عرض مشاركة واحدة
قديم 06-19-2016, 06:56 PM
المشاركة 42
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في الملت لم تتعلق نفسي إلا بها ، صنم متحجر ، عادت من المدينة يوم سلبت فؤادي ، تصفيفة شعرها ، رشاقتها ، بريق سمرة خفيفة يشعّ من بشرتها، لمَ تعاملينني هكذا يا صبيّة ؟ قد أجلس بجانبها ساعة أو أكثر أغير في إيقاعات الكلام دون أن تنبس ببنت شفة ، ما قتلتني و ما أحيتني ، ما ردّت يوما أنها تقبلني و ما رفضتني ، عجيبة تلك القدرة ، عيناها مطأطأتان ، إمّا تصبّن الملابس عند السّاقية قرب بيتها ، أو تحشّ العشب الأخضر ، يا بنت الناس قولي بربك شيئا ، كذب من ادّعى أن القلب لا يحبّ إلا مرّة ، و كذب من قال أن حبّان لا يجتمعان في قلب واحد ، مجرّد هراء ، أو تعبير عن أنانية ، أو محاولة لمحاصرة الحبّ و جعله عاقلا ، يستأذنك إن كنت متفرغا له أو لا ، ستبقين في الذاكرة يا سلوتي ، و لو أنك معاندة ماهرة ، كما ستبقى لؤلؤة هي كل دنياي ، حقيقة اشتقت إليها كثيرا ، هل هي أيضا في انتظاري ، ترى لؤلؤة تعرف حقّا أنني غارق في حياضها ، مبتهل في رحابها ، لا يمكن أن لا تعرف ، هي الأنثى تحس دبيب النمل ، لا يمكن أن لا تفقه في وجهي ما يحمله ، لا يعقل أن لا تحس بما يجري ، أكان من حظي، أن لا تفهمني النساء ، يا سلوتي ، لماذا لا تقولين شيئا ، ينسيني هزيمتي أمامها ، أنت لا تعريفين لؤلؤة ، لولا أنّي أخاف عليك من الغيرة لحدّثتك عنها ، لقلت لك أنها ملك ، أنها فلق الفجر ، أنها قطرة ندى صافية ، أنها ابتسامة وردة ، أنها وأنها ، يا سلوتي ألا تردّين عليّ ، إن القلب يحكي والعين مكابرة على دمع فيها قد يتساقط أنهارا ، يا سلوتي ، لن أملّ ، إن لم يكن اليوم فغدا و إن لم يكن هذا العام فذاك ، ما تعلمت الاستسلام قطّ ، و ما كانت حياتي يوما سهلة ، لأنتظر الحب فيها يكون بسيطا .
عدنا إلى هناك ، كان حب الشباب يغزو وجهي ، يضايقني ، أفقسه بكماشة أبهامي وسبّابتي ، لا أريده أن يعكر ملاحتي ، لا أريد للؤلؤة أن تراني إلا مليحا ، كل يوم عيوني متعلقة بها ، لا أستطيع أن أحدّثها بالأمر ، لا أقوى على مواجهتها ، أحس نفسي عاجزا كلّما رأيتها ، هل الحبّ نوعان ، حب يدفعك إلى الاقدام ، وحب يزرع فيك اليأس ، تراني كتب عليّ هذا العذاب لوحدي ، الكثير من أصدقائي ، ما أحبّوا ، أو على الأقل ما ظهرت عليهم علاماته ، تراني أنا وحدي من يستحق لعنته ، غير معقول أن ينهزم نورالدين ، نورالدين كلّه ينهزم ، من سيهزمه ؟ امرأة ! يا للرجولة ، يا لهوانك يا نورالدين . سأقاوم ، أتركها لحالها أو أصارحها بما يدور في خلدي، لكن أين ؟ هن لا يفارقنها ، ألا تتركنها للحظة تستنشق عبير الحياة ، إن كنتن ثلاثا فكيف لي أن أحدّثها ، أنا لن أحدّثها حديثا عابرا ، لن أسألها عن الموادّ الدراسية ، لن أسألها عن أختها و أمها ، لن أحدثها عن برودة الطّقس ، أنت واهمة يا لؤلؤة إن ظننت أنّني أريد أن يستمع مخلوق لما دار بيننا من حديث ، لوحدك سأقول ، لك وحدك ، لكن أين و السؤال الأعظم هو متى ، متى سأكون مستعدّا وقد مضى عام على هذه الحال ، قد ألعب قد أمرح ، قد و قد ، لكن لا ، لا تنخدعي ، فأنا كئيب جدّا .
لحسن هو جليسي مرة أخرى ، السنة الأخيرة في الإعدادي ، طباعي لا تتغيير ، أنا هو أنا ، فقط أستاذ اللغة الفرنسية لا يحبّني ، رجل جادّ جدّا ، لا أخفيكم أنّني أفهم كل ما يقوله وكل ما يشرحه ، فتركيزي ليس ضعيفا ، لكن ذلك الربط العام ، والتموضع ضمن الإطار اللغوي هو ما ينقصني ، فالمعلومة تبقى مستقلة في ذهني ، لا يربطها رابط بأخرى ، لذا يصعب استرجاع ما يحتويه ذهني من المعلومات ، الموسيو لا يخاطبني باسمي أبدا فقط يقول "زميل لحسن" ، يا أستاذي ، إن أبي ذبح عقيقة عندما سمّاني نورالدّين ، لا يهمّ ، أحفظ أم لا ، مجتهد أو كسول ، قويّ أو ضعيف ، لا تنتظر منّي أن أستعطفك ، اضرب بكلّ قوتك ، أعطيني اثنان ، ثلاثة ، قف عند الصفر إن كان هذا يريحك ، لكن لا أحب الإهانة ، لا تجعلني أكرهك ، و لا تدفع بي إلى عوالم أنا قريب منها ، لا تحرق أعصابي ، فأنا محروق حتّى النخاع .
لحسن حقيقة يتقن الفرنسية ، وهناك من يتقنها أكثر منه بمراحل في القسم ، ربما قد أكون أضعف تلميذ في القسم ، و الفرنسية مادّة أساسية ، قطب كبير توازي العربية ، كما توازي الرياضيات أيضا ، ربما أنا لا أحفظ دروسي كما الآخرين ، ربما طباعي الخجولة تزداد حدّة ، لكن هذا كله لا يصوّغ لك الإهانة ، فهذا كله شيء و الإهانة شيء آخر . طربت روحي أيّما طرب عندما جاءنا يوما غضوبا ، على غير عادته ، فهو في الغالب هادئ وهادئ جدّا ، و لا أحد ينكر أنه من أحسن الأساتذة الذين تتلمدت على يدهم . ما الذي أغضبك يا أستاذ ، أغضبتك الحقيقة ، ماكنت تتوقع ذلك ، رضا الرتبة الاولى ، رضوان الرتبة الثانية ، نورالدين الرتبة الثالثة ، كلهم لم يحصلوا على المعدل في اللغة الفرنسية ، أين هؤلاء الأشاوس الذين بهم تتباهى كلّ يوم ، بالكاد حصّلوا على المعدّل أو أنهم ما شموه إطلاقا ، تواضع يا رجل ، فالفرنسية هي من لا تريدني ، ومن اليوم سأطلّقها طلاق الثلاث .