عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-2012, 11:36 AM
المشاركة 561
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
أحمد بن عبد القادر:
لا، يوجد بيت لا يوجد به شاعر وبيوت كثيرة.
محمد كريشان:
لا يوجد فيها شعراء.
أحمد بن عبد القادر:
لا يوجد فبها شعراء، أدعياء الشعر موجودون في المشرق والمغرب، أما الشعراء فهم قلة، قلة وفي بلدنا خصوصاً في الجيل المتحضر من المحضرة نسبتهم عالية، نسبة عالية جداً.
محمد كريشان:
يعني استمرار المحاضر والتي كما ذكرنا هي نمط تقليدي للمدارس في موريتانيا، هل تشكل هي المعين المتواصل لاستمرار الشعر والشعراء في موريتانيا؟
أحمد بن عبد القادر:
أولاً المحضرة لم تعد كما كانت لأنه كما سبق أن أشرت إلى ظاهرة الجفاف في دول الساحل قضت على مقومات الحياة الريفية، فالمدارس كثير منها اختفت، المحاضر كثير منها اختفى أو هاجر إلى المدن، والمدن ليست هي الأرضية، ليست هي الرحم الذي ترعرعت فيه المحضرة، هي قامت على قاعدة اقتصادية اجتماعية تقوم على تربية المواشي، وخيام الصوف، والتنقل بين النجوع من مكان مخصب.. من مكان مجدب إلى المكان الأخصب، ومازالت منها بقية لا بأس بها من المحاضر لكنها نسبية جداً، أما الآن فالتعليم عندنا والثقافة بوجه عام والحركة الأدبية بالتالي تقوم بين تراث المحضرة وبالجامعة كمان، إحنا عندنا جامعة وعندنا معاهد وحياة ثقافية في المدن، هناك ازدواجية الآن ما بين ما هو من أصل محضري بدوي وبين ما هو ناشيء من المدن بتعليم مؤسسات (حضارية).
محمد كريشان:
لكن سيد أحمد مع ذلك وجود المحاضر التي مثلما ذكرنا هي النمط التقليدي للمدرسة في موريتانيا، الطالب فهيا يكون مطالب بحفظ المعلقات وبحفظ قصائد تتكون من ألف بيت، هل هذا بدوره يعني ساعد على نمو ظاهرة الشعراء وجعلها أكثر قدرة على الاستمرار في هذه البلاد؟
أحمد بن عبد القادر:
هو المنهاج المحوري ساعد لأنه كان الشعر الجاهلي خصوصاً يحفظ بكثرة، في المنهاج كان الطالب عليه أن يحفظ المعلقات، كان عليه أن يحفظ ديوان الشعراء الستة الجاهليين، كان عليه أن يحفظ ديوان غيلان ذي الرمة، غيلان ذو الرَّمة شاعر من العهد الإسلامي شعره قوي من نطاق الدهنة، وكان يحفظ شعر للشعراء المحليين، وحتى شعر الأدباء العباسيين، ثم كانت البيئة لها عامل، البيئة هنا كانوا ناس رُحل يقطعون في السنة آلاف الأميال، أو مئات الأميال بحثاً عن المراعي ويقول أحد أساتذتنا القُدامى المختار بلبونة صاحب الشرح الكبير على ألفية ابن مالك في النحو من القرن الثاني عشر الهجري، يقول يصف سفره مع محضرته يقول:
ونحن ركب من الأشراف منتظم
أجل ذا العصر قدراً دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
فيها نبين دين الله تبيانا
كانت هناك عوامل تشابه البيئة المُعبَّر عنها بالشعر الجاهلي، بالبيئة التي يعيشها الطالب والأستاذ، ويعيشها الشاعر بالتالي، أنا كنت في نجد قبل شهور، نفس النباتات ونفس طبيعة الأرض في الصحراء الموريتانية، نفس الأرض، ونفس المسميات تقريباً من حيث النباتات والتضاريس، حضر أحدهم شعر امرئ القيس ورأى وتشبع به وتذوقه ورأى الأرض مشابهة هذا أيسر أن يكون هذا مساعداً له، ثم هناك اجتهاد من رجال الدين كان يربى عليه الطلاب أن من لم يفهم اللغة العربية لن يفهم كتاب الله ولا الفقه ولا العلوم الدينية، كان هناك إقبال كبير على اللغة من وجهة نظر دينية واحد اسمه بن متالي أحد الفقهاء البارزين، يقول: تعلم اللغة أفضل من عبادة الله. تعلم الشعر الجاهلي، تعلم اللغة العربية أفضل من التخلي للعبادة،
قل تعلم اللغة شرعاً فضلي
على التخلّي للعبادة الجلي
إذاً عوامل كثيرة خلقت الظاهرة المحضرية الثقافية منها ما هو متعلق -كما قلت لك- بمنهاج المدرسة، وما متعلق بالبيئة، وما هو متعلق بالمنظور الديني الذي يوصي ويُلح على محاولة فهم الدين الإسلامي عن طريق التطلع في اللغة العربية.
محمد كريشان:
ولماذا لم يبرز اسم شاعر موريتاني يكون محل إجماع داخل الساحة العربية رغم هذا التاريخ من الشعر؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا سبق أن قلت لكم إن التحاقنا بقافلة التنوير والتحديث مُتأخرة، ثم جاءت مع السبعينات والستينات، وأعتقد إنه بعد الستينات، بعد السبعينات لم يظهر شاعر عربي موضع للإجماع العربي ككل، لأنه بدأ تدخل البيت العربي الصورة، آلة التلفزة، وبدأ الناس ينشغلون انشغالات أخرى عن هذا الاجماع، بينما كان الشعر في الماضي وفي أوائل القرن هو الشغل الشاغل للناس، ورغم ذلك ففي تلك المرحلة لم يتخط هذا الجدار المغربي، إهدار الخمول أو التخميل المغربي إلى منابر الشرق إلا أبو القاسم وحده، وحده لا سواه.
محمد كريشان:
يعني هل هناك أيضاً حركة نقد في موريتانيا؟ يعني ما الذي، من هو الشخص الآن المؤهل حتى يحكم على مستوى الشعر في موريتانيا طالما أنه غير منتشر خارج حدود موريتانيا، وطالما أن أغلب الناس يقولون الشعر، ولكن مَنْ يُقوِّم هذا الشعر؟ من الذي يُجزم بأن هذا الشعر جيد، وهذا متوسط، وهذا قابل للانتشار خارج موريتانيا، وهذا شعر محلي؟
أحمد بن عبد القادر:
الشعر يُقوَّم على مستويين وبمقياسين، أبناء المحضرة من المسنين ومن الجيل المحضري القديم يقومون حسب ذوقهم وحسب اختياراتهم ومقاييسهم الجمالية تقليدية طبعاً، في المدينة، في الحركة الثقافية في المدينة فيه الجامعة، وفيه أساتذة نقد، فقط لم تظهر عندنا مجلة نقدية متخصصة حتى الآن، ودعني أقول لك إن النقد ما زال عندنا في بداية الطريق لأنه لم تظهر بعد مجلة متخصصة، يضاف إلى هذا الشرذمة -إن صح التعبير- لأن الشرذمة العربية لا تعني الواقع السياسي والتفرق في الآراء والأهواء، فقد تعني أيضاً في الأذواق، فالشعر أصبح يُطلق على أجناس مختلفة والنقاد انقسموا حسب ذلك،فالقصيدة العمودية ذات الجرس القوي يسميها بعض الناس (هذرمة) أو هزيان قديم لا قيمة له، لا يعتبر شعر، وهناك الجانب الآخر أناس لا يعتبرون القصيدة المنثورة شعر، فتفرق الآراء والأهواء ليس لدينا على المستوى العربي مرجعية نقدية متفق عليها، إذا ما تذكرنا مدرسة الحداثة عند أودنيس ومدرسته في النقد تنفي وجود أكثرية ما هو شعر لدينا وله أعداء يعاملونه نفس المعاملة، إن عدت إلى هنا فالنقد عندنا نقد عصري بالمقاييس العصرية، ولكنه في بداية الطريق هو الآخر.
محمد كريشان:
نعم، على ذكر أدونيس، أدونيس زار موريتانيا في فترة من الفترات وكذلك الشاعر محمود درويش، كيف تُقيِّم تفاعلهم مع الشعر الموريتاني؟ كيف وجدوه؟ أو بالأحرى كيف وجدتم مدى تجاوبهم مع ما سمعوه هنا من شعر؟
أحمد بن عبد القادر:
بالنسبة لدوريش، بالنسبة لدرويش كعادته خصصنا له أمسية لوحده، لا شاعر إلا هو، وهذه كان يفرضها على العراقيين وعلى المصريين، وعلى المغاربة، وعلى التونسيين، أفردنا له ليلة، وأفردنا ليلة للشعراء المُحيِّين له فأبدى الإعجاب وقال لي وقتها أنه وجد نفسه ومشاعره من خلال السهرات الأدبية المتنوعة قصائد حرة، قصائد عمودية كلها عن القضية، كلها تحمل مشاعر عربية، كلها تأخذ من لغة الشعر بحظها، ومن المرامي القومية بقسطها، فكان مرتاحاً، وأعتقد أنا حسب معرفتي به أنه لا يرتاح إلا إذا ارتاح لم يكن مجاملاً ولا (…)، أما أدونيس فلم أحضر زيارته كلها، إنما كانت مناورات في الجامعة حول أطروحاته وآرائه الفكرية في النقد وما إليها والثابت والتحول وما إلى ذلك كان هو كل ما عمر به وقته ولم يكن هناك أمسية شعرية، لم تكن هناك أمسية شعرية بمناسبة مجيئه إلينا.
محمد كريشان:
نعم، من بين القصائد الأكثر، ربما التي أخذت رواجاً أكثر في خارج موريتانيا، هل تذكر بعض القصائد سواءً لكم أو لغيركم؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا كتبت قصيدة في الثمانينات من القصائد العمودية التي يسميها بعض الناقدين خطابية، وأنا أسميها شعر عمودي بأغراض عصرية، كان عندنا مؤتمر، مهرجان شعري ساهم فيه شعراء من تونس والجزائر والمغرب وليبيا قلت فيه قصيدة قلما زرت بلد عربي إلا وجدتها عند بعض الأساتذة، رغم أني لم أنشرها في كتاب.
محمد كريشان:
السفينة؟
أحمد بن عبد القادر:
لا ليست الفنية.
محمد كريشان:
ليست السفينة.
أحمد بن عبد القادر:
السفينة أكثر انتشار عند الأوروبيين لأنها تُرجمت إلى الفرنسية ترجمة جيدة، وتعالج إشكالية محلية لا يتذوقها إلا –أعتقد- الإنثروبولوجيين أكثر، لأنها تطرح مشكلة الصحراء ورحيل أهلها، الرحيل المزدوج بالسفينة، الرحيل من المكان إلى المكان بسبب الجدب والرحيل من الداخل، أي رحيل الناس عن عاداتهم وقيمهم إلى لا أدري، يعني رحيل مزدوج، القصيدة اللي إذا حبِّيت أسمعك نماذج.
محمد كريشان:
أي نعم.
أحمد بن عبد القادر:
من قصيدة مهرجان الشعر المغاربي
أحباب عند أهله
وادي الأحبة هلا كنت مرعانا
إن الحبيب حبيب حينما كان
ويا أخ البعد هل تشفيك قافية
تبوح بالنفس أنفاساً وأشجان
أفٍ على الشعر والدنيا بأجمعها
ما لم تقرب إلى الإخوان إخوانا
هون عليك فذاك الشمل مجتمع
والنجع لاقى على التحنان خلانا
إن الحمائم قد عادت مغردة
فوق الغصون وعاد البان نشوانا
أما رأيت طيور البحر حالمة
في أفقنا ترسم الأفراح ألوانا؟
فسل معللة الأنخاب هل نسيت
بعد الرحيل كؤوساً كن هجرانا؟
وسل أحباءك الآتين كيف أتوا
وكيف ناموا على الهجران أزمانا
وشائج الأرض أقوى من نوازعنا
والحر ينسى طباع الحر أحيانا
أحبابنا الأهل مرحى يوم مقدمكم
هذا لقانا فهل تنضم أشلانا؟
هذا لقانا فهل آمالنا انعتقت؟
وهل نسينا ربيع الوصل قد لانا
نريده غرسة للمجد واحدة
لروحاً يكلِّلُ عُري الأرض تيجانا
ولا نريد مواثيقاً
الاتخاد المغازي يعني..
ولا نريد مواثيقاً مطرزة
تعيش في الورق المنسي أدرانا
ولا نريد ابتسامات مؤقتة
تغشى الوجوه وتغدو بعد نكرانا
قبل اللقاء أحرف التاريخ ما عرفت
وجه الصباح ولم تطربه عنوانا
كأن (طارق) أوصانا بأندلس
شراً و(عقبة) لم يحلل مغنانا
نروي لأبنائنا فخر الجدود ولا
نبدل الشوك عبر الدرب ريحانا
وكيف ينفعنا عز الأوائل
ما دمنا بغاة وطار الغير عقبانا؟
حار الأدلاء والبيداء تبحث
عن نجم السبيل ولم تعرف له شانا
وإنما نفنحات الضاد تسعفنا
نوراً إلى الليل في بلواه أعشانا
وإذا الرياح تراتيل بغير هدى
تسبي الذي يعبر الأمواج وسنانا
وتخطف البرق من أحشاء سطوته
وتترك الغيم في علياه ظمآنا
يا غرسة المجد، هل تسقيك أغنية
من وحي (أوراس) تبري الكون ألحانا؟
وهل تجود عليك الدهر ماطلة
من القلوب تحيل الصخر وجدانا
نبه لها عمر المختار وادع لها
عبد الكريم بمازان وما صانا
ونادِ شنقيط واستنفر منابعها
والقيروان وتطواناً وغزانا
فالكرم قد عانق الزيتون في مرح
والطلح يزهو عساليجاً وأغصانا طويلة