عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
5274
 
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية

خالدة بنت أحمد باجنيد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
322

+التقييم
0.05

تاريخ التسجيل
Jan 2008

الاقامة

رقم العضوية
4365
11-10-2010, 12:16 PM
المشاركة 1
11-10-2010, 12:16 PM
المشاركة 1
افتراضي سؤال غير مشروع..!
سؤالٌ غير مشروع..!



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كثيرًا ما ترعبني قراءة-ولو عابرة- في تاريخ العصور المظلمة الأوربيّة، وبالرغم أنّني لستُ لهذا التاريخ قارئة وفيّة، إلا أنّ التوجّه الأدبي يدفعني إليه إيمانًا بأنّ دارس الأدب الحقيقي لا بدّ له أن ينعتق من سطوة الأنا/الذات، ويتحرر منها إلى نظرة أكثر شمولاً واتّساعًا تسعى إلى الآخر بإنصافٍ وتعقّل؛ وهكذا أدركتني مطالعة لهذه العصور وما أسفرت عنه من تحدّياتٍ ووقائع كان لها كبير أثرٍ في مسيرة الأدب التي لا ريب في أنّها تعادل مسيرة البشريّة في هذه الحياة.



أعود فأقول ترعبني.. وكم تحمل هذه اللفظة من عنت ومشقّة، ذلك أنّها في الآونة الأخيرة تحرّرت من إسار جمع المعلومات وامتلاك التصوّر إلى تساؤلاتٍ ملحّة، عنيفة، لا أجدُ فيّ جرأة الإجابة، ولا جبن الهروب، فما انفككت بسببها أعيش حالة توتّر.. وانتظار مؤرّق..!


مشكلتنا مع الأسئلة أنّنا لم ننشأ على محاورتها، فنغلبها حينًا، وتغلبنا حينًا، بل كبرنا على مبدأ لا للأسئلة، فنحن لدينا من الإجابات ما يفوقها، وتلك الإجابات الجاهزة التي تشبّعنا بها عمرًا لم تعطنا فرصة السؤال، بل هي في الحقيقة لم تعطنا فرصة السؤال، ولا فرصة الجواب أيضًا، فصرنا رهائن أسئلة تفرض علينا ولا نفرضها، وإجابات تسكتنا ولا نُسكت بها..!


هذه المشكلة تحديدًا هي ما أكابدُ وأنا أقرأ في عصرٍ –لولا يقين بالفارق- يكاد يطابق واقعنا، فكأنني أقرؤنا سوى أسماءٍ مختلفة!!؛ لن أهمّ أبدًا بمقارنة المسيحيّة بالإسلام، ومع هذا فلا أرى ما يحول دون مقارنة الممارسات المسيحيّة بالممارسات الإسلاميّة من منطلق أنّ الدين كامل، لكنّ تطبيقه يعترضه النقص حتمًا لأنّ مطبقيه بشرٌ ما لهم إلى الكمال من سبيل.


عندما يقول لي التاريخ بأنّ الدين/المسيحيّة وقف عثرة أمام حضارة نشهد بأمّ أعيننا كيف بلغت بتخليها عنه، كنت أجيبه فورًا بأنّ المسيحيّة دين محرّف، وإسلامنا محفوظ بحفظ الله تعالى، ثمّ أطوي هذا السؤال بفخر واعتدادٍ أدركتُ مزالقه بعد حين.


واليوم عندما يقول لي التاريخ ذلك، لا أملك إلا أن أختلس نظرة إلى صراع الدين والدنيا، وكيف أصبح التديّن في واقعنا أنموذجًا للتقوقع والتراجع خشية المروق من الدين، كما خشيت المسيحيّة يومًا على أتباعها من الهرطقة!.


يقول لي التاريخ بأنّ باباوات الكنيسة هم المؤهلون فقط لتقرير الصواب والخطأ، وافعل ولا تفعل، فتبيح ما يتفق مع توجهاتهم، وتحرّم ما قد يعرّضها للحرج ويتّهمها بالتناقض، فكنت أجيبه بأنّ هؤلاء كافرون فاسقون، ويكفي بأنّهم تجرّؤا على دين الله تحريفًا وزيادة وحذفًا، فماذا ننتظر ممن تجرأ على الله، ألا يتجرّأ على مخلوقاته؟!!!


لكن اليوم أقرّ لذا التاريخ بأنّنا أيضًا رهن الوصاية، ورهن عقول أخمدها الاقتناع بأن السلامة أولى وأحبّ من ثورة/فتنة مهلكة، وما دام الوحي بين أيدينا –الكتاب المقدّس بتعبير أوكام- فعلينا به، فما من مسوّغ للعقل واستخدامه إلا في نطاقٍ ضيّق مقنّنٍ طبعًا.


يقول لي التاريخ بأنّ المعطيات الجاهزة للأفكار سبب أساسي للتخلّف، لأن الحضارة أفكار متغيّرة، كلّ فكرة حاضرة تنهض بقدرتها على التجديد والتطوّر، وما ثبات الأفكار إلا بقدرتها على النمو والتطوّر، وعندما كان الأوربيون قديمًا منغلقين على مجموعة أفكار محدّدة لا يخرجون عن نطاقها لم يعرفوا نهضة ولا إنتاجًا، وما إن أدركوا حريّة الأفكار أدركوا التنوير.


كنتُ أجيبه أنّ التنوير للظلام، لكنّ تديّننا ومحافظتنا نور، لأنّها صحيحة لا تشوبها شائبة، وأقف بقناعة أنّ هذا الاختلاف كافٍ لتبرير المحافظة، بيد أنّ أنّي اليوم صرت أراه اختلاف اسم لا مسمّى، لأنّ التديّن تزعّم فرض الأفكار الجاهرة باسم الدين، فالتبست علينا.


دائمًا ما يقولون بأنّ القرآن والسنّة هما منبعا ما يقال ويكتب ويظهر باسم الدين، فيما لا أرى إلا أقوالاً ينقلها شيخ عن شيخ، وتتواتر سلسلة المشايخ بتسليم مطلق لها دون أيّ مراجعة موضوعيّة، ومحاولة –على الأقل- لاستنباط فهمٍ جديد أو متجدّد للأدلّة بما يستوعب اختلافتنا ولا يقصيها..!


يثيرني مبدأ المذاهب الأربعة في الفقه، وكيف خرجت تلك المذاهب المختلفة من الدين الواحد، وهذه الاختلافات في النظر والاستدلال قوبلت بقبول وتأييد من رجال الدين، وكثير منهم من يحيل الفتوى إليها وإلى طرقها المختلفة، فأتساءل: لم قبل تعدّد تلك المذاهب، ولا يقبل التعدّد في زمننا هذا؟ ولم نظلّ حتى يومنا نحيل إلى تعدّد قديم باعتباره مرجعًا، ولا نسمح لأنفسنا بتعدّد جديد أكثر ملاءمة لنا؟!


ما الذي يجعل تلك المذاهب ذات حصانة، ومذاهبنا مجرّد آراء تشوّه الدين وتغالط فيه، مع أنّنا سنرجع كما رجعوا إلى الدليل، وننظر فيه كما حقّ لهم أن ينظروا؟!!


أعلم بأنّ أسئلة كهاته غير مشروعةٍ قطعًا، وكفى ما تثيره من بلبلة وظنّ بأنّ صاحبها يحوم حول الحمى ويوشك أن يقع فيه، دليلاً على خطورتها، وتفريط صاحبها بالدين الذي لو تمسّك به لعرف الثبات والسكينة، ولكن ألا يحقّ لي أن أعجب لسكينة لا يرادفها إلا الاستسلام، والتعلّق بغدٍ وهمي نفصّله بتمنينا لا بأفعالنا..!!!


ألا يحقّ لي أن أعجبَ لسكينة تقحم نفسها بيننا وبين كثير من المشاريع المستحدثة بمبررات وحججٍ قديمة، لم تعد ذا فاعليّة أو إقناع، وكفى بنظرة سريعة إلى الواقع والمجتمع لندرك حجم التغييرات والتحولات التي شهدها، وما تزال تتربّص به مقولات عفا عليها الدهر.. ومضى دونها..!


إنّ أشدّ ما على قلب المسلم المحبّ لدينه الساعي للتمسّك بهديه وتعاليمه أن يرى بأم عينيه كيف أصبحت النظرة للتديّن نظرة سلبيّة دونيّة، حتّى آمنت بأنّ ركونها إليه هو الموت، وأن ركنها له هو الحياة بكلّ معانيها.


لم يخدم الدين أبدًا من قيّده .. لم يخدم الدين أبدًا من تظاهر به واستظهره.. ولن يخدم الدين أبدًا من رأى أنّه الأمين عليه والحافظ له دون مليار من المسلمين.. ما عليهم سوى الاحتذاء والاتّباع.. ولا غير!!.

خالدة بنت أحمد باجنيد
2/12/1431هـ
8/11/2010م