عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2011, 11:15 PM
المشاركة 2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وهو يلقي أضواءً على جوانب من حياة فرجينيا ولف وفكرها وفنّها: صورة الحياة في بريطانيا أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية، نزعة الكاتبة النسوية في كتابيْها :" غرفة خاصة" (4)، و"ثلاثة جنيهات"، طفولتها وخلفيتها العائلية، علاقتها بزوجها ليونارد ولف، مقالاتها وقصصها القصيرة، طريقتها في التأليف الروائي، انتحارها غرقاً في نهر أوز القريب من بيتها، مذكراتها التي دأبت على كتابتها منذ سن الخامسة عشرة. وكلها أمور ضرورية لفهم رواياتها الكبرى التي أحلّتها مكاناً رفيعاً بين روائيي النصف الأول من القرن العشرين.



"رواية لم تُكتبْ بعد" (5) – مثل أغلب أعمال فرجينيا ولف – قصيدةُ نثرٍ متطاولة، وجوهرةٌ محكمة الصنع أحسنَ الصائغُ نحتها، ولكنها – إلى جانب إنجازها التقني، (6)، بل قبل ذلك- رحلة في أعماق النفس، تصطنع منهجَ المونولوج الداخليّ وتتوسل بتدفق تيار الشعور والصورة الشعرية المحلّقة والأسلوب الانطباعي إلى الغوص على أعماق الشخصية، وما تموج به من صفاءٍ وكدَر، وما يعتريها من تقلّبات متصلة.


هذه روائية مرهفةُ الحس، حادّة الذكاء (كان عارفوها يخشون سخريتَها اللاذعة)، مصقولةُ الأسلوب، مدربةُ الحساسية، تستحق أن يُذكر اسمها – في نَفَسٍ واحدٍ – مع عمالقة الرواية السيكولوجية من أمثال هنري جميز، وكونراد، وجويس، ولورنس، وبروست.


هذا – في تصوّري – كتابٌ يقدّم للقارئ متعةً ثلاثيّة:


فهناك أولا فنُّ فرجينيا ولف القصصي الذي يمتاز بتقمصّه دخائلَ النفسِ وقصدِه في التعبير وخلوّه من الزوائد والحواشي.



وهناك ثانيًّا تقدمة فاطمة ناعوت الجامعةُ بين سعةِ المعرفةِ بموضوعِها والقدرةِ على تقمّص خبرةِ الكاتبة على نحوٍ يجعلُ من التقدمة أثراً فنيّاً، بحقِّه الخاص، ليس فيه دوجماطيّة النقاد الأكاديميين، ولا سطحيّة النقاد الانطباعيين.



وهناك ثالثاً قصة فرجينيا ولف في ثوبها العربيّ الراهن، حيث جاورت المترجمة فيه بين أمانة النقل مع طلاقة الأداء.



في مؤتمر "الترجمة وتفاعل الثقافات"، الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة على امتداد أربعة أيام من 29 مايو -1 يونيو 2004، ألقتْ فاطمة ناعوت بحثاً بعنوان " ترجمة الشعر: فعلُ إبداع". وأحسبُ أن دعواها في هذا البحث يمكن أن تنسحبَ على كافة ألوان الترجمة الأدبية سواءٌ كان النصُّ المترجَم قصيدةً أو روايةً أو قصةً قصيرة أو مسرحيةً أو مقالةً. ولأن قصة فرجينيا ولف – كما أسلفتُ – تدخل، بمعنىً من المعاني، في باب الشعر المنثور، فقد حرصتْ المترجمة على أن تمتصَّ جزءاً من الطاقةِ الشعريّةِ للنصّ، وسعتْ إلى أن تَخرجَ بإبداعٍ موازٍ، لا مجردَ تابعٍ ذي درجة أدنى. وسيجد القارئُ – الذي يتجشّم جَهدَ معارضةِ ترجمتِها على الأصل – أنها قد وُفقَّتْ في مسعاها وأضافتْ إلى اللغةِ العربية – شأن الصانعِ البارع – جوهرةً صغيرةً محكمةَ الصُنْع.



هوامش:



1. فرجينيا ولف (1882-1941)، أديبة إنجليزية، ابنة السير لزلي ستيفن محرر "معجم السير القومية"، في 1912 اقترنت بليونارد ولف، وهو صحافي وكاتب. كانا يديران مطبعة هوجارث التي نشرت أغلب كتبها. أدرك الناس أن روايتها الأولى "الرحلة البحرية إلى الخارج" 1915 عملٌ مرموق، وسرعان ما أردفت النجاح الذي لاقته برواية "الليل والنهار" 1919، ثم رواية" غرفة يعقوب" 1922. في هذه الأثناء كانت قد نشرت تجارب أخرى عديدة مكتوبة على نحو جيد، جمعتها في كتابها المسمى "الاثنين أو الثلاثاء" 1921. وبهذا الأسلوب الجديد كتبت رواياتها التالية: مسز دالواي 1925، "نحو المنارة" 1927، و– إلى حدٍّ ما – "أورلاندو" التي تعد "سيرة" 1928. من بين رواياتها الأخيرة نالت رواية" السنون" 1937 استحسان النقاد(وكانت دائمة الجدل معهم). بدلاً من أن تكتب روايات تستخلص أفكار شخوصها مما يقولونه أو يفعلونه، أو تقدم تسجيلا لأفكار أفرادها نستشف منه طرازهم، اختارت أن تكتب روايات يتكشف الفكر فيها على نحو دقيق إلى الحد الذي تفقد معه الكلمات والأفعال كثيراً من أهميتها. تكمن قيمة كتبها – جزئياً – في فهمها لهذه الشخصيات التي تكتب عنها، وجزئياً في التوفيق الذي كان يصاحبها في استخدام الكلمات. جعلتها هذه المزايا من أحسن نقاد الأدب في زمانها، وقد نشرت مقالات نقدية هي: القارئ العادي 1925، القارئ العادي(الجزء الثاني) 1932. غرقت قرب لويس بمقاطعة سسكس في الثامن والعشرين من مارس عام 1941، وأثبت قاضي التحقيق في الوفيّات أنها انتحرت. (انظر دائرة المعارف البريطانية – مجلد 23 –ص 733، جامعة شيكاغو، طبعة 1945).



2. فاطمة ناعوت، شاعرة ومترجمة مصرية من جيل التسعينيات. حاصلة على بكالوريوس الهندسة المعمارية جامعة عين شمس. لها أربعة دواوين شعرية من قصائد النثر: "نقرة إصبع" –الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة كتابات جديدة 2002، "على بُعْد سنتيمتر واحد من الأرض" – في طبعتين عن دار ميريت ودار كاف نون 2002، "قطاعٌ طوليّ في الذاكرة" – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003، "فوق كفِّ امرأة" عن وزارة الثقافة اليمينة، ولها تحت الطبع ديوان " نصف نوتة"، و. وفي مجال الترجمة لها أنطولوجي "مشجوجٌ بفأس" – سلسلة آفاق عالمية، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2004، مجموعة قصصية بعنوان "المشي بالمقلوب" عن منشورات وزارة الثقافة اليمينة بصنعاء. ولها قيد الطبع ديوان شعر بالإنجليزية بعنوان "Before the School Shoe Got Tight".



3. انظر ترجمة مقالة "السيد بنيت والسيدة براون" في كتاب "نظرية الرواية في الأدب الإنجليزي الحديث"، بأقلام هنري جيمز وجوزيف كونراد وفرجينيا ولف و د.هـ. لورنس و برسي لبوك، ترجمة وتقديم د. إنجيل بطرس سمعان، مراجعة د. رشاد رشدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994،( يضم الكتاب مقالة أخرى مهمة لفرجينيا ولف هي "الرواية الحديثة" 1919).
وجدير بالذكر أن ثلاثاً من روايات وولف الكبرى قد تُرجمت إلى العربية:" مسز دالواي" و" إلى المنارة" و "الأمواج"، وبعض مقالات و أقاصيص لها، مثل أقصوصة "بيت مسكون". وهناك: القارئ العادي: مقالات في النقد الأدبي، وترجمة د.عقيلة رمضان، مراجعة د.سهير القلماوي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر 1971. و: غرفة تخص المرء وحده، ترجمة د.سميّة رمضان، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة 1999. وللدكتورة عقيلة رمضان دراسة باللغة الإنجليزية عن "روايات فرجينيا ولف الرئيسية" (مكتبة الأنجلو المصرية). وحديثا أصدرت سلسلة روايات الهلال ترجمة لرواية مايكل كاننجام "الساعات" وهي عن حياة فرجينيا ولف.



4. لا أوافق – لأسباب لغويّة – الدكتورة سميّة رمضان على ترجمة عنوان كتاب فرجينيا ولف "A Room of One's Own " إلى "غرفة تخص المرء وحده". فالمرء لا تطلق إلا على المذكر (مؤنثها: امرأة). ومدار الكتاب كله حاجة المرأة الموهوبة إلى غرفة خاصة بها ودخل سنوي يكفل لها التفرغ للكتابة.




5. نشرت الرواية لأول مرة في 1921 بين دفتي مجموعة من القصص القصيرة "الاثنين أو الثلاثاء".



6. يقول أحد نقاد فرجينيا ولف (ضاع مني اسمه –أو اسمها– منذ ترجمت كلماته هذه منذ سنوات، واحتفظت بها بين أوراقي) في تقدمة لطبعة حديثة لإحدى رواياتها: "لعل أبرز ما يميز إنتاج فرجينيا ولف هو تكنيكها الباهر، ذلك التكنيك الذي يشبه تكنيك هنري جيمز وبروست من حيث الحذق الانفعاليّ والتفسير المركب للحالات النفسية. إن روايتها المسماة "العلامة على الحائط" بمثابة عرض تطبيقي لمنهجها هذا: فهي تدع الشيء ثابتاً، وتجعل العقل يدور حوله وحول كل التداعيات التي يستثيرها، محققة ذلك بمرونة اللاعب الرياض وانطلاقه. ومنهجها هو المنهج الذي سبق لبروست أن طوره قبلها بسنوات، والذي يتضمن توازنا بالغ الدقة من حيث الانتباه: فهناك، من ناحية، رهافة الحس باللاشعور، وحركة الفكر أو الانفعال من ثمة. وهناك السيطرة الذهنية على ذلك الحس من ناحية أخرى. إنه منهج قريب من التحليل النفسي، مع اختلاف واحد هو أن الموضوع والمراقِب المتحكم يغدوان عندها شخصا واحدا. إن بروست في روايته " في ظل الفتيات الشابات بين السطور"، يصف فن ألبستر، مشيراً إلى علّة وجود" هذا المنهج : ألا وهي تحرير الحواس من الكبح الذي تفرضه المواصفات أو العادة على الانطباع، وتمكين الفنان من أن يقدم الشيء تقديما يتسم بالوضوح وجمال الجدة في عين الوقت، كأنما نراه لأول مرة.





ولعل خير ما يمثل تكنيك فرجينيا ولف هو الصفحات الأولى من روايتها "غرفة يعقوب"، خصوصاً حين تصور انطباعات الطفل عن الرمال والبركة بين الصخور، والصانعين المستغرقين في النوم، والسفينة: وهي الانطباعات التي تقدمها الكاتبة بتضارب ظاهري، محدثة فينا تلك الهزة التي يستثيرها التقاء المرء بشيء ما لأول مرة. وتركز الكاتبة الأحداث في بؤرة واحدة بنفس القدر من الذكاء والمفاجأة اللذين لا يفتآن ينتقلان من شيء إلى شيء إلى شيء، كأنما تنظر في منظار سحري. تقول الفنانة: انظر أولاً، ثم اربط بين المرئيات ثانياً. وهكذا ففي وصفها دمعة مسز أمبروز في "الرحلة البحرية إلى الخارج"، نرى أولاً – كأنما من خلال غمامة – الدمعة المستديرة المرتعشة.




* * *


تقدمة المُترجِمة

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)