عرض مشاركة واحدة
قديم 12-01-2011, 09:21 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ألمْ يَخْتبِرْ فِيكِ غَيْظَ المَرَايَـا
وَمَوْجِدَةَ الكـأسِ والمِشْعَـلِ؟


ويستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته في هذا البيت أيضا وفيه يسوق الشاعر لها ولنا المبررات التي جعلت قلبه الواسع بوسع الصحراء يقتصر في حبه عليها، هي فقط، كونها تلك الفتاة الجملية ملهمته وملهبة نار الحب في قلبه، هي فقط التي مرت بخيلها عبر ارض وصحراء قلبه الشاسعة دون غيرها.

فمن ناحية يقول الشاعر أن سبب ذلك هو شدة جمال وحسن تلك الفتاة ذلك الجمال الذي أغاظ المرآة والدليل على ذلك انه حينما تنظر تلك الفتاة في المرآة تغتاظ المرآة من شدة جمالها.
ومن ناحية أخرى يصف الشاعر جمال حبيبته على أنها جميلة بجمال تلك الفتيات التي تكلف عادة بتقديم (الكأس والمشعل) في حضرة الملوك ربما وهي فتيات لا بد بالغة الجمال...
وقد يكون هذا الاستخدام لكلمات (موجدة الكأس والمشعل) مأخوذة من التراث المغربي وربما من التراث الأدبي العالمي كون الشاعر مطلع على الأدب الانجليزي بحكم تخصصه ...فربما استعار هذه العبارة من مسرحية روميو وجوليت مثلا، لكن السياق يوضح لنا بأن ما هو مقصود بها المبالغة في وصف جمال تلك الفتاة ولذلك فقد اكتفى بحبها.

ويستمر الشاعر، في البيت التالي، في سوق مزيد من الأدلة والأسباب وهو يخاطب حبيبته، تلك الفتاة التي جعلته يقتصر في حبه عليها ولم يتسع قلبه لأحد سواها فيقول لها:

ألمْ يَغْفُ فِيكِ؟ ألـمْ يَلْتَحِـفْ
بِثَوْبِ نَضَارَتِـكِ المُخْمَـلِ؟

وكأنه يقول ويتساءل... أي حبيبة ...كيف لا يقتصر حبي عليك وقد عشقك قلبي عشقا يصل حد الهذيان، عشق يذهب العقل...

ثم الم تلاحظي أيضا بأنه ومن شدة حبك كان قلبي يبدو وكأنه يلتحف بثوب نظارتك المخمل؟ وهي كناية أخرى يعبر فيها الشاعر عن شدة جمال فتاته تلك...وهي من المبررات الأخرى التي جعلت قلبه لا يحب سواها...وفي ذلك تشخيص للقلب إذ جعله الشاعر هنا وكأنه إنسان يغفو ويلتحف بجمال وحسن تلك الفتاة ذلك الحسن المخملي الرائع.

ولولا شُموعٌ بِكَفَّـيَّ يَقْظَـى
أفَـاقَ قليـلاً ولـمْ يَعْـجَـلِ

ويستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته بعد أن شخصن في البيت السابق قلبه فجعله كمثل طفل صغير يغفو في حضنها ويلتحف بثوب جمالها الناعم والدافئ وكأنه ثوب من الحرير أو المخمل...فكان نومه وغفوته عميقة في مثل ذلك الجو المريح والدافئ بل المشتعل بالحب.

وفي هذا البيت يستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته فيقول ..أي حبيبة..نعم ...تأكدي بأن غفوت قلبي في حضن الحب المخملي ( الم يغفو فيك؟ )، حبك أنت لوحدك، كان يمكن أن تطول وتستمر، وكان يمكن لقلبي أن يظل يغط في نوم عميق وهو يلتحف بثوب نظارتك المخملي، لولا أن نيران الحب هذه المشتعلة في كياني جعلت أصابعي تضئ فأصبحت وكأنها شموع مشتعلة فاستفاق قلبي، ولكنه استفاق على مهل ولم يتعجل...حيث كان من الممكن أن يستمر في تلك الغفوة إلى ما لا نهاية وذلك بسبب ذلك الجو المخملي المفعم بالحب الذي يوفره جمالك ونظارة وجهك.

وهذا البيت كناية أراد الشاعر أن يعبر فيها عن شدة الحب أيضا، وهو ما جعله يقتصر في حبه عليها، وكأنه يقول أن جمال فتاته كان رائعا مخمليا إلى الحد الذي وفر له مكانا مريحا جدا، فغفى قلبه فيه، واستغرق في غفوته، لولا أن حرارة الحب المشتعلة في ثنايا قلبه جعلت أصابعه تضئ فاستفاق من شدة الوهج وحرارة الحب.

فمن ناحية غفى الشاعر في حضن الحب وتلحف بثوب جمال تلك الفتاة المخملي، وكان يمكن أن يظل يغط في نوم عميق إلى ما لا نهاية بسبب ذلك الجو المفعم بالحب والدفء والإحساس المخملي، ولكنه استفاق كنتيجة لحرارة الحب المشتعل في قلبه، والدليل على ذلك أن أصابعه قد أضاءت من شدة ذلك الاشتعال ( الحب ) الملتهب في كيانه.

وقد أبدع الشاعر هنا إذ شبه أصابعه بالشموع المشتعلة، وشبه القلب بالطفل الذي يغفو ويستيقظ...وهو ما جعل هذا البيت من الشعر يضج بالحياة...وقد سخر الشاعر هنا التضاد من جديد فمن ناحية تحدث عن النوم واليقظة ومن ناحية أخرى تحدث عن البطء والقلة والعجلة...فتمكن من اسر انتباه المتلقي...من خلال هذه الصورة الشعرية الجميلة.

فإنْ تسْألِي كَيفَ يَذوِي الرَّبيعُ
يُنَبِّئْكِ صَيْـفٌ، وَإنْ تسْألِـي
لِماذا هَوَتْ لَبِنَـاتُ الأمانِـي
تُخَبِّـرْكِ ذاكِـرَةُ المِـعْـوَلِ

وما يزال الشاعر في هذين البيتين يخاطب حبيبته مستعطفا إياها راجيا لعلها تحن عليه فتعود إليه أو تتوقف عن مقاطعته والنأي عنه وهو هنا يصف حاله البائس وما حل به بعد أن تركته وحيدا من خلال طرح الأسئلة والإجابة عليها.

ويشبه الشاعر نفسه بالربيع ويقول مخاطبا إياها: أن تسألي كيف يذوي الربيع، ربيع العمر طبعا، أي كيف انه أصبح شاحبا، بائسا، حزينا، مصفر الوجه ضعيفا؟ يأتيك الجواب بأن الصيف بحرارته هو المسئول عن ذلك، أي أن شدة حرارة الحب والحرمان الذي شبهه الشاعر بحرارة الصيف هي التي تسببت بكل ما أصابه من الم، فذوى جسده وكأنه ربيع ذهبت عنه الخضرة.

ويستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته في البيت التالي فيسألها مزيدا من الأسئلة الاستنكارية...فيقول وان تسألي لماذا تحطم أملي بالحب وتكسرت الأمنيات وتهدمت؟ (لماذا هوت لبنات الأماني؟)، فيأتي الجواب في الشطر التالي...يمكنك أن تعرفي الإجابة...فأنتِ السبب في ذلك... ونجد الشاعر هنا قد شبه الحب وأحلامه فيه بـ لبنات الأماني، أي الأمنيات،بينما شبه صدودها وبعدها بالمعول الذي تسبب في هدم لبنات الأماني تلك.

وكأن الشاعر يقول لحبيبته بأن ما أصابني من شحوب وضعف ومن ثم تحطم كل أحلامي وأماني هو في الواقع ناتج عن صدودك وبعدك...وفي ذلك استعطاف لتلك الفتاة بأن تعود له ربما.

وهنا شخصن الشاعر الربيع فجعله كشخص يذوي وشخصن الصيف فجعله السبب في ذويان الربيع، وشخصن الأمنيات والأحلام فجعلها تتهدم كاللبنات، وشخصن المعول فجعل له ذاكرة وكأنه إنسان يمكنه أن يتعرف على ما فعله.
والتضاد يظهر من جديد في الربيع والصيف واللبنات والمعول... وطرح الأسئلة هنا والإجابة عليها حواريه تلفت انتباه المتلقي وتقحمه في الحدث.