الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-2013, 11:50 AM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مساء أنظر إلى ملابسي المطوية المتعطرة و الغرفة تستعد لتوديع آخر أطياف النور ، كنت أود رؤيتها قبل أن تغادر المصحة ، اصفرار الشفق ينعكس على جدران الغرفة ، ومخلفات الإرهاق لا تزال تثقل ذهني ، هذا المرض يقتلني ، أنا الذي كنت قويا ، كيف استطاع الضعف التسلل إلى جسدي ، وهل سأتعافى فعلا أم تلك مقدمات عاهة مستديمة ، هل سأتمكن من إقصائه قبل يستحلي السكن في عظامي ، ذهني الشارد يخوض في متاهات لا حدود لها عندما دخلت نجوى غرفتي ، تحمل مشروبا وحساء ، نفسي المنقبضة و شهيتي المنغلقة تزيدها برودة نجوى استفحالا ، تطعمني بفتور يوازي فتور شهيتي ، شتان بينك وبين سناء ، متباعدتان بعد المشرق عن المغرب ، أنتظر مجيء قطار النوم وبالي مسافر إلى حيث تسكن سناء ، ذلك القارب الذي أرى فيه منقذا من مخالب المرض ، لطافتها تنسيني مرارته ، عذوبة نبرتها توقظ في نفسي همتها ، رائحتها تنعش الأمل في قلبي ، أحسست برعشة تهدهد قلبي فنمت على مواويله الحالمة .
اليوم مختلف استيقظت باكرا والنور يتسلل إلى الغرفة ، ونسمات الصباح الباردة تنقر على صفحاتي وخزات منعشة ، يدي تحررت من قابضها ، تنصاع لأوامري ، ألعب بتوجيهها أينما رضيت ، كم هو جميل أن تكون مالك أعضائك ، وكم هو مؤلم أن تفقد السيطرة عليها ، فتخونك متى هممت باستعمالها ، أقبل ظهر يدي وراحتها ، أحمل بها يدي اليسرى لعلها تستجيب لتوأمها و تتخلص من كسلها ، لكنها تهوي كلما رفعتها إلى الأعلى مستحلية الخضوع .تتملكني شفقة عليها ، مسكينة مغلولة ، مقيدة معزولة عني تماما ، ، تدفقت أشعة الشمس على الغرفة و الباب يفصح عن سناء لتزيد بجمالها الغرفة إشراقا ونورا على نور ، قميصها الوردي يبتسم على استحياء من خلال وزرتها البيضاء الشفافة ، مددت إليها يدي مصافحا فذهلها ما رأت والتقت الكفان في عناق لم يدم طويلا .
ـ بدأت تسترجع قوتك ، فقبضتك متينة ، تستطيع الآن الإعتماد على نفسك ، على الأقل في الطعام .
خرجت لإحضار الطعام ، فلولا قساوة المرض لتمنيت أن تبقى يدي مشلولة لآكل من يديها ، جلست بجانبي ترشدني في تناول الدواء والطعام ، كلامها عذب رقيق ، ليست تشوبه ملامح عجرفة ولا اسبداد ولا قسوة ، ، فور انتهائي مسحت يدي بمنديلها ومدت إلى مجلة لأسرح بين أحضانها .
عند الضحى أحضرت إزارا و ساعدتني على التخلص من ملابسي ولفتني في الإزار حين حضر ممرض ليساعدها على نقلي إلى الحمام على كرسي متحرك ، استويت داخل الحوض المائي الدافئ وعلى جسمي تمرر منديلا حتى لمعت صفحتى وضعت الصابون على وجهي و حلقت لحيتي التي بدأت تمتد واستأذنتني في حلق الشارب فوافقت ، انهت مهمتها بجد ورجعت إلى سريري مرح النفس معطر الجسد ، فواجهتني بسؤال لم يكن في حسباني :
ـ أرى أن لا أحد يسأل عنك من عائلتك ؟