عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2011, 11:53 PM
المشاركة 9
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

آخر أعمالِها:




"بين فصول العرض"




تلك الرواية هي آخر ما كتبت وولف، والتي ماتت قبل أن تشهد صدورها في كتاب. تشعر منذ الوهلة الأولى أنك أمام أغنية بجعة تطلق وداعاً حزيناً للوطن في عشية الحرب العالمية الثانية التي بات من المتوقع أن تطلق تعويذة دمارها الشامل خلال ساعات.

النسخة النهائية من آخر أعمال وولف وأكثرها غنائية هي التي تحتوي على النص الأصليّ التي كانت تتوفر على كتابته حتى لحظة موتها.

تجري الأحداث في قرية "بوينتز هول"، موطن عائلة أوليفر منذ 120 عاماً، وتدور الأحداث حول مهرجان القرية السنوي الذي يُسقِطُ على تاريخ إنجلترا (ويتهكم عليه) منذ العصور الوسطي وحتى صيف 1939.

الأحداث الكوميدية على منصة العرض، ردود أفعال القرويين حيال النظارّة، مزج الحاضر بالماضي، كل تلك الأمور تؤكد معتقد فرجينيا وولف أن الفنَّ هو مبدأ وحدة الحياة.


خلال منهج التجريب الحداثي ذاته، الذي شخّصت به "صوب المنارة"، يمكن للقارئ بسهولة متابعة أحداث الرواية. لكن تظل إعادة القراءة ضرورة لسبر غور النصِّ واستكشاف عمقه وإسقاطاته السياسية والاجتماعية بل والوجودية.

تقع الرواية في أحد أيام شهر يونيو 1939 في عزبة بالريف الإنجليزيّ تُدعى "بوينتز هول"، مملوكة لعائلة "أوليفر" ذات الارتباط المَرضيّ بالماضي والجذور السَّلفية إذ تولي ولاءً حميمًا للسلف إلى درجة الاعتقاد بأن "الساعة" التي أوقفتها رصاصةٌ في معركةٍ قديمةٍ جديرةٌ بالمحافظةِ عليها وإقامة مَعرِضٍ خاص لها.

كل عام في نفس ذلك الوقت، يهيئ آل أوليفر حدائقهم لإقامة فعاليات الحفل، ويُسمح للفلاحين بارتياد الموكب ورفع المال إلى الكنيسة. وكان من المقرر في برنامج ذلك العام أن يكون الموكب سلسلةً من التابلوهات التي تمجّد تاريخ إنجلترا منذ عهد شوسر وحتى الزمن الراهن.

آل أوليفر أنفسهم كانوا تابلوهات للشخوص، كلٌّ يجسّد ملمحاً بشريّاً ما، يفصل بين كل منهم حائطٌ من عدم التواصل والاغتراب. وتُظهر الرواية تباين مواقفهم وردود أفعالهم تجاه الحرب الوشيكة التي ستغيّر خارطة التاريخ.

العجوز "بارثولوميو أوليفر" وشقيقته "لوسي سويزن"، كل منهما أرمل، يعيشان مع بعضهما الآن بنفس العلاقة المتذبذبة التي عاشا عليها خلال الطفولة. "جايلز"، نجل أوليفر، مقامر في البورصة، يسافر إلى لندن يوميّاً من أجل العمل، ويعتبر ذلك الحفل شيئاً مزعجاً لا فرارَ من تحملّه. "آيزا"، زوجته غير القانعة، تخفي أشعارها عنه، وتفكّر في إقامة علاقة غير شرعية مع مزارعٍ في القرية.

في نهاية الحفل، تخطط مخرجةُ العرض شيئاً خاصاً وفريداً من أجل الاحتفال بالحاضر،( شيئاً له إسقاطات ذات أبعاد سياسية كانت تعنيها وولف): تجعل الممثلين يوجّهون مراياهم صوب الجمهور وكأنها تقول: انظروا إلى وجوهكم، انظروا كيف أصبحت إنجلترا. يلفّها العار والجمود، أليس كذلك؟".

على النحو نفسه أشهرت وولف مرآةً في وجه البشرية، مرآةً تعكس حزننا وخيباتنا عبر شخوص روايتها.

ربما تلك الدلالة، غير المبهجة، هي الأكثر مناسبةً لتلخيص مصير كاتبة مثل وولف، أحد أعظم رموز الحزن في التاريخ.


* * *





شبح الموت حول فرجينيا




إبّان الاجتياح النازيّ، أعدّت وولف وزوجها المؤن واتخذا تدابير الاستعداد حال الخطر. فاتفقا على تصفيّة نفسيهما جسديّاً، عن طريق الانتحار بالغاز السام، إذا ما هوجما من قِبل النازيين (نظرا لكون زوجها يهوديّ الأصل).


لم تكن ظلال الخوف من الاجتياح النازيّ بكل ما تحمل من رائحة الموت وحدها التي مثلت شبحاً ضاغطاً على روح وعقل فرجينيا. فقد أُثقلت المرأة بحوادثَ فاجعةٍ كثيرة ليس بدءا ًبموت أمها المبكر ولا بموت أبيها البطيء ولا شقيقها المحبوب، ولا انتهاءً بالأصدقاء الذين كانوا يذهبون إلى الحرب ولا يعودون بعد ذلك أبداً. فكأنما كان الموت يترصدها كما ترصّد محيطها فقررت أن تذهب إليه بدلا من أن تنتظر مجيئه على مبدأ "بيدي لا بيد عمرو".


تقول في يومياتها التي كتبتها بين عامي 1931 و 1935، وهي ما صدرت في كتاب حديث بالترجمة الألمانية، إنها ذهبت مع زوجها ليونارد وولف بعدما حصد الموت فجأة صديقهما المشترك "لايتون استراشي" من أجل مواساة حبيبته دورا كارينجتون التي بدت غير مصدقةٍ حتى اللحظة فقدان حبيبها، تقول وولف "كم بدت خائفةً!! بدت كطفلٍ يخشى أن يُخطئ كيلا يطوله العقاب. وحين هممنا بالانصراف رافقتنا دورا إلى الطابق السفليّ حتى باب المنزل، قبّلتني مراتٍ عديدةً. قلت لها تأتين لزيارتنا إذن في الأسبوع المقبل؟ قالت نعم سآتي، وربما لن آتي. ثم قبّلتني مرةً أخرى قائلةً "وداعاً". ثم دلفتْ إلى الداخل. التفتُ لألوِّح لها، فوجدتها تقف هناك تشخصُ فينا. لوحّت لي أكثر من مرة، ثم اختفت."

كان ذلك المشهد هو آخر ما عرف الزوجان عن صديقتهما. في اليوم التالي عند الثامنة والنصف أطلقت دورا الرصاص على نفسها من بندقيةِ صيد. ولم يبرح عينَ فرجينيا مشهدُ الوداع المستطيل والتلويح المتكرر، والالتفاتات المتواترة، وشخوص الصديقة الراحلة فيها عند باب البيت، ثم الحدس السيئ الذي باغتها في تلك اللحظة بالذات بأن ثمة نذيرًا في الأفق الوشيك. شبح الموت الذي طفق يدوّم ويحوّم في أفق وولف يحصد كلَّ من أحبتهم واحداً إثر واحد حتى أنه لم يغفل "بينكا"، كلبتها المحبوبة.


* * *

يتبع
.
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)