عرض مشاركة واحدة
قديم 07-14-2011, 09:00 AM
المشاركة 26
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :

ويستمر القاص مبارك الحمود في الفقرة الرابعة في سرد الحدث الذي يتمحور في مجمله حول شخصية بطل القصة، بنفس البراعة والقوة والتكثيف والجمال الفني المعبر والمؤثر إذ يقول:

" أ

ها أنا أقف عند المطعم.. "بيض بالجبن وكوب حليب لو سمحت".. لا أدري لماذا أشعر بالخجل وأنا آمره بذلك, لقد وضع شطة, حسنا لا بأس.. أحب الحليب بالشاي جدا, وخصوصا إن كان سكره زيادة.. أتخيل وأنا أرتشفه أني ممثل كلاسيكي في فيلم أربعيني بالأبيض والأسود, تنقصني سيجارة فقط.."

ونجده في هذه الفقرة الرابعة (والتي تتكون من 49 كلمة ) يبدأ برمز كودي جديد هو حرف الألف (أ) هذه المرة، وهو الحرف الثالث من كلمة عاطل عند كتابتها بالمقلوب (ل ط أ ع ).

ونجد أن مبارك الحمود ولأسباب غير معروفة، يكرر في مطلع الفقرتين التاليتين هذا الحرف (أ)، وعلى غير ما فعل بالحروف الأخرى ( ل+ ط )، ولاشك أن لذلك رمزية ما؟! وهي حتما لغة كودية تلد في لحظة الوجد، في الغالب لا يدرك مغزاها حتى الكاتب المبدع نفسه ولو ظن عكس ذلك.

والسبب لا شك يعود إلى أن عقل المبدع يعمل وخلال لحظة ( الوجد ) أي لحظة الاشتعال الإبداعي أو لحظة ولادة النص الإبداعي بقوة بوزيترونية ما ورائية لا محدودة في قوتها، تلتقي فيها الأمكنة جميعها في نقطة واحدة، وكذلك تلتقي فيها الأزمنة جميعها في لحظة واحدة، وتتناسب قوة لحظة الوجد هذه طرديا مع الوتيرة التي يعمل بها دماغ الشخص المبدع، تلك الوتيرة المرتبطة بدورها بكيمياء الدماغ، وقوة الدفق في كيمياء الدماغ مرتبط بدوره في المآسي والفجائع والصدمات التي يمر فيها المبدع خاصة في طفولته المبكرة، وأعظمها تأثيرا هو اليتم. وعليه قد تحمل مثل هذه اللغة الكودية دلالات ومعاني وأعماق وأبعاد لا يمكن فهمها أو استيعابها في زمن ولادة النص، أو من خلال القراءة الواعية لها، وعلى الأغلب أن اللغة التي يخرج فيها النص الإبداعي تمثل رموز كودية تحمل على معاني ودلالات مستقبلية ما ورائية الأبعاد والأعماق ، والزمن فقط هو الكفيل بفكفكة وكشف أسرارها ورمزيتها وفهمها بشكل كامل، وتظل أي قراءة لها اجتهاد قد لا يصل إلى أعماقها الحقيقية.

لكننا نجد في نص هذه الفقرة أيضا الكثير من عناصر الجمال المؤثرة في المتلقي. فالقاص وهو يتحدث على لسان البطل يخبرنا انه يقف عند المطعم في مثل ذلك الجو ألفجري نحاسي الضوء والذي أبدع القاص في رسمه بريشة الفنان الذي يتقن استخدام الألوان والتفاصيل. والوقوف يعني عكس الحركة. فالقاص يُسَخرْ هنا عنصرين مهمين من عناصر الجمال في كلمة واحدة وهما ( الحركة ) والنقيض وفي ذلك اثر مهول على ذهن المتلقي.
ونجده يدخل إلى لوحته مزيدا من الألوان (الأبيض) وهو يذكره بصورة مباشرة مرة واحده عندما يتحدث عن فيلم أربعيني ( بالأبيض والأسود ) و هو هنا يسخر النقائض أيضا فيرمي عصفورين في حجر واحد كما يقال فيكون للعبارة وقع مكثف بدرجة التكثيف في النص.

ولكنه يستحضر اللون الأبيض بصورة غير مباشرة من خلال ذكره كلمات توحي وترتبط ذهنيا بشكل وثيق باللون الأبيض مثل ( البيض، والجبن، والحليب، ثم الحليب مرة أخرى، والسكر). كما انه يذكر اللون الأحمر بنفس الأسلوب حينما يذكر ( ألشطه، والشاي ).

ونجد القاص في هذه الفقرة أيضا يكرر كلمات لها علاقة بالمشاعر والأحاسيس مرة بصورة مباشرة مثل ( اشعر بالخجل، و أحب) ومرة أخرى بصورة غير مباشرة حين يذكر كلمات لها علاقة بحاسة الذوق مثل ( شطة، وسكر، و ارتشف) وهو ما يجعل للنص وقع إضافي مهول على مشاعر المتلقي.

وفي هذه الفقرة نجد أن القاص قد ادخل شخصية ثانوية جديدة، وهي شخصية السفرجي في المطعم، وهي الشخصية الثالثة في القصة، وواضح أنها هذه الشخصية قد سخرها القاص لاستكمال رسم صورة بطل القصة، والتي هي الشخصية الرئيسية في النص، وذلك ما يشير إلى دراية الكاتب بفنيات الكتابة القصصية المؤثرة...فقد محور قصته حول شخصية محورية واحدة أتقن القاص وصف حالته النفسية، وكأنه طبيب نفسي يكتب تقرير وصفي عن حالة البطل النفسية، ويضمن ذلك كل جوانب ما يحب ويكره ذلك البطل.

يتبع،،