فأبى..


لقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام، والاسلام،
من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذاً للبشرية كلها في فن احترام الضمير، والدفاع عن حريته وسيادته..

لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة..
فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عار ٍ، ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال، ويلقون به فوق جسده وصدره..

ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم، حتى رقّت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جلاديه،
فرضوا آخر الأمر أن يخلوا سبيله، على أن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم،
ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم وإصراره..


ولكن حتى هذه الكلمة الواحدة العابرة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه،
ويشتري بها حياته نفسه، دون أن يفقد إيمانه، ويتخلى عن اقتناعه..

حتى هذه الكلمة الواحدة رفض بلال أن يقولها..!

نعم لقد رفض أن يقولها، وصار يردد مكانها نشيده الخالد:
"أحد أحد"

يقولون له: قل كما نقول..

فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية:

"إن لساني لا يحسنه"..!!

ويظل بلال في ذوب الحميم وصخره، حتى إذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلاً،
ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها.
وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس:" أحد أحد".


وكان إذا جنّ عليهم الليل يساومونه:

غداً قل كلمات خير في آلهتنا، قل ربي اللات والعزى،
لنذرك وشأتك، فقد تعبنا من تعذيبك، حتى لكأننا نحن المعذبون!

فيهز رأسه ويقول:" أحد.. أحد..".

ويلكزه أمية بن خلف وينفجر حقداً وغيظا،
ويصيح : أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء..؟
واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلاً.

ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس:

"أحد.. أحد.."

ويعود للحديث والمساومة، من وكل إليه تمثيل دور المشفق عليه، فيقول:

خل عنك يا أميّة.. واللات لن يعذب بعد اليوم، ان بلالاً منا أمه جاريتنا،
وانه لن يرضى أن يجعلنا باسلامه حديث قريش وسخريّتها..

ويحدّق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة، ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر، ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالاً:

"أحد.. أحد.."

وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة، ويؤخذ بلال إلى الرمضاء،
وهو صابر محتسب، صامد ثابت.

ويذهب إليهم أبو بكر الصديق وهو يعذبونه، ويصيح بهم:

(أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟؟

ثم يصيح في أميّة بن خلف: خذ أكثر من ثمنه واتركه حراً..

وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة..


لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره
إذ كان اليأس من تطويع بلال قد بلغ في في نفوسهم أشده، ولأنهم كانوا من التجار، فقد أردكوا أن بيعه أربح لهم من موته..

باعوه لأبي بكر الذي حرّره من فوره، وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار...


......يتبع