عرض مشاركة واحدة
قديم 12-01-2011, 09:22 PM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وها أنتِ في نَزَقِ الياسَمِيـن
تعودِيـنَ بالعَبَـقِ الأكْـمَـلِ


ويستمر الشاعر في رواية قصته مع تلك الفتاة هنا بهذه الكلمات المعبرة والصور الشعرية الساحرة والدافئة، فبعد أن وصف لنا حسنها وحبه الملتهب وما لاقاه ويلاقيه كنتيجة لبعدها من بؤس، وضعف، وألم، واثر ذلك عليه جسديا، فصار كأنه الربيع الذي يذوي، ويخبرنا أن نأيها كان السبب في ما أصابه.

يخبرنا الشاعر في هذا البيت بأن محبوبته قد عادت إلى المكان الذي يعيش فيه ولكن أي عودة تلك التي يتحدث عنها الشاعر هنا؟ إنها تعود بخفة الياسمين وجماله وعبقه الكامل... فنجد الشاعر هنا يشبه حبيبته بزهرة الياسمين في خفتها، ورشاقتها، وجمالها، ورائحتها العطرية الزكية الطيبة الكاملة....وكأنه قطر عطر الياسمين جميعه في كلمة (الأكْـمَـلِ ) ليصف فيه عذوبة ما هي عليه حبيبته عند عودتها.

إلَـيَّ فَعُـودِي وَأَلْقِـي إلَـيَّ
بأجْنِحَـةِ الخَبَـرِ المُهْـمَـلِ

وبعد أن اخبرنا الشاعر بأنها عادت إلى المكان الذي يسكن فيه، يتوجه إليها في هذا البيت بالحديث، طالبا منها أن تعود إليه شخصيا، ولا تكتفي بالعودة إلي المكان الذي يسكناه أصلا، والذي شاهدها فيه لأول مرة فوقع ما وقع من حب وصل حد الهذيان وأدى إلى كل ذلك الوله والنحول...بل يطالبها وقد أوضح لها ما أصابه من هزال وألم واحتراق وغليان كنتيجة لبعدها ونأيها... فيطالبها بأن تصرح له بحبها الذي أهملته وأنكرته طويلا...بعد أن أورد لها مبررات كثيرة تدلل على مدى حبه لها...وهو يستعجلها بالعودة والتصريح بحبها له ومبادلته الشوق والحب والحنين... فلذلك يطلب منها أن تعود على أجنحة السرعة.. لتخبره بكل تلك المشاعر التي ظلت مهملة لمدة طويلة لأنها تركته وغابت كل تلك المدة...وهنا يشبه الشاعر الخبر وكأنه الطير له أجنحة وفي ذلك تعبير عن شدة الشوق للقاء الحبيبة فهو لا يستطيع الانتظار ونعرف السبب كما يصفه الشاعر في البيت التالي.

ألـمْ تعْلمِـي أنَّ يَوْمِـي، إذا
توَارَيْتِ، فِي لَهَبٍ يَصْطلِـي؟

وفي هذا البيت يعود الشاعر فيؤكد لفتاته مستعطفا أيها وحاثا أيها أن تعود إليه من خلال سؤاله، أي حبيبة، ألم تعلمي أن يومي يكون إذا تواريت عني في لهب يصطلي؟ اي يشتعل احتراقا ...وهو بذلك يستمر في التعبير عن حبه الملتهب واثر بعد فتاته عنه...ولذلك فهو يستعجل عودتها على جناح السرعة...وهنا نستشعر حرارة ذلك الحب من خلال استخدام كلمة (يصطلي).

إليكِ ـأَقُبَّرَةَ القلـبِ ـأهْفـو
تعالَيْ وَحُطِّي على كَلْكَلِـي

وفي البيت الأخير من القصيدة نجد الشاعر يصرح بحبه لها بصورة جليه واضحة ومباشره، فمن ناحية يشبهها بطائر القبرة الجميل...لكنها قبرة قلبه هو، وذلك تعبير عميق عن الحب لها... ومن ناحية أخرى يطلب منها وإذ هي عادت إلى المكان الذي يسكن فيه أن تعود إليه هو فتصل ما انقطع، لكل تلك المبررات التي ساقها، لا بل هو يطلب منها أن تعود إليه بسرعة الطير مرة اخرى، فهو إذ شبهها بطائر القبرة يطلب منها أن تطير لتحط على صدره فيضمها إليه.

وفي هذه الأبيات الأخيرة الكثير من الحركة والتي توحي بها كلمات (تعالي وعودي) والصور الشعرية الجميلة (أجنحة الخبر، أقبرة القلب) والتعابير التي تدغدغ المشاعر والأحاسيس ومنها حاسة الشم واللمس والسمع ( عبق، لهب، يصطلي، الخبر)...وهو أسلوب بالغ التأثير يمتاز بالقوة والصور الجميلة والبلاغة الساحرة....أسلوب يأسر لب المتلقي ويجعله يصفق بحرارة للشاعر على قدرته الفذة على النظم الجميل والأصيل الذي يضج بالحياة.

انتهى،،