الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-2013, 10:35 PM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كنت مددا على السرير ساعة دخولها الغرفة ، وجه صبوح مستدير بعينين سوداوين واسعتين بأهداب طويلة مصفوفة ، بياض ناصع يشع منه احمرار في خديها الممتلئين ، قامة طويلة تناسب عرضها المتوسط ، اندفاع صدرها ظاهر من خلال وزرتها البيضاء ، شعرها الأسود المسترسل تطل ناصيته من وراء حجاب أخضر ، أصابعها الطويلة يغطي أظافرها لون أحمر يتناغم و لون شفتيها الورديتين ، ابتسمت في وجهي وقالت :
ـ سأكون في خدمتك ، هل ترى مانعا ؟
ـ شكرا آنسة.
ـ اسمي سناء .
ـ جميل .
ـ هذا دواؤك الجديد سيدي ، ملعقة من هذا السائل قبل كل وجبة ، وقرص بعد الأكل .
ـ شكرا يا آنسة .
ـ كيف تحس الآن ؟
ـ صداع يا آنسة ، يشق رأسي شطرين ، يبعثر هدوئي .
ـ هذا المسكن سيساعدك على الاسترخاء .
نظفت الغرفة و طلبت مني الهدوء وعدم التفكير العميق ، و أن أحاول الهروب من المرض و السفر عبر فضاءات واسعة في الخيال . انصرفت جارة الباب وراءها ، قد تكون ساعات عملها انصرمت ، فساعة الغرفة واقفة عند السادسة مساء ، أحاول عد الدقائق معها ، متبعا دورة عقربها الدقيق بعيني المتعبتين و إحساسي العليل ، وتركيزي المخدر لكن المسكن اشتدت فعلته فغبت عن الوجود .
الظلام يعم المكان إلا من عقربي الساعة المضيئين المتوجهين نحو الأعلى ، أدركت أني نمت نوما عميقا ، حاولت القيام دون جدوى ، حاولت الحركة فتعذرت ، أحس الكون يقوم بدوته حولي ، خرير مزعج لا ينقطع أزيزه في أذني ، والألم يتضاعف في جبيني . الطبيب الليلي يقتحم الغرفة ، يضيء الأنوار ، يضع راحة يده على جبهتي المحمومة قائلا : " لابأس لقد نمت طويلا ، سأرسل لك الطعام ، بعدها عليك بمسكن آخر ."
فتحت عيني ، النور يتدفق من خلال النافذة المفتوحة ، الساعة تميل إلى التاسعة صباحا سناء بجواري جالسة على كرسي خشبي تنبهت لاستفاقتي فتشكلت ابتسامتها الجذابة :
ـ صباح الخير سيدي يبدو أنك على حال جيدة .
ـ نعم آنسة سناء ، على الأقل النوم يساعدني على مفارقة ألمي .
ـ طيب ، وكيف تشعر الآن ؟ قالت كلامها وهي تضع يدها اللينة على جبيني فأحسست انتعاشا يسري في أعصابي .
ـ لا بأس الألم خف بعض الشيء ، لكن لا أستطيع الحركة .
ـ ستتحسن حالتك قريبا .
تتكلم وهي تطعمني و تقدم لي الدواء بيديها المزخرفتين بالحناء ، أحس أصابعها حين تتموضع على شفتي ، تبتسم عند كل لقاء لعيوننا ، أدركت أنها تحمل قلبا رؤوفا رحيما عطوفا ، مسحت فمي ببمنديلها الوردي المعطر ، فأحسست نشوة تغمر سكوني ، نظمت المكان ونظفته بعناية بالغة ، غيرت ملابسي واستبدلتها بملابس جديدة ، تذكرت الأم حين تلاعب صغيرها العاري ، ودعتني حاملة معها الملابس الرثة و صورتها لم تغب عن عيناي لحظة واحدة ، ابتسامتها الجذابة رغم صعوبة الموقف ، وتحمل مشقة الجيفة الآدمية النتنة وتطهيرها ، وجعلها في متناول الجمال ، قلب الأم وحده من يحمل هذه الصفة ، قلب يحب بعث الحياة من دنس الشقاء ، قلب يبدع الجواهر من اللاشيء . ابتسامة لا تفارق خيالي ، فهي ممزوجة بضحكة بياض أسنان كلآلئ عقد يزين عنقها .
رجعت عند منتصف النهار لتعمل على تغذيتي وتطبيبي ، وجهها يحمل بشارتها ، تقوم بعملها بنفس النشاط ونفس الحيوية ، ونفس الروح الطيبة ، ما تزال بالغرفة حين تحركت سبابة يدي اليمنى فشاركتني دهشتي وفرحتي ، وهي تشجعني قائلة : " إنك ستتعافى تماما وفي أيام قليلة " سألتني عن عملي فأخبرتها أنني موظف في قطاع البريد وأني بدأت هذا العمل منذ سنتين بعد تخرجي من المعهد التقني للاتصالات ، لم يدم حوارنا طويلا فالمنوم اضطرني إلى السفر .