عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2015, 06:07 PM
المشاركة 1379
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع .....حسن حميد

من مقال بقلم : ـ وحيد تاجا
- حسن حميد كاتب قصة ورواية معروف في الساحة الثقافية, وتثير كتاباته الكثير من الأسئلة والجدل في المشهد الثقافي, صدر له العديد من المجموعات القصصية والأعمال الروائية.

- يقول عن نفسه : يظنّ الكثيرون أنني جئت أدبياً مع العاصفة، أو مع المطر الموسمي، أو مع الطائرات النفاثة. وهذا الظنُّ ظنٌّ وحسب، وذلك لأنني عملت عملاً طويلاً على نصي الأدبي في عزلة تعلّمتُ أسرارها من شيوخ الزوايا، والعارفين بصفاء العزلة.. كي لا يخرج هذا النص عبوساً، أو شائهاً، أو ناقصاً.

- ويقول : ساعدتني فضيلة الانتظار والصبر على إنضاج نصوصي تماماً مثلما كانت أمي تنضج الأرغفة في (فرنيتها) الصغيرة، وأنا الذي ساهرتها ليال طوالاً وهي تعجن عجينها، كنت أشفق عليها وهي تدعك العجين وتقلبه، ثم ترشه بالماء، ثم تمدده، وتطويه.. تعيد وتعيد وأنا الذي كنت أظن أن العجين يصير عجيناً حالما يذوب الطحين، وحالما يختفي لونه الأبيض.

- أمي علمتني الصبر على العمل، وطرقه، وتقليبه على وجوهه قبل القذف به إلى (الفرنية). دائماً كانت تكرر أمامي من المعيب أن يخرج الخبز (عويصاً).. لذلك من البداية قلت من المعيب أن يخرج النص الأدبي (عويصاً). وقد ازدادت قناعتي أكثر بدور النصوص وأهميتها انطلاقي من إيماني العميق بعدالة قضيتي الفلسطينية، فهذه العدالة الواضحة لا تحتمل أية شائبة أو نقص.

- لهذا.. لم أكن في ظهوري نبتاً (شيطانياً) لا سمح الله، وإنما كان نبتاً طبيعياً جداً، فقد أنهيت دراستي الجامعية دون أي سعي في مجال الكتابة والإبداع،مع أنني كنت أقرأ وأكتب وأراقب الحراك الثقافي والإبداعي، كما كنت أقايس نصوصي مع النصوص التي أقرؤها منشورة في الصحف والمجلات والكتب التي كانت تصل إلى يدي (على الرغم من ضيق ذات اليد).

- ويقول صحف ومجلات المقاومة الفلسطينية هي التي أخذتني إلى الكتابة، هي التي وعتني بأهمية الكتابة ودورها. وذلك لأننا كنا في المخيم، نحن الطلبة القرائين، نهّرب صحف ومجلات المقاومة إلى بعض الأمكنة، وبعض الأشخاص، وبعض الجهات على جلودنا، تحت قمصاننا، تلك السرانية في الحرص على المجلات والصحف بعيداً عن عيون أهلنا، أولاً، والآخرين ثانياً هي التي جعلتني أتنبه إلى أهمية الكلمة ودورها، إلى أهمية الكاتب ودوره في الحياة، وقد تمنيت أن أصبح مستقبلاً كاتباً يظهر اسمه إلى جانب مقالاته على صفحات المجلات والصحف، ويصير من هم أصغر مني يهربون ما أكتبه تحت قمصانهم (العرقانة صيفاً)، والمبللة بالمطر شتاءً). تلك كانت الشرارة التي صارت غبطة لي وأنا أقرأ قصائدي الأولى، وقصصي الأولى على أسماع أبناء مخيم جرمانا. كم كانت تلك الأيام نادرة..

س4-ألهذا.. كتابتك علوقة بالمخيم وأهله.. وأحداثه؟!..
ج4-المخيم كائن مكاني عجيب غريب، قد لا يشبه كائن مكاني آخر في العالم. فهو مكان استثنائي طارئ وبديل عن المكان الأصلي الطبيعي (الوطن)، لذلك فهو مكان معلون بمعنى من المعاني، ومكان مكروه لأنه بديل عن الوطن، لا يشبهه في شيء. ولكنه من ناحية ثانية هو مكان حميم، مكان حفظ لنا الهوية، حفظَ لنا اجتماعيةَ الناسِ، والحكايات، والتراث،والأحداث، والأخبار، والمساءات، والمسرات القليلة.
المخيم مكان له فضل علينا نحن الفلسطينيين من حيث إنه (انتي بوتيك) المضاد ضد الإذابة، واللا جدوى.. فكل ما فيه يذكرك بالوطن (فلسطين).. وإن كان ذلك على نحو مناقض، فهو مكان لا حدائق فيه، ولا موسيقا، ولا طيور، ولا ساحات، مكان مكتظ كأعشاش العصافير، مكان لا جذور له. هذه القحولة، هذا الجفاف، هذا العبوس.. يذكرنا بقوة.. بفلسطين بلد البساتين، والبيارات، والأنهار، والسواقي، والسهول، والروائح الذكية، والتاريخ المتجذر في أعماق أعماق الأرض.
أنا علوق بالمخيم عشت فيه، وتربيت على مشهدياته، وأخبار أهله، عرفت أزقته وبيوته الواطئة التي يتكئُ بعضها على بعضها الآخر، بيوته التي تبيت وحيدة في هجعات الليل. وعشت طقوسه.. طقوس الولادة، والمرض، والختان، والأفراح، ومشهديات الموت التي اختصت بها مقبرة صارت أكثر اتساعاً من بيوت
المخيم نفسه. لذلك جاءت كتابتي علوقة بالمخيم وأهله ودلالاته الفلسفية.. فالمخيم مكاني الطارئ الذي ما زلت أعيش فيه وأتعلم منه، والمخيم مكاني الذي يأخذني إلى مكاني الأول، مكان أجدادي.. حيث تركنا بيوتنا مكرهين تحت الحراب وهي ملأى بضحكات أطفالنا، ونداءات أمهاتنا، ووقع عصي جداتنا وأجدادنا.. تماماً مثلما هي خوابينا ملأى بالعسل، والزيتون، والزيت، تماماً مثلما هي مساجدنا ملأى بالصلوات، وكنائسنا ملأى بالإيقونات.. ومثلما هي ملأى بالغدران، وتحليق الطيور، ورنين أجراس قطعان الماشية؛ ذلك الغنى الساحر تُذكرنا به جفافيةُ المخيم.
س5-لكأنك تحاول التأريخ للمخيم؟!..
ج5-بلى، المخيم ليس إلا لحظة في تاريخ الشعب الفلسطيني الموغل في القدم. لنا تاريخ عمره 6000 ستة آلاف سنة، وعمر المخيم (وقد صار مديداً) هو خمسون سنة، إنه ليس سوى تلويحة سريعة لا تثير الاهتمام لولا حرارتها، وفداحة الظلم الذي أوقعته الظروف علينا.
أؤرخ للمخيم لقناعتي بأنه زائل. سيصير [عندما نؤوب إلى قرانا ومدننا في فلسطين]، مجرد متحف مكاني يدلل على وجودنا الذي كان في ظل الإرهاب الصهيوني. سيصير المخيم متحفاً يزار من قبل الآخرين، سيأتون إليه ليروا أية حياة صعبة عاشها الفلسطينيون صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً، وأية مكابدات تحمّلوها من أجل العودة المنشودة.. كيف أسسوا بيوتهم، ومقابرهم، ومدارسهم، وكيف تناقلوا تاريخهم جيلاً بعد جيل.
س6-وهل ساعدتك الرواية على القيام بمهمة التأريخ؟!..
ج6-الرواية بالنسبة إليّ َهي الجنس الأدبي الذي ساعدني على كتابة ما أريده تاريخياً، حقّبت للجروح الاجتماعية التي خلّفتها علة (الفقد)، وللبيوت البسيطة جداً التي سترت أهالي المخيم كالأثواب، والتي لولا الحياء الاجتماعي لذابت اهتلاكاً. الرواية سمحت لي بالعودة إلى الماضي البعيد لتدوين المشفوه الذي كاد يندثر بموت عارفيه.
س7-في ضوء اهتمامك بالمخيم.. أشعر بأنك لم تهتم بما هو خارج المخيم.. هل هذا صحيح؟!..
ج7-كتبت عن المخيمات باعتبارها مفصلاً أساسياً في حياة الفلسطينيين ومأساتهم في آن معاً، فهي أشبه بالمسافر الذي يقف بمحاذاة الطريق انتظاراً للحافلة التي ستأخذه إلى هدفه الذي نقشه داخل صدره. فالمخيمات كائنات مشدودة إلى موضوعة الانتظار، والانتظار مهما طال يظل انتظاراً ثم يذوب.
.. مع ذلك فأنا لم أقف عند عوالم المخيمات وأحوال أهلها فقط، وإنما كتبت في تجليات عديدة للقضية الفلسطينية، مثل من هو (الآخر)، وأي حوار يدار معه؟! ومن هو (العدو)، وكيف نفهمه؟!.. وهل هو كتلة موحدة في أهدافها وغاياتها؟ ثم إنني كتبتُ في أمور وقضايا إنسانية عديدة تحضّ الفرد في مشاعره وهو يواجه انحدار القيم واهتلاكها، وأحوال الاستهلاكية والهشاشة ورواسبها. الكاتب إنسان يرى، ويشعر، ويدرك، ويتحسس ما يواجهه في الحياة، ولكن من حقه أن يتوجه بكليته نحو المحرق الأساسي الذي يهدد مصيره، وتاريخه، وحياته، ومستقبله.. لهذا كان لابدّ لي من أن أعطي قضيتي الفلسطينية كل ما وهبني إياه ربي من قدرات على الكتابة، وتوظيف ثقافتي ومعارفي لبيان عدالة قضيتي في زمن يصحّ به أن داخل الرأس.. ثم تتم الكتابة على عجل دون معرفة بالخطوات المطلوبة. القصة القصيرة (مثل القصيدة مثل الأنهار) تحفر مجراها دونما تفكير عميق، تبدأ بالاندفاع، وكلما كانت الكتابة قريبة من لحظة التفجر الأولى كانت القصة أقرب إلى الولادة الطبيعية، أو قل أقرب إلى الظهور. والعكس صحيح. فكلما تباطأت الكتابة وابتعدت عن لحظة التفجر انطفأت الرغبة بالكتابة أو العودة إليها أو الشروع بها.
في الكتابة الروائية، الأمر مختلف جداً، هنا لابدّ من التخطيط، والتأمل، وتنسيق الأفكار، والتسلسل المنطقي للأعمار، والأجيال، لابدّ من ضبط الوصف واعتماده، ولابدّ من التقيد بالأوصاف والأنماط السلوكية التي رسمت للشخصيات.. أقول باختصار الكتابة الروائية بحاجة ماسة إلى خريطة معرفية كاملة، ومنها تنبع أو تنتج خرائط عديدة منها خريطة مكانية، وخريطة اجتماعية، وخريطة ميثولوجية، وخريطة تاريخية..الخ.
س9-تزدحم قصصك بالكثير من الشخصيات، وهي في غالبها شخصيات فلسطينية، ترى ألا يجعلك هذا تقع في مطب الانحياز الذي يضرّ بـ "موضوعية العمل الأدبي" على حد قول بعض النقاد؟!..
ج9- أنا ككاتب فلسطيني أرى الجرح الفلسطيني بكل مأساته ونواتجه لذلك لابدّ لي من أن أكون المعبر الأول عنه، وإلا ما قيمة كتابتي حين تدير ظهرها لهذه المأساة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري. التعامل مع المأساة الفلسطينية من قبل الكاتب الفلسطيني ليس واجباً فقط، بل هو مسؤولية دائمة، وحرص ضروري على إدامة الحياة، والتاريخ، والذاكرة، والإرادة.
أعرف الكثير من النقاد الذين يتهمون الأدب الفلسطيني بالإيديولوجية في مرحلة زمنية من مراحل الكتابة الفلسطينية، وهم محقون بهذا الاتهام، ولكن الكتاب الفلسطينيين كانوا محقين في تلك الفترة حين أظهروا الإيديولوجية على حساب الأمور الفنية والتقنية.. ذلك لأن القضية الفلسطينية كانت بحاجة (في تلك الفترة) إلى من يعرّف بها. لاشك أن أخطاءً فنية عديدة وقعت، ولكن تلك الأخطاء كان لابدّ من وجودها لتلافيها. اليوم الأدب الفلسطيني في الرواية، والشعر، والقصة القصيرة.. يعيش حالاً من المناددة الرائعة مع الأدب الصافي الذي يكتبه الأدباء العرب وغير العرب لأنه محمول على نجاحه الفني وليس على نبل الموضوع.
..ولكن لابدّ من التنبيه أن بعض النقاد تعبوا من متابعة مايكتبه أدباء فلسطين، فظلوا على قراءاتهم السابقة كما ظلوا على آرائهم السابقة التي توصّف الأدب الفلسطيني.. هنا تكمن المشكلة.
س10-من يقرأ لك يشعر بسلاسة الجمل وعفويتها وقوتها بآن معاً مما يخلق انطباعاً عن مدى تمكنك من اللغة وتطويعها، هل هذا الانطباع صحيح، أو أن وراء ذلك جهداً ومعاناة ومحاولات عديدة قبل ظهور عملك الإبداعي؟!...
ج10-من واجب الكاتب ألا يُغرق قراءه في الغموض أو المعميات، خصوصاً الكاتب الذي يتبنى قضية ما. على الكاتب ألا يشغل وظيفة (الدليل السياحي) كي يشر ح نصوصه وكتاباته، عليه أن يضع الأمور في وضوحها الأبدي، أي الوضوح الذي يشبه وضوح الأنهار، والغابات والنهارات.. أي وضوح الصور الطبيعية التي تحيط بنا حيث لا نفطن إلى جمالية هذا الوضوح وأهميته إلا في أوقات متأخرة جداً.
الكتابة السلسة، الواضحة لا تعني أنها خالية من الجهد وتقليب النظر والوجوه.. إطلاقاً، فالأشجار عانت كثيراً، واجتهدت كثيراً قبل أن تستوي على قاماتها.
بالنسبة إليَّ، أنا أتعب كثيراً على نصي الأدبي.. فأوظّف كل ما أملكه وما لا أملكه لكي يكون النص غنياً ثرياً، واضحاً، ومؤثراً، وذا آثار حقيقية على مرآة الذات.
لذلك أقول، وبكل الصراحة والأمانة، أنا صاحب مقبرة وسيعة لنصوصي التي لم أرضَ عنها، وهي التي لو ظهرت لكانت تسربت بين أعمالي الأخرى دون أن تؤذيها أو تؤذي التجربة في مجملها. لكنني، والحمد لله، أعمل بما قاله المتصوفة "اللهم لا تذقنا حلاوة أنفسنا"!..
س11-أنت معروف بكتاباتك القصصية، فلماذا تحولت إلى الرواية؟!..
ج11-حولي أساتذة كبار من النقاد والمبدعين، قالوا لي حين قرؤوا ما كتبته من روايات (الوقت الذي أنفقته في كتابة القصص كان ضائعاً، ليتك بدأت بكتابة الرواية مباشرة).
ظروف البداية مع القصة أو الرواية أمر لم أتخيّره بنفسي، ولم أتوجه إليه إلاَّ بعد كتابة للشعر استمرت سنوات عديدة..
وحين كتبت الرواية كتبتها بدافع عقلاني، أو قل بتفكير عقلاني.. فحين كتبت رواية (السواد) كتبتها تحت إلحاح قناعتي بأن أكتب وجهاً آخر من وجوه الخروج القسري للفلسطينيين الفلاحين.. فحبّرت ذواتهم المألومة وهم يتركون كل شيء، كل شيء (أؤكد)، ثم وهم يعبرون عن أشواقهم وأحزانهم وقد طال عليهم وقت الانتظار. وحين كتبت رواية (تعالي نطيّر أوراق الخريف)، كتبتها بقرار عقلاني مؤداه أن أؤرخ للمخيم الفلسطيني باعتباره مكاناً مرفوضاً مكروهاً من جهة وباعتباره مكاناً له فضله في جمع اجتماعيتنا في مكان واحد، وحفظ هويتنا وذاكرتنا من جهة ثانية. وحين كتبت رواية (جسر بنات يعقوب) أردت العودة إلى التاريخ القديم، إلى عالم الميثولوجيا.. لأقول للجميع: انظروا إلى أي تاريخ ماجد ينتسب الفلسطينيون، وعلى أية مدونة حضارية هم عاملون.
س12-في روايتك (أنين القصب) لوحظ اعتمادك الكبير على القص الشفهي، ما مدى دقة هذا الأمر؟!..
ج12-أحياناً، وفي مرات قليلة ونادرة، لا أستطيع أن أظل على صراحتي المعهودة في الحديث عن أعمالي كي لا أجرح مشاعر النقاد، والقراء الذين رأوا في عمل من أ عمالي، ومنها (أنين القصب) ما رأوه.. صحيح أنني أضع أسطراً في مقدمة رواياتي عادة أقول فيها إنني فعلت كذا وكذا، وإنني أخذت كذا وكذا ولكن الحقيقة ليست كذلك، فالأمر يظل مجازياً.. وهو لعبة فنية يقتضيها مقام الفن. لا يظن أ حد أن الأمر خدعة وإنما هو محاولة في الإيهام الإبداعي، أو قل مكيدة فنية.. غايتها أخذ القارئ إلى العوالم المكتوبة ظناً منه (وبسبب اقتناعه بما قلته في أسطر التقديم) أن المكتوب هو تاريخ مكتوب سابقاً، وما أنا سوى جامع له. الأمر ليس كذلك إطلاقاً. ففي رواية (أنين القصب) التي بكى معها الكثيرون وهم يقرؤونها.. مكابدات الذات التي احترقت بمصداقية العذابات الفلسطينية (وما أكثرها).. وقد شددت نفسي إلى الإيقاع الواقعي لأجعل،عبر الوصف والتصوير، ما يقرؤه القارئ أمراً طبيعياً لا صنعة فيه ولا تركيب، وأظن أن هذا الأمر من الأمور الملحة في وجودها داخل النص الأدبي، عنيت أن يبدو النص اشتقاقاً طبيعياً. وليس قصة مكتوبة.
(أنين القصب) مدونة تاريخية-اجتماعية-ميثولوجية فيها المعتقدات، والمميزات، والحكايات الشعبية، والطقوس، والأعياد، والمعايشات الفلسطينية التي كانت بمحاذاة النهر العظيم نهر الأردن.. قبل خروجهم القسري... لتدلل على أهمية حياتهم وخصبها أيضاً. أما ماهو الحقيقي وماهو غير فالأمر غير مطروح في الرواية أو الكتابة الأدبية. المطروح هو هل هذا النص ناجح، وفني، وموظف، ومقنع، ومهم.
س13-لفتت انتباهي طريقة كتابة الرواية، وترتيبها،والحواشي والإضافات التي اعتمدها؟!...
ج13-أنا مدين لقراءاتي التراثية التي علمتني الكثير،ومن أفضال تلك القراءات عليَّ هو أنني تعلمت أسرار التدوين وأساليبه وطرائقه العربية الصرف والتي تعتمد الطيّ، والمضايفة، والاستهلال، والإخبار، والتعقيب، والحواشي، والالتفات، والمساررة، هذا ناهيك عن كتلتي: المتن، والهامش.
لقد أدركت، أن كسر الرتابة البصرية داخل النص الروائي أمر مطلوب جداً، وقد قام به أجدادنا كتبة التراث، فالقطع عبر العنوانات، والمضايفات.. هو قطع وظيفي؛ غايته كسر الرتابة البصرية، وليس قطع الوظيفة السردية..
س14-لاحظت أيضاً، في روايتك (أنين القصب) تطرقك إلى الحدث السياسي بجمل قصيرة.. إلا أنها كانت معبرة وكافية.
ج14-داخل الرواية مرآة تاريخية.. لذلك لا يمكن تجاوزها أو تخطيها، ومن المرتسمات التي ظهرت عليها بعض الإشارات الزمنية والمكانية التي لها دلالات سياسية أو فكرية أو عقيدية.
س15- ما مدى اطلاعك على الأدب الفلسطيني في الداخل،وكيف تراه مقارنة مع الأدب الفلسطيني في الخارج؟!..
ج15-قرأت تقريباً كل ما كتب في الداخل، بما في ذلك المترجم من الأدب الإسرائيلي (وهو لا يزال قليلاً). وتوقفت عند أسماء شديدة الأهمية،شديدة الغنى، وعبر أجيال أدبية متعاقبة، من هؤلاء الأدباء: محمد علي طه (ابن كابول في قضاء عكا)، وهو كاتب شديد المراس في إبداع شفيف رائع، وكذلك الروائي والقاص زكي العيلة، والقاص محمد نفّاع، والمرحوم أميل حبيبي الذي كان ولا يزال قلعة أدبية حقيقية، ومن الأجيال الجديدة الروائي أحمد رفيق عوض الذي يتمتع بثقافة كبيرة، وموهبة عالية، والروائي عبد الله تايه الذي يمثل تياراً أدبياً مهماً في مدونة السرد الفلسطينية.
هذا الأدب المكتوب داخل الوطن الفلسطيني المحتل مهم جداً،ومن الصعب الآن الحديث عن كل جوانب هذه الأهمية، وهو أدب منادد للأدب الفلسطيني المكتوب في المنفى، ويحظى بتقدير عال جداً من قبل الأدباء الفلسطينيين في الخارج.
س16-يؤخذ عليك أنك غزير الإنتاج، وسؤالي هنا كيف تكتب، بمعنى آخر هل تكتب بقرار، أم أن الحدث يدفعك للكتابة، أم ماذا؟!..
ج16- من يعرف (الفرن) الفلسطيني، ومن يعرف حرارته يدرك مباشرة أنني لست غزير الإنتاج،وأن ما أكتبه قليل جداً مقارنة مع تشوفاتي، وأحلامي،وأفكاري، ومساهرتي للأحداث، وبحثي عن الأرواح، التي تحترق بكل الرضا والمصداقية.
أنا لا أكتب بقرار خارجي. وإنما أ كتب بسبب إيماني العميق بدوري ككاتب يعيش تاريخياً استثنائياً هو التاريخ المقاوم للشعب الفلسطيني. إن المقاومة وظروفها وغاياتها.. تمنح الكاتب الفلسطيني شرف المشاركة بهذا التاريخ عبر إبداعه.. وهي فرصة غير متاحة للآخرين.. بسبب هذه المقاومة،وبسبب إيماني العميق بعدالة قضيتي.. أكتب، وغزارة الإنتاج ليست تهمة أو سبة.. إن كانت ناجحة فنياً، وستكون كذلك إن كانت هشة ورخوة وباهتة.