عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2015, 03:16 PM
المشاركة 1375
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....ليلي عسيران


- أمّا هدفه من اختيار الأديبتين المصرية عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) واللبنانية ليلى عسيران كنموذجين إلى جانب الكتّاب الأربعة، فينصب في رصد التجربة النسائية العربية في كتابة السيرة، لا سيّما أنّ كتابتهما الذاتية برزت جلياً انطلاقاً من ثيمتي «الحبّ والموت».

- أمّا عن أسباب كتابة السيرة الذاتية فيحصرها الكاتب في خمسة أسباب هي: «التعبير عن أزمة روحية ما»، «البحث عن معرفة الذات»، «لذّة التعرّي»، «طلب الوصول إلى الآخرين»، «تحدّي الزمان ومجابهة الموت ونِشدان الخلود».

-إلاّ أنّ الكاتب لا يتجاهل ندرة السِيَر الذاتية مقابل وفرة السير الغيرية في عالمنا العربي، بل يعمل على تحليل أسبابها والوقوف عندها والإسهاب في شرحها ودراستها، ومن ثمّ يُقدّم رسماً بيانياً يوضح عبر جداوله مسار «السيرة الذاتية» في العالم العربي عبر سِير أشهر أعلامها.

- ثم يُقسّم دراسته إلى ستة أبواب ويُخصّص كل باب منها لدراسة ثنائية «الحب والموت» من منظور السيرة الذاتية في أدب كل كاتب. في أدب طه حسين نجد أنّ الحب كان بمثابة القدرة الهائلة التي تبعث الحياة في الأموات، فهو كان يتحدّى موت أحبّائه بالتفكير فيهم والكتابة عنهم لأنّه يرى أن نسيانهم هو الموت الحقيقي. أمّا الموت في سيرة توفيق الحكيم فيقترن بالقلق ولا يُمكن أن يُجابه موته الفعلي أو «قلقه» ذلك إلاّ بحبّه لفنّه وقدرته على الكتابة والإبداع. وكما أنّ الكاتب ولج رحاب شخصية طه حسين عبر «آفة العمى» وتوفيق الحكيم عبر «القلق والصراع»، فإنّ الكاتب ارتأى البحث في موضوع «البيئة» كمفتاح لدخول عالم عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) ونقطة انطلاق لسبر تجاربها في الحبّ والموت. وهي التي يقول عنها لبّس إنّها كتبت سيرتها الشهيرة «على الجسر» تحت وطأة الحب والموت معاً. فعائشة بدأت تدوين سيرتها بعد موت زوجها وحبيبها وأستاذها أمين الذي كانت تعتبره مدرسة إنسانية فائقة الأهمية في حياتها.

-ويُلمّح الكاتب في دراسته لسيرة ميخائيل نعيمة من منظور «الحبّ والموت» إلى أنّ الأخير كان يرى في الحب النور وفي المرأة النجم الذي أضاء له دروب الفضيلة، واستطاع أن يندرج من الحبّ إلى المحبّة ولم يتمكّن من تجاوز هول الموت والتهوين من شأنه إلاّ من خلال إيمانه بعقيدة التقمّص.

-ويُقدّم الكاتب دراسة معمّقة لفلسفة نعيمة في الموت نتيجة تجاربه المتعدّدة التي يأتي على ذكرها في سيرته المعروفة «سبعون»، بدءاً من موت جدّه وجدّته وعمّته وخاله مروراً بموت صديقه جبران خليل جبران وأخيه الأصغر نسيب وصولاً إلى وفاة والديه ومن ثمّ أخيه هيكل.

-وفي الباب الخامس يدخل لبّس عالم توفيق يوسف عوّاد عبر مفتاح «الجوع» الذي وسم حياته، فكان جوعه إلى النساء والحبّ والحياة والملذّات سمة شخصيته وحياته. وارتكز لبّس على البحث في سيرة عوّاد الذي لم يعرف غير الحبّ وسيلة يجابه بها الموت وكشف الخوف من فقدان الحياة بعدما ظلّ الموت بالنسبة إليه مشكلة وجودية لا حلّ لها.

- ويختتم لبّس بحثه عبر دراسة «الموت في سيرة ليلى عسيران» وهي التي «صُبغت طفولتها ودُنياها باللون الأسود، لون السقوط والفراغ والموت».

- ومن ثمّ يوضح الكاتب عبر الفصل الثاني «الحبّ في سيرة ليلى عسيران» كيف أنّ الحبّ في حياتها جاء نتيجة مباشرة لتجربة الموت المبكرة، بمعنى أنّ معاناة ليلى عسيران في معاركها المتتالية مع «عدوها اللدود» (الموت) دفعتها للبحث عن طريق آخر قد يُبلسم جراحها ويُنسيها مكابدتها ويُلوّن حياتها التي صُبغت بالأسود.

- ويستخلص الكاتب في خلاصته أنّ ليلى عسيران كتبت سيرتها «شرائط ملوّنة من حياتي» نتيجة فقدان أبيها ورحيل ابنها.

- في هذا البحث الأدبي الذي بلغ نحو 466 صفحة، استطاع الكاتب أن يتوصّل إلى حقيقة إنسانية وأدبية في هذا المجال مفادها أنّ ليس من حياة تخلو من حبّ وموت، وبالتالي فليس هناك سيرة تخلو من حبّ وموت. لذا، فإنّ علاقتهما الباطنية عميقة وليس كما يتبيّن لنا في ظاهرهما، هذا فضلاً عن أنّ هناك امتزاجاً - بحسب رأي الكاتب - بين نزوة الحياة ونزوة الموت من خلال ثنائية الساديّة والمازوخيّة. وكما أنّ الحبّ يعيش صراعاً دائماً مع الموت، وهذا ما يُكرّسه نجيب محفوظ في «أصداء السيرة الذاتية» عندما يقول: «أشمل صراع في الوجود هو الصراع بين الحبّ والموت»، فإنّ الحبّ والموت تجمعهما علاقة «تحالف وتكافل» أيضاً لأنّهما الحقيقتان الكبيرتان في هذه الحياة. وهذا ما يؤكدّه محفوظ نفسه في سيرته قائلاً: «جوهران موكلان بالباب الذهبي يقولان للطارق: تقدّم فلا مفرّ، هما الحبّ والموت».

من مقال بقلم : مايا الحاج عن الحياة