عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2016, 05:49 PM
المشاركة 50
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عكس ما ظننت ، فأبي ما علّق على رسوبي ، لكن حين اقترب الموسم الجديد أوجز بحزم ، أمامك خياران ، إمّا أن تقرأ بجدّ ، و إمّا أن تغادر بالمرّة . حقيقة كنت أفكر طوال السّنة في التخلي عن الدراسة. لكن ساعة الحسم وجدتني أقبل بالعودة إليها. لست أدري لماذا أقدمت على هذا الاختيار ، هل هو إدمان التمدرس ، هل هو الخوف من المسؤولية ، هل هو جبن مبطّن و رعب من مخالطة المجتمع ، هل هو خذلان لطموح الذات في الاستقلال ، هل هو رضوخ للمجتمع ، هل هو الخوف من المجهول ، هل هو التعقل ، لابد في هذا القرار شيء من ذلك كله.
في اليوم الأول صدّني مسؤولو دار الطالب عن التسجيل ، لماذا ؟ يجيبني المقتصد ، هذا قرار السيد المدير ، لحقت بأبي في السوق ، سألني عن سير الأمور ، أعلمته بالمستجدّ فردّ بعد أن تنهّد بعمق :" هل رأيت المدير ؟ " لم يلتحق بعد بالإدارة ، حزم همّته و قال : " هيّا سنرى ما يمكننا فعله " ما إن وصلنا إلى البناية و بدأ أبي يستفسر عن أسباب الرفض إذ بالمدير آت . "ماذا عندك ؟ " نطقها المدير بكثير من الجرأة ، تفضّل أبي ملطّفا حديثه ، أريد أن أسجل ولدي هذا ، تدخّل المقتصد شارحا الحالة ، غمغم المدير : " إذن أنت منهم ، هيّا معي إلى الإدارة " هناك أخرج ملفّي ، وبدأ يشرح : "انظر ولدك هذا ، في الدورة الأولى نتائجه مقبولة ، في الدورة الثانية بداية التقهقر، لكن هنا في الثالثة يتسلقط الصعلوك ، هنا يسرق الشفار ، هنا يعتدي على هيبة المؤسسة ، لا أريد أن أرى شخصا بهذه المواصفات في هذه المؤسسة ." حاول أبي استعطافه ، لكن المدير خرج من الإدارة و من البناية .
في طريقنا إلى السوق ، كادت عينا أبي تدمعان : " هذه آخرتها يا نورالدّين ، أن تكون لصّا ، زنديقا ، متصعلكا ، ماذا اقترفت في دنياي يا إلهي ." أبي لا تصدّق هذا إنه يكذب ، لم أسرق يوما ، و لست كما يقول ، إنها تصفية حسابات ، فقط كان يريد أن يغلق دار الطالب عند نهاية السنة الماضية ، و وقف في وجهه طلبة الثانوي ، وأرغموه على استمرار تقديم خدماتها حتى تنتهي الامتحانات . إنه ظلوم يا أبي ، لا تصدقه ." أبي لا يصدّقني ، لأن القرينة مع المدير ، النتيجة كانت تقول هذا سلقوط في نهاية الموسم بعدما كان مقبولا في بدايته .
اشترى أبي بضائعه و آن وقت عودته إلى الدّيار ، سألني : " ماذا ستفعل الآن ؟" طمأنته : " سأجد حلاّ ، أنا أعرف هؤلاء يا أبي ." في السوق التقيت واحدا من رفاقي في تغزوت ، في الحقيقة كان عند أقربائه في تغزوت ، دواره أيضا بعيد عن تالوين ، لا أزال أتذكر عندما يتوجه نحو السّبورة عند المعلّمة ، يقرأ ، مع قراة كل حرف يعود إلى وجه المعلّمة لكأنه يريد أن يستوثق ممّا قرأه، تشجعه المعلمة " حسن جدّا" يعيد "حسن جدّا" ننفجر ضحكا ، تنهرنا المعلمة ، حسنا يا صاحبي : "ماذا لديك؟" تبادلنا أطراف الحديث و أوينا إلى بيت اقتناه جدّه في "تابيا "، منزل قديم ، فيه غرفتان ، منزل بحاجة إلى الإصلاح ، لكن غرفة واحدة كافية ، اقترح عليّ محمد أن نتعاشر هذه السّنة ، و كل شيء سيكون على ما يرام ، في الغرفة الأخرى أثار انتباهي كيس مليء تبنا يتدلى من سقفها ، " ما هذا يا محمد؟" ألا ترى ؟ وضع لكمة في وسط الكيس فارتطم بالسقف وبعض دقائق القشّ المتطايرة تهوي على رؤوسنا . " أعرفت الآن ، أنا أتدرّب على الكاراتيه ، هذه أيضا سلسلتي ، سلسة بروسلي " قام بحركات بهلوانية فابتعدت خشية أن يطير بأنفي، سمعت دقّا على الباب ، بنات الجيران : " كنّا بالقرب فسمعنا حديثكما ، من المليح ؟ " هذا أعز أصدقائي ، نورالدين ، سيسكن معي ، مرحبا بك نورالدين ، إن اجتجت أي شيء فنحن بالقرب." عند ذهابهن أوقدت سيجارة ، محمد يؤكد : "ستستمتع هذه السنة ، لكن سر بالمهل ، يجب أن تتخلّص من هذا التدخين ، مارس الرياضة مثلي ، انظر ، يركل الهواء باليمنى باليسرى ، يكاد يسقط ، يلتئم ، يطلق صيحة ، وأنا أطلق الدّخان في السّماء ، يكاد الضحك يغلبني ، و أحيانا ، يدور في رأسي أن أعطيه لكمة حقيقية ، لكنه قريب إلى نفسي و لو أن طبيعتينا متباعدتان .