عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-2013, 02:59 PM
المشاركة 5
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ما لا يغفره وطني ( مكافأة في وطني ) / آمال بوضياف .

تشير الساعة إلى لا وقت، خالية من عقاربها عارية من حقيقتها منبوذة كذاته اللحظة، تتسرب برودة الظلام في تلك الغرفة المقصية من الوجود إلّا من وجود السجن إلى جسده المنهك من ثلاثين عاماً قضاها حاملاً قطعاً لا تحصى من الطبشور، الطبشور الذي مازال تحت أظافره عالقاً.. ساكناً بين خلايا جلده، معششاً في رئتيه وشاهداً على أجيالٍ وأجيال.
جالساً في ركنها مع من ظلمتهم الحياة أو ظلموا أنفسهم كأنّه "..." يبحث في ذهنه عن تشبيه أو كلمة تليق به هو المربي السجين، يجلس بينهم فيكمل كأنّه "السفاح" سؤال متوقع في ظلام المربع: "ما تهمتك؟ " الإجابة: "عاقبت الولد" التعليق: "لا بد أنك مزقته" يضحك بسخرية من دوران الساعة الخالية من العقارب، لا يجيب لكنّه يلعن حرصه على الولد.. يلعن التربية والتعليم.. ويلعن السلوكيات المنحرفة التي يأتي بها كلّ جيل جديد، يهمهم: "أمّهات غياب أمام التلفاز أو في العمل، آباء يركضون خلف الخبز، وأولاد يأكلون "الساندويتش" ويربون أنفسهم" يتكرر السؤال مرة أخرى لكن بإصرار: " ماذا فعلت للولد؟ " ينظر أرضاً يجيب: "ضربته على يده لكنّه تحرك بطريقة ما فسببت له أثراً.. " يتم بهمس "..طفيفاً" يضحك المجرم بل يتمرغ ضحكاً يعلّق: "أنت تكذب، لا بد أنّك أبرحته ضرباً" يفكر بصمت "ما دمت هنا.. فلا بد أنّني أبرحته ضرباً، ما دمت هنا.. لابد أنّني أكذب، مادام هناك طبيب محلف يشرب فنجان القهوة الضخم ليقدّم شهادة طبية بعجز لأسابيع وشهور.. لا بد أنّني السّفاح"
يسكت عن الضحك ينظر إليه بشفقة.. يقول بجد أكبر: "بابا ما تزعفش، والله لا يستحق أحد حزنك أنت ربيت أجيالاً وأجيال وهذا شرفك وكرامتك.. لا يستطيع أحد إذلالك"
يرفع رأسه ينظر إليه وإلى المكان لا ينبس ببنت شفه لكنّه يتذكّر حديث زوجته: " لا تعاقبهم، الله لا جْعَلْهُمْ يَقْراوْ، غداً يسببون لك المشاكل، آباؤهم مرتاحين وأنت تهتم؟؟" يتذكر رده بحزن مخلوط بالندم: "لا أستطيع ترك الأولاد يضيعون، أنا لا أأذيهم فهم أولادي لكن.. بعضهم تعوّد العقاب من صغره وتربى عليه فلا يغير سلوكه بغيره، هو مجرد تنبيه لكن ملموس" امتعضت بصدقٍ من رده وقالت: "اسكت يرحم والديك، ستندم على حبك هذا يوماً، واش يجيك من الناس قل لي." يهمس: "ماذا أتاني؟ هذا ما أتاني"
أسبوع كامل من التحقيق والسجن، ورغم أنّ الولد لم يكره المعلم ومازال ينتظره كل يوم، ورغم أنّ الأثر ما كان ولم يوجد أصلاً، صدر القرار بالتوقيف عن العمل والإقصاء كمكافأة نهاية الخدمة، يستلم القرار يقرأه بتمعن ينظر لكل من حوله، يتطاير الزبد من فمه يسقط تدريجياً على الأرض، يرى ثلاثون عاماً تمّر كلمح البصر.. يبتسم.. بالكاد يقول: "شكراً" يشهّد بطلاقة ويغادر حاملاً قهره والوطن حين يتضافر لكي لا يغفر.



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!