الموضوع: الأدب العبري
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-08-2010, 09:33 PM
المشاركة 2
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب العبري
التبشير بالصهيونية


نشأت البروتستانتية على أثر استفحال نفوذ الكنيسة الكاثوليكية, ولاسيما في فرض تفسير واحد للكتاب المقدس, وفيه إدانة صريحة لليهود بمقتل السيد المسيح.

فرفض البروتستانت - كما يقول المؤلف - هذا التفسير, وغيره من مفاهيم ومعتقدات كاثوليكية, وبَرّأوا اليهود من تهمة قتل المسيح, ودعوا إلى اعتماد الكتاب القديم بكل ما جاء فيه, واعتباره مقدّسًا لا يمكن تجاوزه, فشاعت الأوصاف القديمة لمناقبية اليهود, وحقوقهم وسموّ عرقهم, الأمر الذي تطلّب معرفة الناس باللغة العبرية لإتقان سلوكية الإيمان, وعدم الوقوع في المحرّمات. وبذا تكون البروتستانتية هي التي أوجدت لليهود حضورهم في أوربا والعالم معًا.

نتج عن ذلك أيضًا شيوع الآداب الأوربية التي دعتْ وأوحت باستلهام الموروث الديني اليهودي, وضرورة إيجاد وطن قومي لليهود.

ومن أشهر الأعمال الأدبية التي سارت في هذا الاتجاه المطوّلة الشعرية الذائعة الصيت: (الفردوس المفقود)
للشاعر الإنجليزي جون ملتون (1608-1674م)
(الذي طبّل له العرب وزمّروا طوال أزمان وأحقاب عدة باعتبار كتابته فتحًا إبداعيًا, ومع الأسف لم يكن صنيعه الشعري سوى (الأرض الموعودة) التي تعنى اليهود تمامًا).

ومثل ذلك, دعوات الأديب الإنجليزي ألكسندر بوب (1688-1744م)
المبشّرة بالمملكة اليهودية المستعادة, وقصائد اللورد بايرون (1788-1824م)
الذي بكى طويلاً على فقدان اليهود لوطنهم المقدس, ودعا في غير قصيدة إلى تحرير القدس.

كذلك الشاعران الإنجليزيان وليم ووردزورث (1770-1850) وروبرت براوننغ الذي ألحّ في شعره على ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين.

ومثلهم الكاتب الإنجليزي والتر سكوت (1771-1832م) في روايته الشهيرة (إيثنهو), وفي عدد آخر من أعماله التي دعا فيها إلى إيجاد وطن قومي لليهود لأنهم من عرق واحد.


جيمس جويس نموذجًا

توقف المؤلف طويلاً أمام الكاتب الإيرلندي جيمس جويس (1882-1941م) وبخاصة أمام روايته (عوليس) التي احتذى فيها سيرة بطل (الأوديسّة) للشاعر الإغريقي هوميروس, نوجز أهم النقاط والملامح التي اشتملت عليها:

كُتبت الرواية ما بين 1904و1914, ولم تنشر إلا بعد 1922 بعد تشجيع من الشاعر الأمريكي عزرا باوند الذي عرّفه على أديبة فرنسية من أب طبيب يهودي فرنسي, تمتلك دارًا للنشر, كانت قد نشرت منها فصلين في مجلتها, فاشتهرت قبل صدورها لما فيها من مشاهد جنسية على هامش الصراع الذي يعيشه بطلها (ليوبولد بلوم), في سبيل الوصول إلى رغباته وتحقيقها برغم العقبات التي اعترضته.

من حيث الموضوع الرئيس, فقد اشتملت على معظم ما طُرح وقرر في مؤتمر بال 1897, ومن حيث الأسلوب, فهي عصيّة بعض الشيء على الفهم والمتابعة, بسبب ما شاع فيها من فوضى التأليف, وتداخل الزمن, ووعورة لغتها الإنجليزية القديمة, وهي أيضًا قريبة في شذوذاتها ومناخها, من رواية مارسيل بروست: (البحث عن الزمن المفقود) من حيث عدم الحرص على الوحدة العضوية والنفسية للبنية الروائية, كل ذلك جعلها صعبة على القارئ الذي يحتاج لقراءتها إلى كثير من الصبر والعزيمة.

ومع ذلك, فقد أحيطت (عوليس) بكثير من الدراسات والحوارات الساخنة, من قبل نقاد عرب وغربيين طوال نصف قرن, حتى صدور طبعتها الثانية المترجمة إلى العربية 1994م.

وقد حار المؤلف في أمر الضجة والاهتمام الشديد اللذين حظيت بهما الرواية, فوجد أن المقاربة التاريخية ما بينها وبين (يُوليسّيس) الأوديسّة, من جهة, والترويج لقدرات اليهودي ومهاراته وتفوّقه في النهاية بما يمتلك من صبر وإمكانات, وثقة بالنفس, من جهة ثانية, أضف إلى ذلك: المناخ الاغترابي الذي عاشه بطل الرواية (بلوم) وهو ابن رجل يهودي هنغاري, وأدوار الغناء والبغاء التي مارستها زوجته (مولي), كل ذلك أسهم في تحقيق نسبة عالية من إقبال الناس على اقتنائها والنظر إلى بطلها برضى مطّرد.

لقد عني جيمس جويس بتصوير سلوك أبطاله, فسلّط الأضواء على النوازع النفسية والأحاسيس المرهفة, المرافقة لتحرّكات كل منهم, فنرى (بلوم) لا يتوانى عن مساعدة زوجته في إيجاد عشّاق منتقين لها, ونرى زوجته (مُولي) لا تتوانى أيضًا عن منح جسدها برضا تام لمن هُمْ في المراتب الدنيا من السلّم البشري, ممثّلة بذلك الحاضنة الحنون أو (الجسد المشْفق), لكن ذلك لم يكن بدافع إنساني, بل من أجل ما هو أحطّ وأوْضع, أعني المال. وعندما تريد الإنجاب تلجأ إلى زوجها لقناعتها بتفرّده وخصوصيته ونقائه, كما تلجأ إلى صديقه (ستيفان ديدالوس) الذي عشقتْه لأنه يمثل في نظرها ونظر زوجها, طموح العقل وقمة المعرفة.

ويتساءل حسن حميد: لماذا كان بطل جويس يهوديًا?

ويجيب: لم يكن ذلك إلا بسبب الحنين إلى العودة إلى أرض الميعاد بفلسطين, فكان القلق والحيرة والاضطراب والمخاوف الناشئة من طبيعة المجتمع الأوربي المتشدد حيال اليهود, كانت كلها عوامل بحث جادّ وصراع دائم لأجل الخلاص والاستقرار, ولم يسَع جويس إلى تحرير المجتمع الإيرلندي من مآسيه وأحزانه وإحباطاته, بل إلى تحقيق أحلام بطله اليهودي (بلوم).

،،