الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
12-24-2011, 11:56 AM
المشاركة
181
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,766
الروائي الطيب صالح: أهم شيء صنعته في الرواية العربية
أنني أضأت مناطق مظلمة في الوعي العربي
(النوستالجيا).. أو الحنين للوطن.. عنصر طاغٍ على كتاباتي
الأعمال مرهونة بأوقاتها.. وفي المستقبل يمكن أن يرى البعض (بندر شاه).. أهم من (موسم الهجرة إلى الشمال)
الرجل بمفرده كائن ناقص لا يكتمل نفسيًا أو عقليًا إلا بوجود المرأة
إنه واحد من أجمل الهدايا التي قدمها السودان الشقيق للثقافة العربية. ذلك هو الطيب صالح الذي تقدم له مجلة (العربي) هذه التحية بمناسبة حصوله على جائزة ندوة الرواية العربية التي عقدت أخيرًا في القاهرة, وهي تحية لرجل طالما أغنى حياتنا بالمعنى ووسع من رقعة الرؤيا حين أضاف لنا شهادة عن عالمه في الجنوب.
(
طريق الخلاص.. يكمن في تعميق الذات وتنقيتها من ذل الحياة.. ومهانات
القمع) هذا هو (الطيب صالح) كما جاء على لسان أحد أبطاله وكأنه يصف رؤيته لذاته
.
حينما تراه تظنه لأول وهلة قرويًا قادمًا لتوه إلى المدينة.. ولو حدثته ستجده
المفكر المبدع, كلماته تنم عن وجد صوفي أصيل, وتتسم بالزهد والورع وحبه للناس, وحب
الناس له. بل إن سيرة المؤلف وأقواله الدالة على مواقفه وعلى تجربته الإبداعية
تضطلع بوظيفة نَصِّية مصاحبة, وتشكل عتبة من أهم العتبات المنفتحة على عوالمه
الإبداعية. فـ (الطيب) واحد من كبار المبدعين العرب الذين عرفهم العالم كنموذج
لكاتب نجح في فرض ثقافة الجنوب على الشمال, ومازالت روايته الأشهر (موسم الهجرة إلى
الشمال) تحظى باهتمام القارئ العربي في كل مكان نظرًا لأنها كانت إحدى الروايات
العربية التي نجحت في نقل الأدب العربي للعالمية بقدر ما كانت تعبيرًا مفعمًا
بالمحلية السودانية. تشتم من كلمات نقاده ومريديه رائحة (الطيب) وحالة الود التي
أشاعتها كتاباتهم عنه, هؤلاء الذين أحبوا (الطيب صالح) روائيًا وإنسانيًا وأقاموا
له فوق الورق ما يشبه المهرجان أو الاحتفال الذي أتى أشبه بدفقة حب لكاتب كبير
يستحقه. صاحب الوجه الأبنوسي, مبدع, متواضع كالعشب لاتزال في ضحكته تلك البراءة
الطفولية التي تجدها لدى العباقرة. الحوار مع عقله متعة حقيقية, فهذا العقل يحمل
حضارة بأكملها, يتسلح بها, ويقاوم, ويواجه, ويعادي إذا لزم الأمر.. أما وجدانه
النبيل, فيطارحك الشعر, فهو عاشق للغة الراقية.. عربيًا إفريقيًا شرب من ماء النيل
,
ولم ينس لونه ولا طعمه, عندما سافر إلى لندن وشرب من مياه التايمز الإنجليزي بقي
إفريقيا عربيا وإنسانا وفيا لجذوره الأصيلة وكأنه إحدى المدن الدافئة التي ما إن
ترها حتى تلقي عصا الترحال وتضع حدًا نهائيًا لأسفارك. وشاعرية (الطيب) تنبع من
دوامة السحر الفني والفكري ومن مرتفعات عالية من الخيال الإبداعي لروائي عظيم تطرب
طربًا حقيقيًا بما فيها من غزارة شعرية رائعة. فالطيب صالح شاعر في ثوب روائي وذلك
ما يجعل الحوار معه بالغ الصعوبة, التقته الصحفية المصرية سوسن الدويك, وكان هذا
الحوار
:
(لا أظن أنني أكتب لأقص على الناس قصة حياتي) هذه إجابتك عن السؤال الدائم حول (مصطفى سعيد) بطل روايتك (موسم الهجرة إلى الشمال).
ولا جدال في أن النص الأدبي ليس سجلاً لسيرة الكاتب.. ولا ينبغي لها أن تكون.
-
ولكنه لدى التحليل الأخير هو محصلة لتفاعلات الكاتب الذاتية في جدله
مع المحيط التاريخي والاجتماعي الذي يتحرك, ويكتب فيه
.
وتجارب الكاتب وذكرياته وعلاقاته الاجتماعية وميوله الفكرية والفنية
تشكل المادة الخام التي يستمد منها الكاتب رؤاه, وعوالمه القصصية والروائية, وذلك
في محاولة للرد على بعض النظريات الحداثية في الأدب التي تذهب في مسماها لعزل النص
الأدبي عن كاتبه إلى حد التضحية بالكاتب والإعلان عن موت المؤلف إمعانا في نفي
الغائية والقصدية, وكل ما هو مشترك عن الكتابة الأدبية كما ذهب إلى ذلك الأديب
والناقد رولان بارت
.
إلى أي مدى إذن يقترب منك (مصطفى سعيد), أم أنه بعيد تماما عن الطيب صالح?
-
لا ليس بعيدًا نهائيًا.. لأن كل شيء يكتبه الكاتب له صلة بنوع ما
به.. ولكن أيضا وبتعبير الكاتب الإنجليزي العظيم (جراهام جرين) الكاتب يجب أن يقطع
الحبل السري الذي يربطه بالتجربة ويتركه يختلط بأشياء كثيرة, و(مصطفى سعيد) له صلة
بي, بقدر ما لـ (محيميد) في (ضو البيت) من صلة بي
.
أهلك.. قالوا لك: (والله يا هو.. دا كلامنا ذاتو لكن فيهو شوية لَوْلَوَةْ) قلت لهم: (هذه اللولوه) هي التي يسمونها فنًا!!
هل هذا هو الوجه الآخر لأنصاف الحقائق التي تحدثت عنها?
-
بالضبط.. وهذا الحديث الذي ذكرته صحيح.. فهذا قريب لي اسمه محبوب
المبارك, شخصية ظريفة وهو لم يسمع بـ (الإبداع) أو شيء من هذا القبيل ولا يعرف
القراءة ولكنه طلب من أحد الشباب المتعلمين بالقرية أن يقرأ له الرواية, فقرأها
فوجده كأنه (كلامه) وهذا التعبير (دا كلامنا ذاتو, لكن فيهو شويه لولوه) على قدر
بساطته فهو يشير إلى بساطة الناس وفطرتهم الذكية, وهؤلاء(ناس مش لعبة)!! وأنا
أسميهم خبراءالحياة
.
(السودان.. أحمله بين جوانحي أينما ذهبت, هذا هو الوجع الأول البدائي واللانهائي) هكذا قلت وكأنك تحمل السودان بين الجوانح, ولا نحس أنك فارقته ولا لحظة.
ما موقع السودان على خريطة حياتك?
-
السودان.. (الهوية) ولدت في أرضه, فيه مهبط رأسي, ويقال إن مهبط رأس
الإنسان يظل عالقًا به, ومازلت أرتبط بقريتي الدّبة في الشمال الأوسط من السودان
,
ولأنني اغتربت عن السودان فالغربة تؤكد إحساس الانتماء..صحيح أنني أرى أن الوجود
الجسدي بالمكان ليس مهمًا خصوصًا بالنسبة لكاتب أو لفنان, ولكن إحساس الغربة موجود
عندي وأتعامل معه بطرق مختلفة.. تعاملاً لا يخلو من عنصر الوجع ولكن ليس وجعًا
دائما أو مستمرًا في الـ 24 ساعة في اليوم.. أحيانًا أنساه
!!
قلت: (هذه البيئة.. هي التي خلقت عالمي الروائي) هكذا يبدو أنك تعلق أهمية خاصة على مرحلة الطفولة والقرية.. فإلى أي مدى لعب هذان العنصران دورًا في صياغة عوالمك الإبداعية?
-
أعتقد أن الشخص الذي يطلق عليه كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع في
أعماقه, والإبداع نفسه ربما فيه البحث عن هذه الطفولة, والأدب برمته بحث عن فردوس
ضائع.. وقد كان عالم الطفولة بالنسبة إلي فردوسًا, كان هو العالم الوحيد الذي
أحببته دون تحفظ, وأحسست فيه بسعادة كاملة, والحسرة الكبرى في حياتي أن طفولتي في
القرية لن تعود مرة ثانية
!!
فالقرية هي عالم مصغّر من السودان (الميكرو كوزم), العمل الأدبي الذي
أبدعه, ولما أريد أن أقوله عن السودان وعن العالم العربي, هي المسرح.. المادة
الخام.. هي النافذة على الكون
.
وهذا ما فعلته في (عرس الزين) فهي قريبة جدا من الواقع, ومرات أميته
كما فعلت في قصة (ود حامد) وكنت ألعب بالشخصيات كما يلعب المخرج بالشخصيات في
المسرح
.
غير أن في هذا العمل طبعًا عنصر الفن المتعمد
.
الفن المتعمد
ماذا تعني بتعبير (الفن المتعمد)?
-
الفن المتعمد..أي الدفع بالشخصية إلى أقصى مدى ممكن, وأقصى حدود
تتحمَّلها
.
وهذا التعبير أي (الفن المتعمد) والدفع بالشخصية لأقصى درجات تحملها
أول من قاله (بلزاك) الفرنسي, وأنا أحب بلزاك جدًا, ولي بعض الجهد الإبداعي في
هذاالصدد
.
هناك من يرى أن لديك اقتناعًا بأن أسلوب التوسل بالتراث لتلوين الرواية العربية بلون محلي هو السبيل إلى إظهار خصوصيتها, وإثبات انقطاع صلاتها بأنماط الرواية الغربية السائدة.. هل ذلك صحيح?
-
لا.. لا.. ليس أنا.. ولا يعجبني تعبير (التوسل) وتصورهم هذا خاطئ
,
فكأنهم يعتقدون أن التراث شيء موضوع عندنا في مخزن, وأحيانًا نفتح عليه ونأخذ منه
مثلا.. وهذا خطأ وغير صحيح
.
فالتراث معجون فينا, والناس يحملون تراثا يمثل امتدادا لبعض الأشياء
ولديهم إحساس بذلك, ولعلك لاحظت مثلا الأسماء نفسها في الروايات (عبدالقادر ولد
محجوب) بحيث يصلح الاسم لمجموعة عوالم وليس لشخص معين ممتد لعشرات السنين, وليست
حكاية التراث هذه التي يرونها, وأعتقد أن بعض إخواننا الأكاديميين هم من يقولون
بهذا الرأي ولكن بالنسبة لي ليس لدي هذا الإحساس ولا أتعامل بهذه الآلية, أنا لدي
عالم (مادة خام) موجودة وآنا آخذ منها
.
طبقات الشخصية
هناك آخرون يرون (أن روايتيك الأوليين (موسم الهجرة إلى الشمال), و(عرس الزين) وجدتا رواجًا داخل العالم العربي وخارجه ورفعتا منزلتك إلى مصاف أعلام الرواية العربية, الأمر الذي دفع بك إلى سبر واقع مجتمعك في روايتك الأخيرة (بندر شاه) لتعرب عن المسائل الجوهرية التي تشغل بالك, ولتقوي علاقة لحوقها بالنص الخاص, وتلون نسيجها بلون مرويات التراث الشعبي) ما رأيك?
-
إلى حد ما, ولكن ليس الرواج الذي وجدته في (عرس الزين), و(موسم
الهجرة) هو الذي دفعني لعمل ذلك.. لا.. ولكن هي رؤية في زمن مختلف فهذا مجتمع
مترابط يتحول, له متحولات متعددة, وأنا أكتب أعمل كعالم الآثار في الحفريات, حتى
تبدو لي الحقيقة في طبقة إنسانية معينة, وهكذا أظل أحفر, حتى تظهر لي أشياء أخرى
,
وأمور أخرى لها طبيعة التراكم وهذا الحفر لا نهائي, ولا أحد يصل لنهايته
.
أول كتاباتك كانت في لندن بالفعل, إذن الغربة لعبت الدور الرئيسي في دفعك للكتابة?
وربما هذا هو تبرير إعجاب القراء العرب والغربيين بها. ما رأيك?
-
أنا واضح جدًا في طريقتي في الكتابة, ولست كاتبًا شديد الإحساس
بالقارئ أو الناقد, ولا أنتج إبداعي بهدف الاستمرار في السوق أو من أجل النقاد لا
..
لا.. أنا أكتب كما يحلو لي, وبحرية كاملة. لا.. أرفض هذا التفسير نهائيا.. فإذا وجد
ما أكتبه هوى لدى القراء.. فهذا يرجع للقارئ, وإذا لم يجد هذا الهوى فقد يأتي زمان
آخر ويجد
!
رد مع الإقتباس