عرض مشاركة واحدة
قديم 10-21-2012, 02:30 PM
المشاركة 3
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي شكر وتعقيب

أخي العزيز محمد جاد الزغبي


أقدر وقتك الثمين للرد على كلامي وأقدر لك الموضوعية في الطرح. ولكني أجد اختلافات جذرية بيننا وسأحاول طرحها فيما يلي:


إن القول بأن في القرآن "محكم" و "متشابه" فيه إجحاف ونقص من قدرته وحكمته عز وجل وتعالى، فكل القرآن محكم لا لبس فيه:

الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)

فالاستدلال بهذه الآية لهو أجدر من الاستدلال بالآية السابعة من آل عمران والتي تفضلت بالاستدلال بها:

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ... (آل عمران:7)

ولقد تكلمت بالتفصيل حول "الأخر المتشابهات" في مقال مفصل وبينت وبرهنت أنها أبعد ما نكون مما يعتقد الناس. فأرجو التفضل بالنظر في المقال الأول في موقعي:


يمنع وضع روابط لأي مواقع خارج منابر ثقافية



وحبذا لو نتحاور حولها لأهميتها ...



كما إن القول بأن في القرآن الكريم آيات أمرنا بعدم التفكر فيها ووضع خطوط حمراء على آياته تعالى أعتبره قولا عظيما له تبعات جسيمة لذا ينبغي التفكر به مليا والاستدلال عليه جليا قبل طرحه فنحن بهذا قد ندخل فيمن قال تعالى عنهم:


وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون (الأنعام:26)


وللأسف الشديد فالذين وضعوا الخطوط الحمراء على كلامه تعالى اختلفوا أنفسهم حول عدد وأماكن هذه الخطوط! والتي تتغير من رأي لآخر وزمان لآخر !!!



فموضوع حصر تفسير القرآن الكريم على فئة من الناس حساس ومهم وله دور كبير في تخلف الأمة، ولي فيه كلام كثير أقوله لحضرتك والمشاهدين والمشاهدات الكرام لأهميته القصوى.



هذا القرآن الكريم البديع "كنز" ترك للمسلمين في جميع أزمانهم وأوطانهم وتخصصاتهم ليبحثوا فيها وليفعلوا عقولهم ويتدبروا "بأنفسهم" آيات الله تعالى. ثم من هذا المنطلق القرآني الإلهي ومن هذه الأسس الفكرية البحثية التدبرية الإبداعية القرآنية يُنمون قدراتهم الإيماني والعقلية والفكرية ثم لينطلقوا ويبحثوا في ملكوت السموات والأرض، ويطوروا أنفسهم ويبنوا مجتمعاتهم ويقيموا حضارات مدنية بحثية أصلها القرآن الكريم.


وقد حدث هذا بالفعل في العصور الأولي من الإسلام فانتشر نور الله تعالى في الناس. إلا أنه بعد ذلك، وخصوصا في زمن انحطاط الدولة العباسية بدأت القيود و "الضوابط" التي لا نجدها في الكتاب ولا في السنة ولا حتى عند الصحابة أنفسهم.


ومع تقادم الزمان ازدادت هذه القيود وتعقدت وتشعبت فأخذ المسلمون بالتفرق والتشعب على دروبها. والنتيجة هي ما نرى هذه الأيام من اختلاف وتناحر ليس على مستوى الشعوب الإسلامية بل وصل هذا التشعب والتعصب إلى البلدة الواحدة والقرية الواحدة والبيت الواحد، بل وحتى على مستوى الفرد الواحد! فنجد الإخوة من بطن واحد يتباغضون ويتلاعنون في خلافات حول أمور فرعية شكلية. ونجد الإنسان الفرد يغير من فكره ما بين ليلة وضحاها من هنا إلى هناك ومن فكر إلى آخر ومن حزب إلى حزب!


إن الله تعالى واحد أحدٌ سبحانه. وهو يأمر عز وجل دوما بأن نتحد، والإسلام دين التوحيد وهذا من أهم المقاصد الشرعية. فكيف يكون دين التوحيد دين تفرق؟ أو لا نفترق باسم دين التوحيد؟


يسأل الكثير من الناس لماذا تنهض بعض المجتمعات الغير متدينة، بل وحتى البوذية والوثنية والشركية والإلحادية كالصين واليابان وكوريا والهند مثلا، بينما نحن المسلمين المتدينين الموحدين الصائمين القائمين نقبع في تخاصم وتناحر وفقر وأمية ومرض وتسول وذل ومهانة؟ فيسألون هل المشكلة فينا أو في الإسلام أو ماذا؟ حاشا للإسلام أن يكون كذلك، إنما هو فهمنا للإسلام وتفرقنا باسمه:



إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شىء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {الأنعام الكريمة:159}



إلا إن المفسرين يطبقون هذه الآية وغيرها على بضع من مشركي قريش قد ماتوا وشبعوا موتا. فهل القرآن الكريم الحي كتاب أموات من منظورهم؟


إن المجتمعات الإسلامية متدينة خيرة بفطرتها. ولأنها تعشق هذا الدين الكريم فهي تلتزم به أشد الالتزام. ولأنها تلتزم به تفرقت وتشعبت في دروبه و طرقاته، ذلك أن الناس فرقوه وجمدوه.



إن العلم والإيمان لا يمكن قياسهما بالميزان. وبالتالي فكيف لي أن أقول مثلا أن علي المفسر أن يكون عالما أو مؤمنا بدرجة معينة أو ما إلى ذلك إن كنا نحن الناس لا نستطيع قياس ذلك؟ فهل ندخل في صدور الناس لنحكم؟

ثم لنفترض أن لي علما وشهادات في التخصصات المطلوبة، فكيف يعرف ما في نفسي أو دوافعي؟ هل سيأخذ بكلامي لأنني طابقت "ضوابط التفسير" من دون العلم بدوافعي؟

ولقد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ كتابه العزيز كما في آية الحجر العظيمة:


إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحفظونَ {الحجر: 9}


والبعض ينظر إلى هذا الحفظ من منظور حفظ الكتابة فقط. ولكن من وجهة نظري أراها تشمل بالإضافة معاني وتأويلات القرآن الكريم، وذلك يتضح أيضا من الآية 17 من سورة الرعد الكريمة:


كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبطل فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأمثال {17}


فالحق الذي سينفع الناس كما هو واضح من الآية سيبقي في الأرض. أما الباطل بما في ذلك من تفاسير باطلة من المندسين أو الجهلة وغيرهم فسيذهب جفاءً.


فإن كان تعالى تعهد بذلك فلم أضع قيودا وضوابط على فهمي وإيماني. كيف لي أن أقرأ القرآن وأنا أمنع نفسي من التفكر في معانيه وأترك ذلك لغيري من الناس؟


ألا نرى أن المجتمعات الحرة من القيود تكون أكثر إنتاجية وثراء وفكرا من تلك القابعة تحت القيود. والإتحاد السوفيتي وسقوطه أكبر دليل.

فالحرية تنتج الإبداع والازدهار والنمو في أي مجال كان. والقيود لا تنتج إلا الكبت والفشل والاحباط والاحساس بعدم المسؤلية ...


فلو وجد أحدنا رأيا لا يليق في القرآن الكريم أو غيره فلم لا ينبذه ببساطة ويأخذ ما تعتقد أنه الأفضل! إلا إذا قلنا أن الناس لا تفهم وعلينا أو على مجموعة منا الوصاية على عقولهم وعلى ما يقرؤون. أفلا نجد أن النصاري من خلال أحبارهم ورهبانهم قاموا بذلك فضلوا كما في سورة التوبة مثلا:


اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {31} يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {32}

إلهاً واحدا لا شريك له سبحانه في كل أمر وفي كل شأن. ألا نرى العلاقة الوطيدة بين اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله تعالى وبين إطفاء نوره الكريم ؟؟؟ ألم يكن الأحبار والرهبان يتحكمون بأمور الدين من دون الناس؟




وفي بعض المنتديات يقال لي بصراحة أن لماذا تدخل نفسك في أمور وتخصصات ليس لك فيها علم ولا شأن. بل قيل لي كذلك لا تحسبن أن علوم القرآن الكريم سهلة بل هي أصعب بكثير من هندسة البترول وغيرها.


من وجهة نظر العبد الضعيف العلم الذي لا ينفع لا يقع في خلقه تعالى لأنه منزه من العبث في صغير أو كبير. العبث هو في عقولنا نحن الناس.


ثم كيف يمكن أن نقول أن علوم القرآن الكريم أصعب وأدق من علوم أي مجال من المجالات؟ فهل هذا الخلق من إله غير الله تعالى ليقال مثل هذا الكلام؟ هل استطيع أن استهزئ أو أقلل من شأن أي خلق من خلقه تبارك وتعالى؟ أوليس خالق هذا الكون هو منزل القرآن الكريم؟


أفلا نستهزئ بصانع بضاعة وبقدراته وتصوراته وامكانياته إن استهزئنا ببضاعته؟ أفلا نستهزئ بقدرات الله تبارك وتعالى عندما نقلل من شأن هذا الخلق وعلومه "الدنيوية".
صحيح إن هذه الحياة الدنيا غرور ومتاع وملذات ولكن هذا لا يعني أبدا أنها تافهة حقيرة! إذ كيف يمكن تصور أن يخلق تعالى شيئا تافها حقيرا ثم يضعنا فيه؟ إن التفاهة ليست في الخلق بل في تصوراتنا عنه وتعاملاتنا معه.

أشير إلى أن العديد من المواقع حذف مشاركتي برسالة بسيطة تقول: إما أن تأتي بأقوال السلف الصالح أو لا تتكلم فيما لا يعنيك!


فأقول لهم فالعبد الضيف سيكون من السلف أيضا بعد ألف سنة، فلم لا تقبلون بقولي سلفاً ؟؟؟

وينصحني البعض بأن أدع الخبز لخبازه لأنه لا علم لي بالقرآن وضوابط التفسير. وأن النجار لا يفقه في الطب وأن الطبيب لا يفقه في الهندسة، إلى آخره، ولو تركت الأمور هكذا بلا "ضوابط" فسيكون القرآن الكريم وتأويل آياته الكريمة مرتعا لكل من هبّ ودبّ فتختلط الأمور و يضل الناس. وأرد على هذا بما يلي:


[overline]أولاً:[/overline] فالقرآن الكريم كلام محفوظ بأمر منزله الكريم الحفيظ. فلن يستطيع كائن من كان أن يعبث بذلك. فالله تبارك وتعالى وحده تكفل بهذا الأمر.

[overline]ثانياً:[/overline] لا ينبغي لكائن من كان أن ينأى بنفسه عن التفكر والبحث في القرآن الكريم ومعانيه ولا أن ينهى غيره من ذلك. وإلا فقد ندخل في الذين قال فيهم تعالى في سورة الأنعام الكريمة:[overline] وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {26}[/overline]. أي هم ينهون الناس عن قراءة القرءان والتفكر فيه وفي نفس الوقت يبعدون أنفسهم عن ذلك. أعاذنا تبارك وتعالى من أن نكون كذلك. إلا إذا قلنا أنّ هذه الآية الكريمة لا تنطبق إلا على كفار قريش عهد النبوة الشريفة.


[overline]ثالثاً:[/overline] كيف يمكن الزج بالتمعن في آيات الله جل جلاله والتفكر فيها بالمهن التي يشتغل بها الناس؟ أنا قد أختار أن أكون خبازا أو طبيبا أو تاجراً. لي الخيار ولي التغير ولي التقصير أو الاجتهاد في هذه الأعمال. لكن هل التمعن والتفكر في آياته عز وجل خيار لي. هل أستطيع أن أختار ألا أعمل بذلك؟ أم أنا مأمور في هذا الشأن؟


[overline]رابعاً:[/overline] من قال أن جميع الأطباء لا يفقهون في الهندسة مثلاً؟ أولا يوجد من الأطباء من يفهم في الهندسة أكثر من المهندسين؟ أولا يوجد خباز يتقن الزراعة أكثر من المزارعين؟



[overline]خامساً:[/overline] إن دراسة أكثر من تخصص تثري الفكر وتنمي القدرات العقلية وتجعل صاحبها أكثر عمقاً ورشدا عند النظر إلى الأمور. وكتاب الله تبارك وتعالى أولى بذلك.


[overline]سادساً:[/overline] من يقول أن زيدا أكثر علما من عبيد؟ فهل العلم في هذه شهادة في ورقة مكتوبة؟



هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو سألني تبارك وتعالى يوم الحساب عن فهمي لآية من آياته الكريمة فسأستحي أن أقول له : قال فيها فلان كذا وكذا. فأنا سأحاسب على فكري وليس فكر أحد غيري. طبعاً هذا لا يعني عدم الاستفادة من الآخرين.


فأنا أقوم بطرح تأويلاتي لبعض آيات القرآن الكريم لسبب بسيط أضعه كما يلي:


1- أمرنا تعالى بتدبر معاني القرآن والتفكر فيها دوما. وكلمة "تدبر" مشتقة من "الظهر" أو "الدبر" أي الخلف، أي علينا البحث عن البواطن وما خفي منها. وهذا الأمر لا يخص مجموعة من الناس في زمن محدد، فلهم أعمالهم ولنا أعمالنا، كما جاء في عدة آيات كريمة. ولأن العلم من العمل بل أهم ما فيه، فيكون بذلك أن لهم علمهم ولنا علمنا. ولكل زمن علمه.


2- والآن بينما أنا أقرأ القرآن وأتفكر فيه فتح الله تعالى علي بفكرة كما فتح على الذين من قبلنا، فهل علي أن أتعوذ بالله من الشيطان وأقفل باب التفكير؟ أم إن علي نشر هذا العلم؟ فإن كنت على صواب فلي أجران وإن لم أكن فلي أجر واحد. أوليس في الحديث النبوي الشريف ما معناه أن من كتم علماً ألجمه الله تعالى بلجام من نار يوم القيامة؟


3- أما لو قال أحدهم أنني لا أتبع "ضوابط التفسير" فعلى القائل أن يوضح لي أين تمت مخالفة هذه الضوابط. فلو خالفت فسأرجع إلى صوابي وإن لم أخالف فعليه أن يتقبل تفسيري ويعتبره على الأقل قولا من الأقوال التي قال بها المفسرون.



[overline]لقد توارثنا الإتكالية والكسل والاختلاف[/overline] لأننا جمدنا علوم القرآن الحي الكريم على علم أناس سبقونا بأكثر من ألف سنة. فلم نعد نتفكر فيه، فانتقل هذا الجمود على مر العصور من فهمنا للقرآن ومعانيه ليشمل فكرنا كله ونظرتنا للخلق كله. ذلك أن القرآن وفهمه مصدر فكرنا وحياتنا وإيماننا.


ومن المعْلُوم أنَّه بتقادمِ الزمانِ يكثرُ الناسُ وتتراكمُ العلومُ والخبراتُ والمداركُ وتزدادُ، مما يؤدي وبالتأكيدِ إلى التعمق في فَهمِ كلِّ شيءٍ من حولِنا بما في ذلك كلام الله تعالى وسُنَّة نبيهِ الكريم ... أي إنَّ على الأجيال المتأخرة أنْ تكون أوعى وأعلمَ من أسلافها لا عالةً عليها تماماً كما إنَّ على الشيخِ أنْ يكون أوعى وأعلمَ من الطفل ... لذا فقد ضربَ اللهُ للمسلمينَ مثلَ اليهودِ كالحمارِ يحملُ "أَسْفَاراً" ولا يعقِلُ منها شيئاً ...



لقد حذرنا رسولنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم من العلم الذي لا ينفع. وهذا العلم الذي لا ينفع ليس في أي خلقٍ من خلق الله تبارك وتعالى، لأنَّه مُنزهٌ من العبثِ ومن خلقِ أمور لا تنفع. العلمُ الذي لا ينفعُ هو العلمُ الذي يخترعُه الإنسانُ من وحيِّ أفكاره ... هو العلم الذي يدرسُ كلامَ الناس ويُقدِّسُهُ ويَهجرُ كلامَ الله تعالى وينسخُهُ ... هو العلمُ الذي يفرقُ بين الناس بأقوالِ الناس ... هو علمُ تعقيدِ الأمور ووضعِ المصطلحاتِ والمذاهبِ والأطرِ الفكريةِ التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ... هو ما نعانيه من تفرقة بيننا هذه الأيام ....


فالتعليمُ النازلُ (القرآن) من عنده تعالى ذو نفعٍ عظيم للناس وبه يتعلمون ويتقدمون، ولكن بالعكسِ تماماً نجدُ الكثيرَ من النتائجِ السَيِّئةِ على الأُمَّة من الجمود الحاصل الآن. إذ أصبحَ من المفاهيم الرَّاسخةِ عندَ الشعوبِ الإسلاميَّةِ أنَّ كُلَّ شيءٍ من حولِنا من عملِ وترتيبِ الملائكةِ. فهي تُرسلُ الرَّياحَ والعَواصِفَ، وتَذُّرُ البُذورَ في الأرضِ، وتُنزلُ الأمطارَ، وتسقِي الأرضَ، وتُنتُجُ المحاصيلَ، وتُعالِجُ المرضى، وتَشُقُ الأنهارَ، وتقوم بالدفاع عنا ...


وفي هذا المفهوم الخاطئِ لا توجدُ قوانينٌ طبيعيَّةٌ تَحْكُمُ الكونَ، بل أعدادٌ لا تُحْصى من الملائكةِ تذهبُ وتَجيءُ لخدمةِ هذا الإنسانِ المُسلم"المُدَلَّل" الذي يتمرغُ في رضى الله تعالى ... فليس عليهِ الاعتمادُ على النفس في البناءِ والزراعةِ والطِّبِ وكَشْفِ أسرارِ الكونِ، وليس عليه تطويرُ نفسه والرقي بها والدفاع عن نفسه ... فالملائكةُ تقومُ بعملِها على أكملِ وجه!؟ أمَّا هو فعليهِ أنْ يسألَ الله تعالى بما يُريد ويشتهي، فيستجيبَ اللهُ له، ويأمر الملائكةَ فيقوموا بما يلزم! هذا هو الفكر المستنتج من القرآن ...



لهذا السبب – ولأمثاله – فأمَّةُ الإسلام ترزحُ تحت فكر التبعية والاتكالية على الغير في جميع شؤونها ...


ولن يتحد المسلمون ولن يتقدموا بل سيزدادون تخلفا (كما هو الحال الآن) إلا بالفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم. الفهم الذي يدعو إلى نبذ الخلافات بين كل الأديان والمذاهب، وإلى احترام "الإنسان" مهما كان دينه ومذهبه وعرقه لأن الله تعالى هو الذي أكرمه. هذا الفهم الذي يدعو إلى عدم قراءة ما في صدور الناس والحكم عليهم وتكفيرهم ومحاسبتهم وترك ذلك كله لله تعالى الذي تكفل بحساب الناس ولم يكفل لأحد غيره تعالى بذلك.



كانت مداخلتي أعلاه بالنسبة لحصر تأويل القرآن ووضع خطوط حمراء (من وضع البشر) للتفكر فيه. وفيما يلي أتطرق لموضوع تأويل آية الطير مع إبراهيم عليه السلام ...


((يتبع))