عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2012, 11:38 AM
المشاركة 12
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[TABLETEXT="width:100%;background-color:black;border:4px solid red;"]
ثانيا: النقد التنظيري
يهتم هذا النقد – في المقام الأول - كما يقول ولد أباه "بالجودة الفنية أو بمحاولة وضع القيم الأساسية. للنهوض بالشعر من مستوى التكرار والتقليد إلى مستوى البراعة والإبداع..." وهكذا، فقد حاول أصحاب هذا القسم البحث عن إبداع شعري جديد ينأى عن الاجترار، واجتهدوا في تحديد ماهية الشعر وشروط إجادته وما إلى ذلك. ومن المؤلفات التي تمثل هذا الضرب من النقد (عمدة الأديب في صناعة القريض والنسيب) للعلامة أدييجه بن عبد الله الكمليلي (ت 1272***65259، وهو نظم / رجز قوامه 211 بيتا، حاول فيه صاحبه تعريف الشعر وذكر محاسنه ومعايبه وكذا ضرائره. وفيما يلي ذكر لبعض النماذج النقدية التي تندرج في هذا الإطار:
لقد نظم الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي قصيدة عينية في تعزية المبدع الموريتاني الذي ألف تقليد الشاعر القديم مبنى ومعنى. وبعد مجموعة من الأبيات، نراه يطرح تصورا معينا للشعر عماده مفهومان؛ أولهما مفهوم التطريب الذي عده ابن الشيخ سيدي غاية الشعر الأولى، وحاكم بموجبه أشعار مجايليه حيث يقول: (الكامل التام)
والشعر للتطريب أول وضعه فلغير ذلك قبلنا لم يوضع
واليوم صار منكدا ووسيلة قد كان مقصدها انتفى لم تشرع
وثاني المفهومين – ولعله الأدق والأخفى – هو التجدد الذاتي الذي تتمتع به النصوص الجيدة على وجه التحديد.
ويأْدِب الشاعر امحمد بن أحمد يوره إلى توظيف المعجم الشعري القريب من الفهوم الذي لا يُحتاج معه إلى الرجوع إلى القواميس ولا إلى وضع الشروح والحواشي. يقول: (الطويل)
ألا أيها الشعرور لاتك ناطقا يني عن فهمه المتناوش ([29])
ولا تطل الأشعار في غيره طائل فشر القريض الطائل المتفاحش
ولا خير في شعر يعزوه فهمه إذا هو لم توضع عليه الهوامش
ويشترط محمدي بن سيدينا العلوي في الشعر الحق توافر جملة من المقومات كالشاعرية والجودة، إذ يقول: (الطويل)
وما الشعر عند العرب إلا قريحة تقود أَبِيّات المعاني وتقسر
تصاغ كصوغ الدر أحكم صنعه تحلى به الأسماع أو هي أنضر
إذا قرعت سمع البليغ تشوقه وتغري به البث الذي كان يضمر
وإن رامها من جاء متشاعرا ليقتادها تأبى عليه وتعسر
هذه لمحة خاطفة إلى النقد الشنقيطي القديم بشقيه التطبيقي والتنظيري، واللذين – كما رأينا – كانا يقتصران على نقد الشعر مع أن الساحة الأدبية لم تكن خلوا من النثر الأدبي أو من بعض فنونه كالمقامة والرسالة وغيرهما. أما النقد الحديث والمعاصر في موريتانيا، فكان نتيجة تأثرها بالمؤثرات الثقافية الجديدة في وقت متأخر جدا لاعتبارات سياسية وجغرافية. وقد أدت تلك المؤثرات (أو التأثيرات) إلى ظهور أجناس جديدة في الأدب الموريتاني منذ سنوات السبعين والثمانين، وإلى تطور النقد تطورا ملحوظاp إذ تفرع إلى أنواع كالنقد الأدبي والفني والصحافي، وخرج من دائرة النقد الشعري الضيقة إلى دوائر نقد القصة والمسرحية والرواية والسينما وغيرها. وقد حدث ذلك كله تدريجيا وعلى فترات متتالية أو متقطعة أحيانا.
ويمكن تحسس النقد الموريتاني الحديث والمعاصر في الدراسات العلمية والأبحاث الأكاديمية والأطاريح الجامعية والمقالات الصحافية التي كانت تنشر – وما تزال – في صحيفة (الشعب) منذ انتظام صدورها (1975) إلى يومنا هذا.
وتعد الدراسة التي تقدم بها ولد أباه عام 1969 لنيل درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات الباريسية بداية التنظير النقدي الموريتاني الحديث، ذلك بأنها قد أعطت – كما يقول أحد الدارسين – " الإشارة الخضراء لبداية النقد في الأدب الموريتاني، وذلك بتصنيفها المدارس الأدبية الموريتانية، وإرجاعها بعض الشعراء إلى هذه المدارس والاتجاهات". وبعد هذه الدراسة الرائدة ستتوالى الدراسات والأبحاث الجامعية التي تعد مَوْئِلا للنقد الموريتاني الحديث والمعاصر.
لقد غلب على النقد الموريتاني الحديث والمعاصر – وخاصة في بداياته – الطابع الصحافي. وكانت المقالات الصحافية النقدية ردا على رأي في مقال منشور سابقا، أو قراءة لنص جديد. وسنشير فيما يلي إلى بعض المقالات التي نشرت في الصحافة الموريتانية المعاصرة باعتبارها تشكل مظهرا من مظاهر الحركة النقدية الشنقيطية المعاصرة.
كتب الأستاذ الرشيد ولد صالح سنة 1979 مقالا مطولا (خمس حلقات) في صحيفة (الشعب) بعنوان (الأدب العربي في موريتانيا (الحلقة المفقودة))، فضمنه عدة ردود ومناقشات ابتعدت أحيانا عن الروح العلمية الموضوعية، وعالج فيه عددا من القضايا كقضية أولية الشعر الموريتاني وتطوره وأسباب غيابه (أو تغييبه) في الأدب العربي ومكانته فيه وتصنيفه الداخلي، وقدم فيه تصوره لمفهوم الأدب؛ فهو عنده "الكتابات التي كتبت للتأثير في مشاعر الناس وللتعبير عن أحاسيسهم وعكس مواقفهم البشرية والنهوض بتراث الإنسان الروحي..." كما طرح الرشيد سؤالا مهما في المقال نفسه، وهو: هل هناك أدب موريتاني ضمن مجموع الأدب العربي؟ وما خصائصه النوعية المميزة له ؟ وحاول أن يقدم وجهة نظره في هذا الأمر.
وقد تصدى للرد عليه بعض الباحثين والنقاد، من مثل إيدوم ولد محمد يحيى الذي كتب في العام ذاته مقالة في صحيفة (الشعب) بعنوان (أصداء حلقة فقدت فأثرت)، ورد فيه على عدد من المسائل والإجابات والاجتهادات التي وردت في مقال الرشيد المتقدم ذكره. وممن رد عليه كذلك المرحوم محمدي ولد القاضي.
لقد حاول عدد من النقاد – على غرار ما فعل الرشيد – أن يقدموا في مقالاتهم الصحافية تصورهم لمفهوم الأدب والشعر. مثلما فعل الأستاذ أحمد الولي في مقاله المنشور (بالشعب) في العاشر من فبراير 1979 حين عرف الأدب بكونه "متعة وضرورة وخيال ووسيلة للتنبؤ، يجمع بين العام والخاص، ويبحث في أغوار الإنسان المطلق. فمع أن الحياة هي الأصل، إلا أن الأدب هو الذي يعطيها صفتها النهائية عن طريق التوجيه بالمفهوم الواسع للكلمة..." ويقول الناقد نفسه في مقال آخر معرفا الشعر: "هو الذي يعبر عن الإنسان الاجتماعي والإنسان المطلق. وكلما كان هذا التعبير أصدق عن الحالة التي يعيشها الشاعر والحالة السائدة في وسطه كان أكثر أصالة وأعمق تأثيرا". ويقول محمدي ولد القاضي في الصدد نفسه:" الشعر جنون، وبحث عن اللامعقول، وتعبير عن اللاوعي، وتغلغل في تضاعيف الوجود المعقد المركب... إنه يغوص إلى النفس، ويتسلل بين ثناياها..."
وهناك مقالات نقدية أخرى عالجت مفهوم القصيدة، ومفهوم الصورة الشعرية، ومفهوم الرمز والأسطورة... إلخ. وكانت صحيفة (الشعب) أكثر الصحف الموريتانية احتضانا لهذا النقد، بحيث إنها كانت- وما تزال – تفرد حيزا للأدب والنقد والإبداع، وأسهمت بشكل واضح في خدمة النقد الموريتاني المعاصر.
لقد وضع الأستاذ أحمد ولد حبيب الله خاتمة لكتابه المعني بالقراءة، وذلك عملا بالأعراف المنهاجية المعروفة في مجال البحث العلمي. وخصها بالحديث عن مكانة الأدب الموريتاني في الأدب العربي، وبإيراد بعض آراء أو شهادات المشارقة في حق أدب بلاد شنقيط. يقول الباحث في أولى فقرات هذه الخاتمة: "بعد هذا - إذن - آن لنا أن نضع عصا التَّسيار ونحط الرحال، لعلنا نتلمس ونتحسس موقع الأدب الموريتاني على خارطة الأدب العربي حتى لا يظل غائبا في هذا الأدب أو "حلقة مجهولة" – على حد تعبير الدكتور طه الحاجري – في تاريخه"...([30]) وقد حاول الباحث أن يبرز – في المآل – المكانة التي يتبوأها الأدب الموريتاني ضمن مجموع الأدب العربي، ودعا إلى ضرورة بذل مجهودات إضافية وتنسيقها لتثبيت هذه المكانة وتعريف الآخر (المشارقة خاصة) بها. يقول في آخر الكتاب: "ولكن هذه المكانة تحتاج إلى جهود جماعية كبيرة ومخلصة لبيانها وإذاعتها على نطاق واسع عبر التدوين والتحقيق والدراسة والنقد والنشر والتسويق داخل البلاد وخارجها".([31])
[/TABLETEXT]