عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-2012, 12:05 AM
المشاركة 208
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وليد إخلاصي.. السيرة الذاتية

في الكثير من أعمال وليد إخلاصي القصصية والروائية شيء من ذكرياته الشخصية، وفي كتابه حلب بورتريه بألوان معتقة، بعض من تلك الذكريات المعتقة حقاً، وقد شاءت وزارة الثقافة أن تستأذن وليد إخلاصي ليفك رتاج ذلك الدن القديم فيخرج المزيد.. المزيد من خمرته الممتعة.
عندما اختير وليد إخلاصي ليكون عضواً في مجلس الشعب، قيلت أحاديث كثيرة، ولاكت ألسنة الحسد والضغينة والجهل والتعصب، موضوع اختياره للمجلس. ومن ذلك أنه ينتمي إلى الطائفة الفلانية وأنه لوائي، وتجاهلت الألسن أنه مثقف كبير ووجه حلبي بارز ومعروف باستقلالية تفكيره وعدم انتمائه الحزبي، وأن المعنيين بأمر المجلس يهمهم أن يكون في المجلس أناس لهم احترامهم ولهم حضورهم. وما أعرفه شخصياً أنه أكمل سنواته في المجلس دون أن يحقق أي انسجام، وسرعان ما عاد إلى عالمه الثقافي الأثير لديه متابعاً كتاباته منتقداً عبر الأدب عيوب الواقع بعين موضوعية وقلم جريء. فمن هو وليد إخلاصي؟
تقول السيرة الذاتية التي أصدرتها الهيئة العامة للكتاب متعاونة مع صحيفة (البعث) تحت عنوان (من الإسكندورنة إلى الإسكندرية) مايلي: (وحدث أنَّ رجلاً من حلب يدعى أحمد عون الله إخلاصي عُيّن مديراً لأوقاف الإسكندورنة، فما كان منه إلا أن قاد أسرته المكونة من زوجة وولدين ليقيما معاً في المدينة البحرية بعيداً عن حلب العتيقة. وهكذا وجدت الأسرة الحلبية وطناً جديداً فتح لها ذراعيه بمحبة.
وتحوَّل لواء الإسكندرونة الذي طُعِّم أهله بعدد كبير من أهالي حلب إلى حالة من الترحيب الذي وجد معه المدير الشاب أرضاً تذكره دوماً بحلب التي عاش فيها أجداده منذ مئات السنين، فكأنها الفرصة عنده جعلت من المدينتين التوءم المثالي، فباتت الأيام السابقة وكأنها حاضرة.
ويتابع: (الزوجان ما زالا في قمة الحيوية والشباب، وها هي الأم تحمل في بطنها ثمرة جديدة. وجاء الابن الثالث لأسرة الشيخ الأزهري فتحققت للولدين لعبة يتسلون بها.. كما أن المسمّى وليد الذي أطلّ على الحياة ليلة السابع والعشرين من أيار للعام 1935، بات تسلية العائلة على شاطئ البحر أو في تلال (أنطاكية) و(بيلان) و(العاتق) وبقية المصائف القريبة.
ويتابع وليد إخلاصي في سيرته مؤكداً حلبيته: (ويصطحبني الوالد في رحلة لم يكشف عنها. ومن الجانب الشرقي للقلعة انحدرنا من أول حي باب الأحمر باتجاه باب الحديد الذي ما زال باقياً من بوابات السور القديم. توقفنا قبل خطوات من سوق النجارين. وقال والدي وهو يشير إلى باب مغلق: (انظر إلى ما هو مكتوب)، فتلاقت عيناي بنقش حجري بارز يبرز كلمتين تدلان على اسم الدار وكان (التكية الإخلاصية). كان السؤال من عيني إن كان لنا علاقة بهذا المكان؟ وهنا قال والدي: (إن جدنا منذ أربعة قرون كان يعيش في هذه التكية متصوفاً. وأما الأطباء الذين حدثتك عنهم فهم من أحفاده). ولأن وليداً مهتم في سيرته هذه بوالده أكثر مما يهتم بنفسه لأسباب تتعلق بقضايا فكرية وإنسانية. يتابع القول عن تلك الرحلة: (وكأنما تلك الرحلة القصيرة هدفت إلى دعم قوله في علاقة ما بين دراسة الطب والدفاع عن الإسلام. آنذاك قال لي ونحن نهم بالعودة: (يمكن لك أن تكون في المستقبل صلة الوصل بين العلم الذي يمثله الطب وبين الإيمان الذي يمثله الإسلام)، وأضاف: (لا يمكن لمستقبلنا أن يكون قوياً ومؤثراً في العالم إلا في بناء جسر بين العلم والدين).
تشير السيرة الذاتية المعنية بشخصية وليد إلى المؤثرات التي ساهمت بتلك الشخصية، ولعل للأب الدور الأكبر كما أسلفت في تكوين شخصية وليد بموقفها الموضوعي من العالم والناس ولنتابع هذا الحوار بينه وبين والده في شأن رجل مسيحي صديق لوالده توفي فبكاه أحمد عون الله إخلاصي: (أعلم أن صديقك الراحل كان قريباً منك، وكلنا أدركنا أنه كان أشبه بأخ لك، صحيح أنه مسيحي، إلا أنني سمعت أقوالاً عنه لا أعلم صحتها). وقال والدي: وما الذي سمعته عنه؟ تابعت: (ولا أعلم إن كانت ظالمة أو ملفقة؟).
وباستجماع شجاعتي قلت: (يقولون إن السيد صقال لا يؤمن بالله).
فوجدت والدي يجلسني بقربه، ويقول: (اعترف لي بنفسه مرة، ولم أسمع منه بعد ذلك، أنه لا يؤمن بالله).
فكان صمت لا أجرؤ على اقتحامه، إلا أنني بعد قليل هتفت: (وهذا ما يحيرني في لقاء مؤمن بملحد على الصداقة).
جعل والدي يتحدث بحنان وكأن صديقه ما زال قائماً: (كان واحداً من أشرف الرجال الذين عرفتهم في حياتي. أمين على حقوق الناس، صادق في علاقاته ووعوده، ويحمل الاحترام للناس ولا يفعل شيئاً يضر بأحد بل يسعى إلى المنفعة لغيره).
وقال والدي وهو يستوي في جلسته على الأريكة: (اسمع يا بني، الإيمان أمر يخص علاقة الإنسان بخالقه، ولسنا نحن الذين نملك الحق لنحكم على أحد، الله هو الذي يفعل. الله خلقنا.. الله يحكم علينا).
ولعل موقف الأب من قضايا العلم والعمل والديمقراطية التي مارسها ولم يتفوه بها جعلت وليداً يرفض الانخراط في أي حزب سياسي يميني كان أم يساري.
ففي تجربة له مع جمعية يقودها حزب الإخوان المسلمين، حاول أن يسأل أحد المحاضرين لكن المحاضر الشيخ تمعن فيه وقال: (الأخ الذي يريد أن يسأل جديد علينا أليس كذلك؟) ثم تابع دون أن يتلقى جواباً. (أنت هنا يا أخ لتسمع وتتعلم، ولست في مقام السؤال).
والأمر نفسه يحصل معه حين يلبي دعوة لحضور ندوة للحزب الشيوعي، وكالعادة رغب في توجيه سؤال فجاءه الجواب: (أرحب بك أولاً يا رفيق. وأذكرك أن حضورك معنا هو الأول لك، وهذا يعني أن حقك في المشاركة سيكون بعد زمن تستمع فيه وتتعلم). قال بعد محاولة مني لقول شيء (الدرب ما زال طويلاً أمامك).
وبالطبع لم يذكر وليد ما إذا كانت له تجربة ثالثة مع حزب البعث مثلاً!
لعله يذكر ذلك في القسم الثاني من السيرة. ويبقى أن نشير إلى أن هذه السيرة الذاتية قد كتبت بأسلوب يقترب كثيراً من الأساليب الروائية، فغابت أحياناً بعض الأسماء وتواريخ الحوادث الواردة. لكن العديد من القصص قد أجليت تماماً وتوضحت وخصوصاً حالة الأستاذ البيطار، وحادثة أبو شلباية، ودكانة الإسكافي، وغير ذلك.
وتبقى صورة الواقع السوري في الأربعينيات والخمسينيات واضحة معالمها جيداً، وخصوصاً في نواحيها السياسية والثقافية والاجتماعية.