عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2011, 11:48 PM
المشاركة 8
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
النسوية في كتابات وولف




في رسالةٍ لصديقتها "فيتا ساكفيل" تكلمت فرجينيا عن تلك المرحلة المبكرة من حياتها قائلةً: "هل تتخيلين في أي بيئةٍ نشأتُ؟ لا مدرسة أقصدُ إليها؛ أقضي يومي مستغرقةً في التأمل وسط تلالٍ من كتب أبي؛ لا فرصة على الإطلاق لالتقاط ما يحدث خلف أسوار المدارس: اللعب بالكرة، المشاحنات الصغيرة، تبادل الشتائم، التحدث بالسوقية، الأنشطة المدرسية، وأيضاً الشعور بالغيرة!".




* * *




عبر مشروعها الأدبيّ؛ ظهرت ملامح الرفض والثورة في مقالاتٍ كثيرة رصدت وولف خلالها تباين التوجّهات الاجتماعية نحو كلٍّ من المرأة والرجل. رافضةً أن تكون الحتمية البيولوجية أساساً للتمايز الحقوقيّ بين الجنسين. أهمّها تلك المقالات مجموعة بعنوان "غرفة تخصُّ المرء"، ناقشت فيها موضوعة كتابة النساء، أو النساء وفعل الكتابة. ورصدت صمتَ النساء اللواتي "خدمن طيلة قرون باعتبارهن مرايا تمتلك قوةً سحريّة بوسعها أن تعكسَ صورةَ الرجلِ بضعفِه الحقيقيّ". تحدثت عن النساء اللواتي تمَّ إقصاؤهن خلال قرون طويلة مضت ومنعهن من الدخول إلى المكتبات، أو السير على عشب الجامعة "المقدس". غير أنه فيما أُقصي جسدُ المرأة (الحقيقيّ) عن المؤسسة الثقافية، ظلّتِ المرأةُ، كـ(جسد)، دوماً موضوعَ المجاز الأدبيّ والتعبير الفنيّ لدى الكاتب الرجل، وكذلك مادةَ استقراءٍ لدى مختلف الدراسات السيكولوجية والسوسيولوجية، واعتمد الرجال على النساء ليكُنَّ الشاخصَ الجاهز لتصويبِ السهام، والشاشةَ التي تُعرض عليها النظريات والإخفاقات الذكورية. فـ"الرجل لا يرى المرأة سوى في أحمر العاطفة لا في أبيض الحقيقة".



وربما تُذكرُنا تلك الفكرة – الحقيقية إلى حدٍّ بعيد – عن المرأة من خلال منظور الرجل ومنظور المجتمع بكتاب "الجنس الآخر" للكاتبة سيمون دو بوفوار حين قالت ما معناه إن المرأة لا تولد أنثى بالمعنى التداوليّ التنميطيّ للكلمة، لكن المجتمع يجعلها كذلك.




ظهر اهتمام فرجينيا البالغ بقضايا المرأة في تلك المحاضرتيْن اللتين ألقتهما عام 1928 في جامعة كامبريدج والتي فيهما أطلقت مقولتها الشهيرة "إن النساءَ لكي يكتبن بحاجة إلى دخل ماديّ خاص بهن، وإلى غرفة مستقلّة ينعزلن فيها للكتابة." نُشرت المحاضرتان في الكتاب السابق ذكره وصدر عام 1929.

تناولت فيه تاريخَ مشروعٍ أدبيّ تحاول أن تكتبَه امرأة، وأشارت، للتدليل على التباين بين المتاح للرجل الكاتب والمتاح للمرأة الكاتبة، إلى "جوديث" أخت شكسبير وكيف أن الحَيف الذكوريّ أزاحها عما يفترض أن تكونه ككاتبة مرموقة انتصارًا لحقوق شكسبير(الذكر)، رغم إقرار الجميع بفطنتِها ونبوغها في الكتابة. أشارت أيضا إلى "جين أوستن" وكيف كانت تخبئ كتابتها بمجرد أن تسمع صريرَ مزلاج الباب. تلك الأمثلة، وغيرها مما ساقت فرجينيا في كتابها، تَخلُصَ إلى المبرر الإنسانيّ والعمليّ الذي يحتّم حصولَ المرأة الكاتبة على مُناخٍ يشبه ذات المناخ المتاح للكاتب الرجل: مثل غرفة مستقلة توفِّر قدراً من الخصوصيةِ للمبدعة، وأيضاً حقها في شيء من الاستقلال الاقتصاديّ. حيث لم يكن مقبولاً في عصر فرجينيا أن يكون للمرأة مالُها الخاص ولم يكن متاحاً لها أن تختار مصيرها على نحوٍ مستقل مثل الرجل. من أقوالها الشهيرة في هذا الكتاب: "كم من البغيض أن يُسجن المرءُ داخلَ غرفةٍ، وكم هو أسوأ، ربما، أن يُحرم من دخول غرفة مغلقة".



وتتعرض وولف في ذات الكتاب للعراقيل والممارسات الإجحافية التي تعترض تطوّر مشروع المرأة الأدبيّ والثقافيّ، وتحلّل الاختلافات بين المرأة بوصفها "شيئاً " أو "موضوعاً" يمكن الكتابة(عنه) وبينها كـ "مؤلفٍ أو كمبدع". أكدّت وولف أن ثمة تغييراً واجب الحدوث في شكل الكتابة بوجهٍ عام لأن: "معظم المنجز الأدبيّ كتبه رجالٌ انطلاقاً من احتياجاتهم الشخصية ومن أجل استهلاكهم الشخصيّ".


وفي الفصل الأخير تكلمت عن إمكانية وجود عقلٍ بلا نوع (أي لا يحمل السمةَ الذكورية أو النسوية ). واستشهدت وولف بمقولة كولريدج: "العقل العظيم هو عقل لا يحمل نوعاً، فإذا ما تمَّ هذا الانصهار النوعيّ يغدو العقل في ذروة خصوبته ويشحذ كافة طاقاته." وأضافت وولف: "العقل تام الذكورية ربما لا ينتج شيئاً أكثر من العقل تام الأنثوية."



"ثلاث جنيهات" 1938، وهي مقالة تناقش فكرة المساواة والدعوة للسلام وتعدُّ المقالة المتممة لمقالة "غرفة تخص المرء" وفيها تختبر إمكانية مطالبة النساء بإنشاء تاريخٍ خاصٍّ وأدبٍ يخصُّ المرأةَ وحسب.



ككاتبة مقالات، كانت فرجينيا وافرة الإنتاج حيث نشرت حواليّ 500 مقالة في دوريات ثقافية وكتب، بدايةً من عام 1905. اتسمت مقالات وولف بالطابع الحواريّ والتساؤليّ الذي يجعل من القارئ مُخاطَباً ومطالباً بالإدلاء برأيه أكثر منه متلقياً سلبيّاً. اعتمدت مقالاتها الملمح الجدليّ حيث تخفت نبرةُ المؤلّف الذي يدلي ببيان للقارئ.



كان لفرجينيا وولف دورٌ اجتماعيّ بارز في مناهضة العنف كما كانت أحد الناشطين في حركات التحرّر النسائية وهذا ما أظهرته بوضوح في مقالاتٍ كثيرة، وكانت عضواً بارزاً في جماعة بلوومز بيري الأدبية. نُشرت مقالاتها النقدية والتحرّرية في ملحق التايمز الأدبيّ، أما مؤلفاتها فقد أصدرتها دار "هوجارث" التي أنشأتها وزوجُها الناقد والكاتب ليونارد وولف، تلك الدار التي بدأت بطابعة صغيرة يمكن وضعها على طاولة ثم تطورت حتى أصدرت مؤلفات مهمّةً لقامات أدبيةٍ عالية، كما أسلفنا.




* * *




يتبع
.
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)