عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-2019, 02:44 AM
المشاركة 2
إمتنان محمود
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الفصل الأخير
68-ليف

ليس بعيدا جدا, فى مركز احتجاز فدرالى شديد الحراسة, ليف جيديديا كالدر يكمن فى زنزانه مصممه خصيصا لاحتياجاته الخاصه.

الزنزانه مبطنه, ويوجد باب فولاذى مانع للانفجار سمكه ثلاث إنشات. درجه حراره الغرفه مبقيه دائما على خمسه وأربعين درجه فهرنهايت لمنع حراره جسم ليف من الارتفاع.
ليف ليس بردانا, مع هذا .. فى الواقع هو حران.
هو حران لأنه ملفوف بطبقه تلو الأخرى من العوازل المقاومه للنار.. يبدو كمومياء, معلق فى منتصف الهواء.. لكن على عكس المومياوات, يداه ليست مثنيه على صدره, هما ممسوكان من كل جانب ومثبتان بعارضه كبيرة حتى لا يقدر على جلب يده قريبا من بعضهم.

كما يرى ليف الأمر, فهم لم يعرفوا هل يصلبوه أم يحنطوه, لذا فعلوا الأمرين. بتلك الطريقه لا يستطيع التصفيق, لا يستطيع الوقوع, لا يستطيع تفجير نفسه دون قصد.. وإن فعل لسبب ما, فالزنزانه مصممه لتحتمل الانفجار.!

لقد نقلوا له الدم أربع مرات. يرفضوا إخباره كم مره أخرى سيحتاج حتى تخرج المواد المفجره من نظامه.. يرفضوا إخباره أى شئ.

العملاء الفيدرواليون اللذين يزورونه مهتمون فقط بما يمكنه إخبارهم به.

عينوا له محامى, الذى يتحدث عن الجنون كأنه شئ جيد.. يظل ليف يخبره أنه ليس مجنون, بالرغم من أنه ليس متأكد بعد الآن.

باب زنزانته يُفتح. ويتوقع تحقيق آخر, لكن زائره هو شخص جديد. يأخذ ليف لحظه ليعرفه.. عامه لأنه لا يلبس زى الكاهن المتواضع ,يرتدى جينز وقميص مخطط بأزرار.
“صباح الخير يا ليف.”
“القس دان؟”

ينرزع الباب منغلقا وراءه, لكنه لا يصدى. فالجدران الناعمه تمتص الصوت.

يفرك القس دان ذراعيه من البرد. كان يجب عليهم إعلامه بإحضار معطف.
“هل يعاملوك بشكل جيد؟” يسأل,
“أجل” يقول ليف,” الشئ الجيد حول كونك متفجرا هو أن لا أحد بإمكانه ضربك.”
يقدم القس دان ضحكه متكلفه, ثم تسيطر الغرابه على الأجواء.. يجبر نفسه على النظر لعينى ليف:”أنا أفهم أنهم سيبقوك مربوط هكذا لعده أسابيع, حتى تخرج من الأحراش.”
يتسائل ليف أى الأحراش يقصد بالتحديد.
بالتأكيد فحياته الآن ستكون غابة مظلمه داخل أخرى, داخل أخرى.
ليف لا يعرف حتى لماذا القس هنا, أو ماذا يحاول أن يثبت, هل على ليف أن يسعد لرؤيته, أم هل عليه الغضب؟ هذا هو الرجل الذى أخبره دائما أن العشور كان شئ مقدس منذ كان طفلا صغيرا.. ومن ثم أخبره أن يهرب منه.
هل القس دان هنا لتذكيره؟ لتهنئته؟ هل أرسله والدى ليف لأنه خطير للغايه الآن أن يأتوا بأنفسهم؟ أو ربما ليف على وشك أن يتم إعدامه وهو هنا لإعطاء الطقوس الأخيرة.
“لماذا فقط لا تنتهى من الأمر؟” يقول ليف.
“أنتهى من ماذا؟”
“أيا كان ما جئت لتفعله, افعله ..واذهب.”
لايوجد كراسى فى الغرفة, لذا يستند القس دان على الحائط المبطن:”ما مقدار ما أخبروك حول ما يحدث بالخارج؟”
“كل ما أعرفه هو ما يحدث بالداخل. الذى ليس بالكثير.”
يتنهد القس دان, ويفرك عينيه, ويأخذ وقته ليفكر من أين يبدأ:” أول كل شئ, هل تعرف فتى باسم سايرس فينش؟”
بذكر اسمه يبدأ ليف بالهلع. عرف ليف أنهم سيتحققون من خلفيته وسيتحققون مجددا. هذا ما يحدث للمصفقون.. حياتهم بأسرها تصبح صفحات ملصوقه على حائط يتم مراجعتها, والناس فى حياتهم يصبحوا مشتبهين. بالطبع, يحدث هذا عاده بعدما يصفق المصفق لطريقه للعالم الآخر.
“سايفى ليس لديه أى دخل بهذا!” يقول ليف,:”لاشئ على الإطلاق, لا يمكنهم سحبه لهذا!”
“اهدأ,هو بخير. لقد فقط حدث أنه تقدم ويصنع ضجه كبيرة.. وبما أنه يعرفك, فالناس تستمع.”
“ضجه حولى؟”
“حول التفكيك” يقول القس دان, ويتحرك أقرب للمره الأولى من ليف:” ماحدث فى مخيم حصاد هابى جاك.. جعل العديد من الناس يتحدثون, الناس اللذين كانوا يدفنون رؤوسهم بالرمال.. اندلعت احتجاجات فى واشنطن ضد التفكيك.. حتى سايرس قد شهد أمام الكونجرس.”

يحاول ليف أن يتخيل سايفى أمام لجنه الكونجرس, يحدثهم بلهجه متبجحه فى مسرحيه هزليه أومبريه تعود لقبل الحرب.. فكره الأمر تجعل ليف يبتسم. إنها المره الأولى الذى ابتسم فيها منذ وقت طويل.

“يوجد كلام أنهم ربما يخفضون السن القانونى للبلوغ من الثامنه عشر للسابعه عشر. هذا سينقذ خُمس الأولاد المحددون للتفكيك.”
“هذا جيد,” يقول ليف.
يضع القس يده فى جيبه ويسحب قطعه ورق مطويه, لم أكن سأريك هذا, لكن أعتقد أنك تحتاج لرؤيته. أعتقد أنك تحتاج أن تفهم أين وصلت الأمور.”
إنه غلاف مجله,
عليه ليف.
ليس فقط عليه, بل هو الغلاف. إنها صورته من الصف السابع فى فريق البايسبول..القفاز فى يد, ويبتسم للكاميرا,والعنوان يقول:
(لماذا, يا ليف, لماذا؟)

فى كل الوقت الذى كان هنا وحده ليفكر ويفكر فى أفعاله, لم يخطر له قط أن العالم الخارجى كان يفعل الشئ ذاته. هو لا يريد الاهتمام, لكن الآن كما يبدو هو على لسان العالم.
“كنت على أغلفه كل المجلات تقريبا,”
هو لم يحتاج لمعرفه ذلك. يأمل أن القس دان لا يملك مجموعه منهم فى جيبه,”إذا ماذا؟” يقول ليف, محاولا التصرف كما لو الأمر لا يهم,” المصفقون دائما يصلوا للأخبار.”
“أفعالهم تصل للأخبار.. الدمار الذى خلفوه.. لكن لا أحد يهتم أبدا بمن كان المصفق. للعامه فكل المصفقون سواسيه. لكنك مختلف عنهم يا ليف. فأنت المصفق الذى لم يصفق.”
“لقد أردت,”
“لو أردتها لفعلتها. لكن بدلا عن ذلك أنت ركضت نحو الحطام وسحبت أربعه أشخاص,”
“ثلاثه.”
“ثلاثه.. لكنك كنت ستكمل لو استطعت. الأعشار الآخرون, جميعهم ظلوا بالخلف. حموا أعضائهم الثمينه. لكن أنت حقيقه قدت جهود الإنقاذ, لأنه وُجد فظاع قد لحقوا بك لإخراج الناجون.”

يتذكر ليف هذا, حتى بينما كانت العصابه تجتاح البوابات, كان يوجد عشرات المتفككون يرجعون نحو الحطام معه, والقس دان على حق.. كان سيستمر ليف فى الدخول, لكن خطر له أن حركه واحده خاطئه كفيله بإشعاله وتدمير بقيه التشوب شوب حولهم. لذا رجع للسجاده الحمراء وجلس بجوار ريسا وكونر حتى أخذتهم الإسعاف. ثم وقف فى منتصف الفوضى واعترف بكونه مصفق.
اعترف مرارا وتكرارا لأى شخص يسمع, حتى عرض شرطى أخيرا برفق أن يعتقله. كان الشرطى خائف حتى من تكبيل ليف رعبا من أن يُفجره, لكن كان لا بأس.. لم يكن فى نيته مقاومه الاعتقال.

“ما فعلته يا ليف.. أربك الناس. لا يعرف أحد ما إن كنت وحش أم بطل.”
يفكر ليف حول هذا:” هل يوجد خيار ثالث.”
لا يجيبه القس, ربما لا يعلم الإجابه:”على أن أصدق أن الأشياء تحدث لسبب. اختطافك ,وتحولك لمصفق, ورفضك للتصفيق.” ينظر لغلاف المجله بيده,”كله أدى لهذا.. لسنوات , كان التفكيك فقط أولاد دون أوجه لا يريدهم أحد.. لكن الآن لقد وضعت وجه على التفكيك.”
“هل بإمكانهم وضع وجهى على شئ آخر؟”
يبتسم القس مجددا, وتلك المره ليست مصطنعه كالسابقه.

ينظر لليف كما لو أنه مجرد فتى, وليس شيئا غير بشرى. يجعله يشعر, ولو للحظه كفتى طبيعى فى الثالثه عشر. إنه شعور غريب, لأنه حتى فى حياته القديمه لم يكن أبدا فتى طبيعيا. الأعشار لا يكونوا أبدا هكذا.
“إذا ماذا يحدث الآن.” يسأل ليف.
“كما أفهم, سيزيلوا أسوأ المواد المتفجره من دمائك فى عده أسابيع. ستظل عرضه للخطر ,لكن ليس بالسوء السابق. بإمكانك التصفيق كما أردت ولن تنفجر.. لكنى لن ألعب رياضات احتكاكيه لفترة.”
“ومن ثم سيفككونى؟”
يهز القس رأسه:” لن يفككوا مصفق.. تلك المواد لا تغادر نظامك كليا أبدا. كنت أكلم محاميك, لديه إحساس أنهم سيعرضون عليك صفقه.. بعد كلٍ فأنت ساعدتهم بالفعل لإمساك الجماعه التى نقلت لدمك المتفجرات. هؤلاء الناس اللذين استخدموك .. سينالوا ما يستحقون. لكن المحاكمات ستراك على الأرجح كضحية.”
“كنت أعرف ما أفعل,” يخبره ليف
“إذا اخبرنى لماذا فعلت هذا.”

يفتح ليف فمه ليتكلم لكنه ليس بإمكانه صياغته فى كلمات.
الغضب, الخيانه, الحنق من العالم الذى يدعى أنه عادل ومنصف.
لكن هل كان هذا حقا سبب؟ هل ذاك مبرر؟

“قد تكون مسئول عن أفعالك” يقول القس دان:” لكنه ليس خطأك أنك لم تكن مستعد نفسيا للحياه خارجا فى العالم الحقيقى. هذا كان خطأى.. وخطأ كل واحد رباك لتصبح عشر. نحن مذنبون وهؤلاء من ضخوا السم فى دمك بنفس القدر.” وينظر بعيدا فى خزى, يكبح غضبه النامى, لكن ليف يرى أنه ليس غضب موجه له.
يأخذ نفس عميق ويُكمل:”كما يبدو الوضع ,فأنت ستبقى بضع سنين فى سجن الأحداث على الأرجح, ثم عده سنون أخرى فى إقامه منزليه جبرية.”
يعرف ليف أن عليه أن يرتاح لهذا, لكن الشعور يأتى ببطئ. يفكر فى الإقامه الجبريةويسأل:” منزل من؟”
بإمكانه معرفه أن القس دان يقرأ كل شئ بين سطور هذا السؤال:” عليك أن تفهم يا ليف , والديك هم من النوع الذى لا ينثنى دون أن ينكسر.”
“منزل من؟”
يتنهد القس دان:” حين وقع والديك أمر التفكيك, أصبحت تابعا للولايه. وبعد ما حدث فى مخيم الحصاد, عرضت الولايه أن تعيد حضانتك لوالديك, لكنهم رفضوا .. أنا آسف.”
ليف ليس متفاجئ .. هو مذعور, لكن ليس متفاجئ. الأفكار عن والديه تجلب المشاعر القديمه التى أوصلته للجنون الكافى ليصبح مصفق.
لكن الآن يجد أن ذاك الشعور باليأس ليس عديم الجذور بعد الآن:” إذا اسمى الأخير الآن هو وارد؟”
“ليس بالضرورة. أخوك ماركوس قدم عريضه للوصاية. لو حصل عليها, ستكون فى رعايته حينما يتركوك تذهب. لذا ستظل كالدر.. هذا, لو أردت.”
يومئ ليف بموافقته, متذكرا حفله عشورة وكيف كان ماركوس الوحيد الذى وقف بجانبه. لم يفهم ليف الأمر فى ذلك الوقت:” والداى نبذا ماركوس أيضا” .. على الأقل هو يعرف أنه سيكون بصحبه جيدة.

يسوى القس دان قميصه ويرتجف قليلا من البرد. لا يبدو كنفسه حقا اليوم. فتلك هى المره الأولى التى يراه فيها ليف بدون ملابسه الكهنوتيه:” لماذا ترتدى كذلك على أيه حال؟”
يأخذ دقيقه قبل أن يجيب:” لقد استقلت من منصبى. تركت الكنيسة.”
فكره كون القس دان أى شئ سوى (القس دان) ترمى ليف فى دوامه:”أنت... أنت فقدت إيمانك؟”
“لا,” يقول :”فقط قناعاتى. لقد مازلت أؤمن بالرب بشدة.. فقط ليس برب يغفر العشور الإنسانى.”

يجد ليف نفسه مختنقا بفيضان من المشاعر الغير متوقعه, كل المشاعر التى تراكمت بداخله خلال حديثهما .. خلال الأسابيع.. وصلت مع بعضها, كقنبله صوتيه:” لم أعرف قط أن هذا كان اختيار.”

طوال حياته, وُجد شئ واحد فقط كان على ليف تصديقه. لقد أحاطه, شرنقه, قيده بنفس النعومه الخانقه كالطبقات العازله حوله الآن.
للمره الأولى فى حياته, يشعر ليف بالقيود التى تحاوط روحه تبدأ فى الارتخاء.
:”أتعتقد أن بإمكانى الإيمان بهذا الرب أيضا؟”
___________________________________
69- متفككون

يوجد مزرعة متراميه الأطراف فى غرب تكساس.
المال الذى بناها أتى من البترول الذى نضب منذ أمد, لكن المال بقى و تضاعف. الآن, فيوجد مجمع متكامل, بحيرة, خضراء كخضرة ملعب الجولف فى منتصف السهول الجامحه المنبسطه. هنا حيث نشأ هارلن دانفى حتى سن السادسه عشر, متعثرا بالمشاكل فى طريقه.
تم اعتقاله للسلوك الشائن مرتين فى أوديسا, لكن والده, أدميرال مهم, أخرجه فى المرتين. أما المره الثالثه, فوالديه أتيا بحل آخر.

اليوم هو عيد ميلاد هارلن دانفى السادس والعشرون.وهو يحظى بحفلة.. من نوع ما.

يوجد مئات الضيوف فى حفله هارلن. أحدهم هو فتى اسمه زاكارى, مع أن أصدقائه يعرفونه باسم إمبى. كان يعيش هنا بالمزرعه منذ بعض الوقت الآن, منتظرا هذا اليوم.
هو يمتلك رئه هارلن اليمنى.
اليوم, هو يعيدها لهارلن.

***

فى نفس الوقت, على بعد ست مائه ميل غربا, تهبط طائره عريضه الهيكل فى مقبرة للطائرات.
الطائرة مليئه بالصناديق, وكل صندوق يحوى أربعه متفككين.
بينما تُفتح الصناديق, يختلس فتى مراهق النظر من خارج أحدها, ليس متأكدا مما يتوقع. يجد ضوء كشاف يقابله, وحين ينخفض الضوء يجد أنه ليس بالغ من فتح الصندوق, لكنه فتى آخر. يرتدى ملابس كاكيه ويبتسم لهم, مظهرا دعامات على مجموعه من الأسنان التى لا تبدو بحاجتها:” مرحبا, اسمى هايدن وسأكون منقذكم لليوم” يُعلن:” هل كل شخص سليم ومعافى هنا؟”
“نحن بخير,”يقول المتفكك الصغير:”أين نحن؟”
“المطهر*” يقول هايدن:” يُعرف أيضا كآيرزونا.”
يخطو المتفكك الصغير خارج الصندوق, مرعوبا مما يمكن أن يكون فى انتظاره.و يقف فى موكب الأولاد اللذين يتم تجميعهم, و ضد تحذير هايدن, يخبط برأسه عرض باب المستودع بينما يخرج.

ضوء النهار الساطع والحرارة اللاذعه تهجم عليه بينما ينزل سلم الطائرة نحو الأرض. بإمكانه القول أن هذا ليس مطارا,ومع ذلك فيوجد طائرات فى كل مكان.

على بعد, عربه جولف تسير نحوهم, مخلفه دخان أحمر. يصمت الحشد بينما تقترب. وبينما تتوقف, يترجل السائق, هو رجل بندبه سيئه عبر نصف وجهه.
يتكلم الرجل بهدوء للحظه مع هايدن, ثم يتوجه للحشد.
حينها يُدرك المتفكك الصغير أن هذا ليس رجل بل فقط فتى آخر, واحد ليس أكبر بكثير منه هو. ربما هى تلك الندبه على وجهه التى جعلته يبدو أكبر .. أو ربما هى الطريقه التى يتصرف بها.

“دعونى أكون أول من يرحب بكم فى المقبرة” يقول:” رسميا, اسمى هو إى روبرت ميلارد...” ويبتسم ..,” لكن الجميع يدعوننى كونر”

***

الأدميرال لم يرجع قط للمقبرة, فصحته لن تسمح بذلك. بدلا عن ذلك, فهو فى مزرعه عائلته فى تكساس, فى رعايه زوجته التى تركته منذ سنوات.
بالرغم من ضعفه وعدم قدرته على السفر بعد الآن, فهو لم يتغير كثيرا.
“يقول الأطباء أن 25% فقط من قلبى مازال حيا,” يقول لكل من يسأل:” سيفى هذا بالغرض.”

ما أبقاه حيا أكثر من أى شئ آخر هو تصور حفله هارلن الكبرى. بإمكانك قول أن تلك القصص المرعبه حول (هامفرى دانفى) حقيقية. ففى النهاية, كل أجزاءه تم إيجادها, كل المتلقون تم جمعهم. لكن لن يتواجد جراحون هنا.. فبالرغم من الإشاعات, فإعادة بناء هارلن جزءا تلو الآخر لم يكن أبدا الخطه. لكن عائله دانفى يضعون ابنهم سويا بالطريقه الوحيدة التى يعرفوها ذات معنى..

حتى الآن, هو هنا, بينما يدخل الأدميرال وزوجته إلى الحديقه. هو فى أصوات أجزاء الضيوف الكُثر, يتكلم ويضحك. يوجد رجال ونساء من كل الأعمار. كل يملك بطاقه اسم, لكن تلك البطاقات ليس بها أسماء. فاليوم, الأسماء غير مناسبة.
( اليد اليمنى) يُكتب على بطاقه رجل شاب. لا يمكن أن يكون أكبر من الخامسه والعشرون.
“دعنى أرى,” يقول الأدميرال.
يرفع الرجل يده, وينظر الأدميرال عبرها حتى يجد حرق بين إبهامه وسبابته :”لقد أخذت هارلن للصيد حين كان فى التاسعه. حصل على هذا الحرق فى محاولته لإخراج أحشاء سمكه تروت.”
ومن ثم يوجد صوت من خلفه.. رجل آخر. أكبر قليلا من الأول.
“أنا أذكر!” يقول. ويبتسم الأدميرال.. ربما الذكريات متفرقه, لكنهم هنا.. كل واحده منهم.

يمسك هذا الفتى المصر على تسميه نفسه إمبى ملتفا فى الأنحاء حول حافه الحديقه وحده, لاهثا بشكل أقل الآن بعد أن تم معالجته بعلاج الربو المناسب أخيرا:”ماذا تفعل هنا؟” يسأل الأدميرال,” عليك أن تكون هناك مع الأخرين.”
“أنا لا أعرف أى أحد.”
“بلى, أنت تعرف,” يقول الأدميرال.” أنت فقط لا تدرك الأمر بعد,” ويقود إمبى نحو الحشد.

***

فى تلك الأثناء, فى مقبرة الطائرات, يتحدث كونر للوافدون الجدد بينما يقفوا خارج الطائرة التى أحضرتهم لهنا.
كونر مذهول أنهم يستمعون له. هو مذهول أنه يأمرهم حقا باحترامه, هو لن يعتاد هذا أبدا.
“أنتم جميعا هنا لأن تم تحديدكم للتفكيك لكن نجحتم فى الهرب, و.. فضلا لجهود العديد من الناس, لقد وجدتم طريقكم لهنا. هذا سيكون منزلكم حتى تتموا السابعه عشر وتصبحوا بالغون قانونيا. تلك هى الأنباء الجيدة ,أما الأنباء السيئه فهى أنهم يعرفون بأمرنا. هم يعرفون أين نحن وماذا نفعل. هم يتركوننا نبقى هنا لأنهم لا يرونا كتهديد.”
ثم يبتسم كونر,:” حسنا .. نحن سوف نغير ذلك.”

وبينما يتكلم كونر, ينظر لكل واحد منهم, حريصا على تذكر جميع أوجههم. متأكدا أن يشعر جميعهم بالاعتراف و التميز .. والأهميه.
“البعض منكم قد مر بالكثير ويريد فقط النجاه للسابعه عشر,” يخبرهم:” أنا لا ألومكم, لكنى أعرف أن بعضا منكم مستعد للمخاطره بكل شئ لإنهاء التفكيك مره وللأبد.”
“صحيح” يصرخ فتى فى الخلف, رافعا قبضته فى الهواء ويبدا بالهتاف:” هابى جاك! هابى جاك!” ينضم بضعه أولاد, حتى يدرك الجميع أن هذا ليس ما يريده كونر. والهتافات سرعان ما تخفت.
“نحن لن نفجر التشوب شوب” يقول:” نحن لن ندعم صورتهم عنا كأولاد عنيفون من المفضل أن يتم تفكيكهم. نحن سنفكر قبل أن نتصرف.. وهذا سيجعل الأمر صعب بالنسبه لهم. سنتسلل لمخيمات الحصاد و سنوحد المتفككين عبر البلد. سوف نحرر الأولاد من الحافلات , قبل حتى وصولهم. سيكون لنا صوت, وسوف نستخدمه, سوف نجعل صوتنا مسموعا.”

الآن ليس بإمكان الجمهور كبت هتافاته, وتلك المره يسمح لهم كونر. فهؤلاء الأولاد هزمتهم الحياة, لكن يوجد الآن طاقه فى المقبرة تبدأ بملئ كل واحد فيهم. يتذكر كونر هذا الشعور. الذى امتلكه أول ما وصل هنا.
“أنا لا أعرف ما يحدث لوعينا حين نتفكك” يقول كونر,” أنا لا أعرف حتى أين يبدأ هذا الوعى, لكنى أعرف هذا,” ويتوقف ليتأكد ان الجميع يسمعه:” لدينا حق فى حياتنا!”
ويفقد الأولاد أعصابهم.
“لدينا الحق فى اختيار ما يحدث لأجسامنا.”
تصل الهتافات الذروة..
“نحن نستحق عالم حيث تكون فيه تلك الأشياء ممكنه... وهى مهمتنا أن نساعد فى صنع هذا العالم.”

***

فى تلك الأثناء, تتراكم أيضا الحماسه فى مزرعه دانفى. ضوضاء المحادثات حول الحديقه تنموا لجعجعه بينما يتواصل العديد و العديد من الناس.
يشارك إمبى تجربته مع فتاه تمتلك النظير الأيسر لرئته اليمنى.
تتكلم امرأه عن فيلم لم تشاهده من قبل, مع رجل يتذكر الأصدقاء اللذين لم ير الفيلم معهم.
وبينما يشاهد الأدميرال وزوجته, يحدث شئ مذهل.
تبدأ المحادثات فى التلاقى!
كبخار ماء يتبلور فى شكل مميز رائع لندفه ثلج, ثرثرة الأصوات تلتحم فى محادثه وحيدة.
“انظروا هناك! لقد وقع من هذا الجدار حين كان فى...”
“السادسه! نعم.. أنا أتذكر!”
“توجب عليه ارتداء دعامه معصم لشهور.”
“المعصم مازال يؤلم حينما تمطر.”
ما كان يجب أن يتسلق ذاك الجدار.”
“كان على ذلك... كنت مُطارد من قبل ثور.”
“كنت خائفا للغايه!”
“الزهور فى ذاك الحقل.. هل تشمونها؟”
“يذكرونى بهذا الصيف....”
“.. حين لم يكن الربو بهذا السوء...”
“.. وشعرت أن بإمكانى فعل أى شئ.”
“أى شئ!”
“و العالم كان فقط بانتظارى!”

يمسك الأدميرال بيد زوجته. ليس بإمكانهم كبت دموعهم.. ليست دموع الأسى, لكن دموع الروعه. فلو بقيه قلبه سيتوقف الآن, فى تلك اللحظه .. فالأدميرال سيموت وهو راضٍ أكثر من أى رجل على الأرض.

ينظر للحشد ويقول فى ضعف:” ه...هارلن.”
كل عين فى الحديقه تلتفت له. يرفع رجل يد الأدميرال لحلقه, لامسه بخفه, ويقول بصوت ينتمى بالتأكيد لهارلن دانفى, لكن أكبر قليلا:” أبى؟”
الأدميرال مجتاح بالمشاعر فلا يقدر على الكلام, وبهذا زوجته تنظر للرجل أمامها و الناس بجانبها, وعلى الحشد كله حولها وتقول,:”مرحبا بك فى المنزل.”

***
على بعد ست مائه ميل, فى مقبرة الطائرات, تعزف فتاه على بيانو ضخم محمى تحت جناح طائرة مقصوفه كانت فى مره طائره رئاسية.
تعزف ببهجه نادرة فى استخفاف بكرسيها المتحرك, ولحنها يرفع أرواح كل الواصلون الجدد. تبتسم لهم بينما يسيروا وتكمل عزفها, موضحه أن بوتقه هذا المكان , الملئ بالطائرات التى لا تقدر على الطيران, هو أكثر مما يبدوا عليه.

هو رحم الخلاص لكل متفكك, ولكل هؤلاء من قاتلوا فى حرب هيرتلاند وخسروا... أى للجميع

يترك كونر موسيقى ريسا تملأه بينما يشاهد الوافدون الجدد يستقبلوا تحيه الآلاف من الأولاد الموجودون هنا بالفعل. بدأت الشمس فى الغروب, مخففه وطأه الحرارة, وصفوف الطائرات فى هذا الوقت من اليوم تصنع أنماط جميله من الظلال على الأرض الصلبة.

يتوجب على كونر الابتسام. فحتى مكان بقسوه هذا المكان بإمكانه أن يكون جميلا فى ضوء معين.
يستوعب كونر كل شئ.. الموسيقى..الأصوات..الصحراء..السماء.

لقد تم تحديد مهنته له, تغيير العالم وكل هذا, لكن الأشياء تتحرك بالفعل, كل ما عليه فعله هو الإبقاء على السرعه و الاتجاة.
وهو ليس عليه فعل هذا وحده. هو لديه ريسا وهايدن و كل متفكك هنا.
يأخذ كونر نفسا عميقا ويحرره مع توتره.

فأخيرا, يسمح لنفسه بالرفاهيه الرائعة المصاحبه للأمل ...
___
المطهر: معتقد مسيحى, مكان تذهب إليه الأنفس التى لم تتوب تماما لتطهر من ذنوبها.