عرض مشاركة واحدة
قديم 05-30-2012, 02:50 PM
المشاركة 740
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
94- المؤامرة فرج الحوارتونس


الإهداء في بعض روايات فرج الحوار




محمد نجيب العمامي



كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة تونس



تمهيـد



ليس من العسير على متصفّح روايات فرج الحوار المكتوبة بالعربية أو الفرنسيّة الوقوف على ولعه بالعتبات. وهذه العتبات أصناف منها العناوين والتقديم والتمهيد والتصدير والإهداء. ويعتبر الإهداء من العتبات الثابتة في هذه الروايات. والإهداء، برأي جونات، مصطلح يطلق على شكلين من الممارسة بينهما قرابة. ويتمثّل الشكلان في منح الكاتب كتابه لشخص ما أو لمجموعة حقيقيّة أو مثاليّة من الأشخاص أو لأيّ كيان آخر. إلاّ أن الشكلين يتمايزان. فأحدهما يخصّ الحقيقة المادّيّـة لنسخة بعينها ويجسّم التبرّعَ بها أو بيعَها وثانيهما يخصّ الحقيقة المثاليّـة للكتاب ذاتـه الذي لا يمكن امتلاكه (وبالتالي التخلّي عنه) إلاّ رمزيّا(1). ولن نهتمّ بالشكل الأوّل بل سنقصر النظر على الشكل الثاني. ولما كان فرج الحوار من الروائيين المكثرين وممن يكتبون باللغتين العربيّة والفرنسيّة رأينا أن ندرس الإهداء في بعض رواياته المحررة بالعربيّة وتحديدا في الروايات الأربع الأولى أي في "الموت والبحر والجرذ"(2) و"النفير والقيامة"(3) و"المؤامرة"(4) والتبيان في وقائع الغربة والأشجان"(5) . وسنحاول تناول مبحثنا وفق أربعة محاور هي مواطن الإهداء وأصناف المهدى لهم وعلاقة الإهداء بسائر العتبات وبالمتن الروائيّ وأخيرا وظائف الإهداء.


1 ـ مواطن الإهداء


ظهرت كلّ إهداءات مدوّنتنا مرافقة للمتون الروائيّة للطبعات الأولى. وقد يكشف هذا الإصرار على الإهداء أهمّيّة هذه الممارسة في نظر الكاتب، ذاتها المنتجة. واحتلّت هذه الإهداءات موطنين مختلفين نسبيّا. ففي "الموت والبحر والجرذ" وفي "التبيان في وقائع الغربة والأشجان" تلا الإهداء تقديم الرواية. وهو تقديم أنجزته ذات منشئة مختلفة عن الروائيّ. فالرواية الأولى كتبتقديمها عبد الفتاح ابراهم(6) في حين قدّم الثانيةَ عبد العزيز شبيل(7) . أمّا "النفير والقيامة" و"المؤامرة" فتلا الإهداءُ فيهما صفحة العنوان الداخليّة. وقد نفهم من تأخير الإهداء في الروايتين الأوليين أنّ المؤلّف يعتبر التقديم مكوّنا انتماؤه إلى نصّه ليس انتماء عضويّا وذلك بخلاف الإهداء بل لعلّه يعتبر الإهداء أقرب إلى المتن الروائيّ منه إلى الكتاب. ومثل هذا القرب وذلك الانتماء، إن صحّا، قد يدلاّن على أنّ الإهداء، لدى فرج الحوار، ليس عتبة شكليّة. وهذه الدلالة المزدوجة المحتملة قد يدعمها تنوّع الإهداء من رواية إلى أخرى وحجمه النصي الممتدّ نسبيّا. ولعلّ التعرف إلى المهدى لهم يعمّق معرفتنا بالإهداءات وصاحبها.


2 ـ المُهدى لهم


المهدى لهم في الروايات الأربع صنفان كبيران، المهدى لهم غير المباشرين والمهدى لهم المباشرون أو الرسميّون حسب تسمية جونات. وهم المعيّنون تعيينا فرديا أي المشار إليهم بالاسم. ويتكوّن هذا الصنف الثاني من مجرّدات ومحسوسات. والمجرّدات هي العفن والأمل والحداثة. أمّا المحسوسات فبشر. والبشر نفس الكاتب(8) التي خصّها وحدها بإهداء رواية "المؤامرة" وأشركها مع غيرها في إهداء رواية "الموت والبحر والجرذ". والبشر كذلك أهل وأصدقاءُ وأساتذة ونكرات. والأهل أمّ وزوجة وثلاثة أبناء، نهى ووائل ولينا. والأصدقاء كلّ الخلان وعبد الفتاح ابراهم. والأساتذة واحد هو الأستاذ توفيق بكّار. أمّا النكرات فهم، في الواقع، معارفُ في مرتبة النكرات. وهم: "الإنسان" و"كلّ الناس" و"كلّ الأطفال" و"الرجال والنساء-الأسلاف والأحلاف وكل من رفع لواء الإنسان".


ولعلّ الإهداء الوحيد الذي يبدو تقليديا، من زاوية المهدى له، هو إهداء "النفير والقيامة". فهو مهدى للأمّ والزوجة والبنت البكر وللصديق الأخ عبد الفتاح ابراهم وللأستاذ توفيق بكار. أما سائر الإهداءات ففيها، من الزاوية نفسها، تجديد. وسواء بدا الإهداء تقليديا أو اتسم بطابع التجديد فهو يشفّ عن نمط العلاقة القائمة بين المُهدي والمهدى له. وهي علاقة شخصية حينا وعامّة حينا آخر. فقد أهدى فرج رواياته إلى بعض من جمعته بهم قرابة العائلة والدم وعلاقة الصداقة. وأهدى رواياته كذلك على قاعدة العلاقة الأدبيّة حينا والفكريّة حينا آخر. فعبد الفتاح ابراهم والأستاذ توفيق بكّار بؤأتهما العلاقة الأدبيّة الفنيّة محلّ المهدى له المعترف له بالجميل. أما المجردات ومن أسميناهم "النكرات" فالعلاقة بينهم وبين الروائيّ لا تدرك إلا في مستوى الفكر وحده.


وإنّ المتأمّل في قائمة المهدى لهم الرسميّين وفي نصوص الإهداء ليستكشف قيام هذه النصوص على مقابلة بين عالمين لا أمل في تعايش إيجابيّ بينهما. العالم الأول هو عالم العفن، والخوف والأشواك والداء والأعداء، ومزارع القحط ينتعش فيها العدم. وهو عالمُ الحرف المظلم والهراوة المشرعة وقطاع الطريق وحرائق الهزائم(9) والغلبة والاندحار(10) والعراء والصحراء والمنفى(11) والجنون والكواسر والأوثان والأنقاض والطواعين والأوبئة والغيلان والأشباح والابتزاز والتكرار والبتر والخلط القبيح ومطامع الظلام(12) . أمّا العالم الثاني فهو عالم الأسرة والأم والصديق والخلان والأستاذ والأطفال والأسلاف والأحلاف الذين سفحوا حبرهم وأرواحهم مدائح تحض الشمس على الانتشار وكل من رفع لواء الإنسان. وهو عالم الحداثة والحلم والأمل واليقين والشمس والنور والتوق والصمود والحياة وبشائر الانتصار.


هذان العالمان المتقابلان هما عالما الخير والشرّ. وبينهما صراع قائم لا يني مداه الجغرافي غالبا ما يضيق فلا يتجاوز حدود "حارة" الكاتب، وطنيه التونسي والعربيّ. ولكنه يتّسع في أحيان أخرى قليلة فيشمل العالم الرحب، عالم الإنسان. وهذا الصراع غير متكافئ بسبب غلبة الشرّ غلبة صار معها عالم الخير حلما ومناط توق وشوق. ولعلّ قيام كلّ الإهداءات على هذه الثنائيّة يوحي بأنّ هذه الثنائيّة ستكون أسّ المتون القصصيّة. وهذا الاحتمال ترجّحه عناوين الروايات التي لم تخل، إن صراحة أو ضمنا، من مقّومي هذه الثنائيّة.


إنّ القول بانفتاح محتمل للإهداءات على المتون يجد مبرّره في الصنف الثاني من المهدى لهم الذين اعتبرناهم غير مباشرين. ونعني بهم القرّاء. وفي هذا الصدد يرى جونات أنّه مهما يكن اسم المهدى له الرسميّ فثمّ دوما لبس في وجهة الإهداء أو هدفه. فالإهداء لا يستهدف مرسلا إليه واحدا هو المهدى له الرسميّ فحسب بل يستهدف أيضا القارئ بما أنّ الأمر يتعلّق بعمل عموميّ أُقحم القارئ، على نحو ما، في الشهادة عليه. فالإهداء، حسب جونات، عمل لغويّ إنجازيّ عبارته: "أقول لفلان إني أقول للقارئ إني أهدي فلانا هذا الكتاب" (وبعبارة أخرى: "أقول لفلان إني أنجز له إهداء علنيا") ولكن في الآن نفسه: "أقول للقارئ إني أقول لفلان الخ.."(13) . فالقارئ، شاء أم أبى، أحد متقبلي الإهداء. وهو ما يكشف طابع الإكراه في هذا العمل الاختياريّ المسمّى بالإهداء. فالكاتب مطالب، على نحو ما، باختيار الإهداء الذي يناسب المهدى له الرسميّ. وهو مطالب أيضا بالعمل على أن يشدّ الإهداء، مهما كان خاصّا، القارئ.


ويبدو أن فرج الحوار كان واعيا بهذا الإكراه. وهو وعي نتبيّنه من خلال قرينتين: أولاهما تنويعه غالبا المهدى لهم تنويعا يتراجعون معه إلى مرتبة ثانية ليحلّ محلّهم ما يشتركون فيه والمهدي والقارئ المحتمل. أمّا ثانية القرائن فالإهداء للقارئ. ونجد مثل هذا التوجه المباشر إلى القارئ في "الموت والبحر والجرذ" وتحديدا في قول الكاتب: "إلى كلّ الناس من ثبت جواري ومن غاب عن نظري وهو منيّ إليهم جميعا مرآة يتملون فيها وجوههم. يتملّون فيها حرائق الهزائم و.. بشائر انتصار" (ص27).


إنّ التوجه المضاعف إلى القارئ وقيام كلّ الإهداءات على الثنائيّة نفسها يحتّمان تنزيل هذه العتبة في سياقها النصي والبحث عن علاقاتها بسائر مكوّنات نصّ الكاتب.


3 ـ علاقة الإهداء بسائر العتبات وبالمتن الروائيّ


يحتّم علينا المقام الاقتصار على بعض العتبات والمتون. ولقد جاءت كلّ إهداءات مدوّنات وثيقةَ الصلة بعناوينها. وقد أقام إهداء "الموت والبحر والجرذ" علاقة صريحة بينه وبين التمهيد الممضى من الكاتب. ففيه يقول الكاتب متوجّها إلى كلّ الناس: "إليهم جميعا مرآة يتملّون فيها ووجوههم". وهو قول نجد له امتدادا في أواخر التمهيد حيث يقول الكاتب نفسه: " إليكم النص فاثأروا منه لوجوهكم فيه. إليكم مرآة فانظروا فيها وجوهكم يا "محمّد". (ص35) ولعلّ الجمع بين القراء وشخصية قصصيّة محوريّة يبيّن أن الإهداء والتمهيد وثيقا الصلة بالمتن. بل إنّ رمز الوجه يتكرّر في رواية فرج الحوار الثانية "النفير والقيامة". وقد كان محورَ خمس عتبات من عتباتها وموضوعا من أهمّ مواضيع متنها. ولا يغيب الوجه عن "التبيان في وقائع الغربة والأشجان" إذ نجد له ذكرا في إحدى عتباتها. فقد جاء في العتبة "تحذير" قول المؤلّف: "هذا الكتاب خيال قحّ. بضعة من إسراف الهوس، وحلول في غسق الآية البعيدة الغور، وله حارق القول [...] فلا يذهبنّ الغرور بأحد فيتوهّمَ أنّه يرى فيه وجهه أو محلّه من الدنيا، فيكونَ من الظالمين"(ص19).


والعلاقة صريحة أو تكاد بين إهداء "النفير والقيامة" والمتن. ففي الإهداء وصف لزمن الكتابة بأنّه "زمن الغلبة والاندحار" (ص3). وفيه عرفان بالجميل للصديق وللأستاذ اللذين أعاناه على إنجاز نصّه. وفيه خاصّة إبراز لعسر الكتابة أو لـ "وعر المسالك وفظّ الطريق" (ص3) على حد عبارة الكاتب نفسه. أمّا المتن فتصوير ضاف لزمن الغلبة والاندحار، زمن حصار بيروت وتشريد الفلسطينيّين ومؤامرات أعداء الداخل والخارج. وفي المتن أيضا شكل من أشكال الكتابة ليس للقراء به ألفة أوجزه أحد الرواة في قوله: "... وجعلنا الكتاب بناء ورصدنا له أبوابا ومنافذ وجعلناه القصر المنيع لا يدخله الداخل إلاّ طرق مطيلا صابرا. إنّنا ننحِت ونحبّ الكتاب عمارة..."(ص15).


وفي "التبيان في وقائع الغربة والأشجان" لا يغيب هذا الضرب من العلاقة بين الإهداء وسياقه النصي وتحديدا بينه وبين المتن القصصيّ . وقد أشار إليه محمد القاضي فكتب مختتما دراسته الحواريّةَ في هذه الرواية: "لذلك كانت الرواية تأريخا ذاتيا مندرجا في التأريخ العامّ وبحثا عن كوّة ينفذ منها النور أكثر ممّا هي تحسّس لعالم الظلام . وهو ما يفسّر لنا ما جاء في الإهداء: "إلى الإنسان يقوّض ليقيم. وهل الإنسان إلاّ هدّام ينحِت من غُثاء الأنقاض عضل اللحظة القادمة، كواكب تربو عن جميع العدد" (ص15). (14)


يتبيّن مما سبق أن الإهداء لدى فرج الحوار يفيض على ما حوله وأنّ في الاقتصار على دراسة هذه العتبة في ذاتها، كما فعل جونات، تقصيرا يحول دون التفطّن إلى ما تنسجه من علاقات مع محيطها النصّي وإلى كل الوظائف التي يمكن أن تؤدّيها.


4 ـ وظائف الحوار


يرى جونات(15) أنّ إهداء كتاب ما هو إعلان (صادق أو غير صادق) لعلاقة مّا بين المؤلف وشخص أو مجموعة أو كيان. وبناء عليه تُستنفد وظيفةُ الإهداء الأساسيّةُ في وظيفة تدقيق هذه العلاقة. وإذا ما عدنا إلى إهداءات فرج الحوار ونظرنا إليها من زاوية المهدى له تبيّن لنا تعمّده في ثلاثة إهداءات الجمع بين مُهدى لهم لا يجتمعون عادة. فما الرابط بين العفن والحارة والخلان وكل الناس والنفس في إهداء "الموت والبحر والجرذ"؟ ولماذا الجمع، في أكثر من إهداء، بين المحسوس والمجرّد، بين البشر والقيم، سلبيّها وإيجابيّها؟


ما من شكّ في أنّ هذا الجمع وذاك الربط ليسا مجّانيين. ولعلّنا نرى في هذه الممارسة شكلاً من أشكال الخروج عن معهود الإهداءات، أي الإهداءات التي توجّه إلى سند اقتصاديّ أو راعٍ أدبيّ. وقد شذّ إهداء رواية "النفير والقيامة" عن هذا الاختيار. فكلّ المُهدى إليهم من البشر، بل وممّن لهم صلة بالكاتب، سواء كانت صلة دم أو صداقة أو أدب. ولعلّ ما يشدّنا إلى الإهداء أكثر من غيره إسما عبد الفتاح ابراهم وتوفيق بكار والدور الذي أدياه في الأخذ بيد الكاتب وفي إعانته على ارتياد "وعر المسالك وفظّ الطريق".


لا جدال في أنّ هذا الإهداء يُظهر فرج الحوار في صورة الابن والزوج والأب والأديب الناشئ المقرّ بفضل الآخرين عليه والمعترف لهم بالجميل. ولكنه ينهض في الآن نفسه بوظيفة ثانية لا تقل أهمية عن سابقتها بل لعلّها تتجاوزها. فإيراد اسمي عبد الفتاح ابراهم والأستاذ توفيق بكار يقدّمهما بوصفهما كافلين لقيمة مؤلّف فرج الحوار الأدبيّة. وفي هذا الصدد يرى جونات أنه لا يمكن، في عتبة عمل ما أو في نهايته، ذكرُ شخص ما أو شيء مّا بوصفه مرسلا إليه مميَّزا دون الاستشهاد به على نحو ما وبالتالي دون إقحامه بوصفه ملهما مثاليّا: ف "إلى فلان" تحوي دائما "عن طريق فلان". فالمُهدى له يكون دوما مسؤولا على نحو ما عن العمل المهدى له. وهو يحمل إليه، شاء أم أبى، قليلا من دعمه وبالتالي من مشاركته(16) . ويبدو لنا أنّ في هذا الرأي بعضَ مبالغة. فهو لا ينطبق، في نظرنا، على كلّ مُهدى له وإنّما يصحّ فقط بالنسبة إلى المهدى لهم المشهود لهم بالدراية في مجال اختصاصهم. وهو هنا الأدب. وبذلك يصبح الإهداء لأمثال هؤلاء ضربا من حجّة السلطة التي تدعم النص. فتعلي من شأنه. وتهيئ لتقبّله تقبّلا إيجابيّا.


يؤدّي الإهداء إذن وظيفة ذات بعد أخلاقيّ هي بالكاتب ألصق. ويؤدّي أيضا وظيفة دعم هي إلى الكتاب أقرب. وهو يؤديّ إلى جانب هاتين الوظيفتين وظيفة اللامعة أو الفاتحة (Amorce) إذ يمكّن من بعض مفاتيح قراءة المتن الروائيّ. وهو إلى ذلك يتيح معرفة أمتن بفرج الحوار الإنسان والفنان. وعن مثل هذه الوظيفة يقول بيار فان دان هوفل في معرض حديثه عمّا يسمّيه بالخطاب على الخطاب(17)(Métadiscours) : "إنّ البحث عن الذات التي ينتجها النصّ عند القراءة يمكن أن يستفيد من هذا المستوى الخطابيّ الخاصّ الذي يظهر فيه المتكلّم ، بصفة أكثر علنا، قائما بوظيفة مغايرة للوظيفة التي يجب عليه أن يشغلها في القصّة" .(18)


يتبيّن من كلّ ما تقدّم أنّ الإهداء لدى فرج الحوار ممارسة شبيهة بالطقس. وهو طقس نكاد نجزم أنّه خاصّ به وذلك من خلال الوظائف التي أدّاها سواء في علاقاته بالكاتب أو بنصّه. وقد كشفت لنا دراستُه التراتبَ بين المُهدى لهم وصلةَ بعضهم بصاحب النصّ وصلة بعضهم الآخر بالنصّ ذاته. ويلاحظ التراتب أيضا في مستوى عتبة الإهداء نفسها. فثمّة إهداءات كإهداءات فرج الحوار متعدّدة الأبعاد ومثقلة بالدلالة وثمّة إهداءات شحيحة ضنينة كقول أحدهم: "إلى رجاء وإقبال ووسام". ولعلّ هذا التراتب يسمح لنا بالتمييز بين عتبة خارجيّة تعرّفنا بالكاتب أكثر مما تعرّفنا بنصّه وعتبة داخليّة تيسّر لنا الدخول إلى النصّ وعوالمه دون أن تغفل تعريفنا بالكاتب.