عرض مشاركة واحدة
قديم 12-03-2015, 07:34 PM
المشاركة 4
عبدالله علي باسودان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي تابع ... التجنيس في اللغة .
تابع ... التجنيس في اللغة

وقد أحدث المولدون تجانساً منفصلاً يظهر أيضاً في الخط كقول أبي تمام:
رفدوك في يوم الكلاب وشققوا ... فيه المزاد بجحفل كاللاب
الكاف للتشبيه، واللاب: جمع لابة، وهي الحرة ذات الحجارة السود.. هذا أصح الروايتين، وأما قوله بجحفل كلاب أي كأن به كلباً فليس بشيء، وإنما القول ما قدمناه، وليس بتجانس صحيح على ما شرطه المتقدمون، ولكنه استظرف فأدخل في هذا الباب تملحاً.. وأكثر من يستعمله: الميكالي، وقابوس، وأبو الفتح البستي، وأصحابهم؛ فمن ذلك قوله:
عارضاه بما جنى عارضاه ... أو دعاني أمت بما أودعاني
فقوله " أو دعاني " إنما هي أو التي للعطف، نسق بها " دعاني " وهو أمر الاثنين من دع على قوله " عارضاه " الذي في أول البيت، وقوله " أودعاني " الذي في القافية فعل ماض من اثنين، تقول في الواحد " أودع يودع " من الوديعة. وقال أيضاً:
وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له
وربما صنعوا مثل هذا في القوافي فتأتي كالإيطاء وليس بإبطاء إلا في اللفظ مجازاً، ولا بتجنيس إلا كذلك.. قال عمر بن علي المطوعي:
أمير كله كرم سعدنا ... بأخذ المجد منه واقتباسه
يحاكي النيل حين يسأم نيلاً ... ويحكي باسلاً في وقت باسه
أراد أن يناسب فجاء القافيتان كما نرى في اللفظ، وليس بينهما في الخط إلا مجاورة الحروف، وهذا أسهل معنى لمن حاوله، وأقرب شيء ممن تناوله، من أبواب الفراغ وقلة الفائدة، وهو مما لا شك في تكلفه، وقد أكثر منه هؤلاء الساقة المتعقبون في نثرهم ونظمهم حتى بردوا، بل تدركوا، فأين هذا العمل من قول القائل، وهو أبو فراس:
سكرت من لحظه لا من مدامته ... ومال بالنوم عن عيني تمايله
وما السلاف دهتني بل سوالفه ... ولا الشمول زهتني بل شمائله
ألوي بصبري أصداغ لوين له ... وغل صدري ما تحوي غلائله
فما كان من التجنيس هكذا فهو الجيد المستحسن، وما ظهرت فيه الكلفة فلا فائدة فيه.
وقد يجيئ التجنيس على غير قصد كقول أبي الحسن في مقطعاته التي ترد فيما بعد:
ما ترى الساقي كشمس طلعت ... تحمل المريخ في برج الحمل
فبهذا التجنيس تم المعنى وظهر حسنه؛ إذ كان برج الحمل بيت المريخ وموضع شرف الشمس، فصار بعض الكلام مرتبطاً ببعضه، ومظهراً لخفي محاسنه، وحصل التجنيس فضلة على المعنى؛ لأنه لو قال في موضع الحمل " النطح " أو الكبش " لكان كلاماً مستقيماً؛ فهذا التجنيس كما ترى من غير تكلف ولا قصد، ولكن الأكثر أن يكون التجنيس مقصوداً إليه، مأخوذاً منه ما سامحت فيه القريحة، وأعان عليه الطبع..
وقد يعد قوم من المضارعة ما ناسب اللفظ في الخط فقط، كقوله تعالى: " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " وهي مضارعة بعيدة لا يجب أن يعد مثلها.. واختلف الناس في قول الأعشى:
إن تسد الحوص فلم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر
فقال الجرجاني علي بن عبد العزيز القاضي: هو مجانسة؛ لأن أحدهما رجل، والآخر قبيلة، وقال غيره: بل معناهما واحد، وأنا على خلاف رأي الجرجاني لأن الشاعر قال بني عامر وأضاف بني إليه، ولو قال ساد عامراً يعني القبيلة لكان تجنيساً غير مدفوع. قال الجرجاني: وأراه يعني بيت الأعشى يخالف قول الآخر:
قتلنا به خير الضبيعات كلها ... ضبيعة قيس لا ضبيعة أضحما
لأن كلتيهما قبيلتان، فكأنه جمع بين رجلين متفقي الاسم، انتهى كلامه، وهو يشهد بما قلته في بيت الأعشى إذا حققه من له ميز وتدبير..
وقد ذكروا تجنيساً مضافاً، أنشده جماعة من المتعقبين منهم الجرجاني:
أيا قمر التمام أعنت ظلماً ... علي تطول الليل التمام
فهذا عندهم وما جرى مجراه إذا اتصل كان تجنيساً، وإذا انفصل لم يكن تجنيساً، وإنما كان يتمكن ما أراد لو أن الشاعر ذكر الليل وأضافه فقال " ليل التمام " كما قال " قمر التمام " والرماني سمى هذا النوع مزواجاً، ومثله عنده قول الآخر:
حمتني مياه الوفر منها مواردي ... فلا تحمياني ورد ماء العناقد
ومن المزاوجة عندهم قول الله تعالى: " يخادعون الله وهو خادعهم " وقوله: " من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " وقوله: " إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم " وكل هذه استعارات ومجاز؛ لأن المراد المجازاة فزاوج بين اللفظين.
وكان الأصمعي يدفع قول العامة " هذا مجانس لهذا " إذا كان من شكله، يقول: ليس بعربي خالص، حكى ذلك ابن جني.. فأما ابن المعتز فقال وهو أول من نحا هذا النحو وجمعه والمجانسة: أن تشبه اللفظة اللفظة في تأليف حروفها على السبيل الذي ألف الأصمعي كتاب الأجناس عليها، قال: والجنس أصل لكل شبء: تتفرع منه أنواعه، وتعود كلها إليه، وكالإنسان وهو جنس وأنواعه عربي ورومي وزنجي، وأشباه ذلك، ولم تكن القدماء تعرف هذا اللقب أعني التجنيس يدلك على ذلك ما حكى عن رؤبة بن العجاج وأبيه، وذلك أنه قال له يوماً: أنا أشعر منك، قال: وكيف تكون أشعر مني وأنا علمتك عطف الرجز؟ قال: وما عطف الرجز؟ قال عاصم يا عاصم لو اعتصم قال: يا أبت، أنا شاعر ابن شاعر، وأنت شاعر ابن معجم، فغلبه، فأنت ترى كيف سماه عطفاً، ولم يسمه تجانساً، اللهم إلا أن يذهب بالعطف إلى معنى الالتفات فنعم.
ومن أناشيد هذا الباب قول الشنفرى واسمه عامر بن عمرو الأزدي:
وبتنا كأن البيت حجر فوقنا ... بريحانة ريحت عشاء وظلت
وقال علي بن محمد بن نصر بن بسام:
فاشرب على الورد من وردية عتقت ... كأنها خد ريم ريم فامتنعا
وقال الفرزدق:
ألم يأته أني تخلل ناقتي ... بنعمان أطراف الأراك النواعم
وحقيقة المجانسة عند الرماني المناسبة بمعنى الأصل، نحو قول أبي تمام: في حده الحد بين الجد واللعب قال: لأن معناهما جميعاً أبلغ، وأما قولك قرب واقترب، والطلوع والمطلع، وما شاكل هذا؛ فهو عنده من تصرف اللفظ، ولا يعده تجنيساً، ومن تصرف المعنى عنده قولك: عين الميزان، وعين الإنسان، وعين الماء، ونحو ذلك.. ومن التصرف في اللفظ والمعنى جميعاً قولك: الضرب والمضاربة والاستضراب، وما أشبه ذلك، كل هذه الأنواع عنده من باب التصرف.
وما أكثر ما يستعمل هذا النوع بعض شعراء وقتنا المذكورين، ويظن أنه قد أتى بشيء من غرائب التجنيس.
وأما قول دعبل في امرأته سلمى:
أحبك حباً لو تضمنه سلمى ... سميك ذاك الشاهق الرأس
فقد جنس من غير جنس؛ لأن قوله سميك دال على مراده.
ومثله قول آخر:
ضيعتي مثل اسمها العا ... م وداري مسترمه
أنشده الرماني.. وقال الآخر، وهو أبو تمام:
إذ لا صدوق ولا كنود اسماهما ... كالمعنيين ولا النوار نوارا
المراد صدر البيت لا عجزه.
وإذا دخل التجنيس نفي عد طباقاً، وكذلك الطباق يصير بالنفي تجنيساً.