عرض مشاركة واحدة
قديم 07-23-2011, 07:57 PM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا (عاطل) وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها :

وهذه هي الفقرة السابعة ( 7 ) والأخيرة في القصة ( فهل يا ترى هناك علاقة كودية بين سن الفتاة الصغيرة في المطعم والتي عمرها ( 7 ) سنوات و عدد فقرات القصة السبعة؟ أم هي مجرد صدفة؟ أم أن العقل الباطن إذا ما عمل بطاقات البوزيترون يكون له قدرات مهولة على توليد نصوص كودية مهولة لا يمكن إدراكها بالعقل الواعي ؟ وهذا هو نص الفقرة السابعة:

ع


أكمل طريقي بعد دفعي لحسابي متأخراً بعد خروج الفتاة.. أصل البيت وأدخل المفتاح بثقل لأتفاجأ بالخادم يسبقني بفتح الباب لي, ولأجد أبي يستعد للخروج, والخادمة تقدم له فنجان القهوة السوداء الثقيلة.. يشير إلي والفنجان في فمه, ويقول بعد رشفة سريعة: (جهز نفسك ستذهب معي الليلة لعشاء وزير العمل).. زوجة أبي الثالثة تجلس على الأريكة, تبتسم باتجاهي كقطة فارسية سمينة.. قدمي تحكني.. سحقا ً.


ويلاحظ أن هذه الفقرة تبدأ بحرف كودي آخر هو حرف العين (ع) وهو غير مكرر مثل حرف الطاء، وهو الحرف الأخير من كلمة (عاطل) إذا ما كتبت بالمقلوب.
وهنا يتطور الحدث باتجاه آخر ويتغير المشهد فجأة فنجد القاص قد حشد سبع (7) شخصيات دفعة واحدة ( الفتاة، الخادم، الخادمة، والأب ، وزوجة الأب، ووزير العمل ، والقطة الفارسية، والبطل نفسه)، رغم أن البطل يظل هو الشخصية الرئيسة ومحور الحدث.
كما أننا نجد أن المشهد هنا يعج بالحركة والحيوية على عكس حالة البطل المتثاقلة، ونجد القاص يكرر كلمات توحي بالحركة 17 مرة، وهي (أكمل طريقي، دفعي، خروج ، أصل، وادخل، يسبقني، فتح، للخروج، تقدم، يشير، رشفة، سريعة، جهز، ستذهب، العمل، تجلس، تحكني). وهو عدد هائل من الكلمات في فقرة تحتوي على 62 كلمة فقط.
ولكن هذه الحيوية التي تضفيها كلمات تنم عن الحركة ليست عنصر الجمال الوحيد في النص، فالقاص يكرر هنا ذكر الألوان أيضا ( القهوة السوداء ، الليلة)، ويحشد عدد من الكلمات التي توقظ الحواس وترتبط بها ( فمه ، يقول، رشفة، تبتسم)، وفيها استخدام للأرقام ( حسابي ، الثالثة)، والنقائض ( خروج + دخول، يثقل+ يسبق، ثقل+ سريعة، العمل + عاطل ). ونجد أيضا أن الفقرة تشتمل على كلمات عديدة تحتوي على حرف السين ومشتقاته الصاد والشين حيث تتكرر هذه الحروف 16 مرة ليظل سحر موسيقى حروف الهمس هذه هى المسيطرة ويستمر وقعها المؤثر في نفس المتلقي بنفس الحدة والقوة.

ونلاحظ أن البطل عندما يعود إلي البيت يحاول إدخال المفتاح بتثاقل ربما لما يعاني به من إحباط وكآبه وظنا منه أن من في البيت لا بد أنهم نيام، لكنه يجد أن الخادم يسبقه في فتح الباب ليدخل فجأة إلى حيز ملئ بالنشاط والحركة، ( فالخادم يسبقه في فتح الباب، والخادمة تقدم لوالده فنجان قهوة، ووالده يرتشف منه رشفه سريعة ويتحدث عن لقاء ليلي مع من؟ مع وزير العمل...وهنا لحظة الانقلاب فهذا الـ (عاطل ) ذاهب إلى لقاء وزير العمل على العشاء..ولا شك أن في ذلك سخرية مقصودة من قبل القاص أراد بها أن يسلط الضوء بكثافة وقوة على حال هذا العاطل من خلال تسخير النقائض وهذه المرة وزير العمل!
ولكن الحدث لا ينتهي هنا فبطل القصة والذي اخبرنا أن قطة لم يعرف ماذا تريد ، كانت قد اقتربت منه واحتكت بقدمه وهو يسير في بداية الطريق في ذلك الصباح، واخبرنا انه قد ركلها في اتجاه معاكس له، نجده هنا في مواجهه مع زوجة والده الثالثة والتي كانت تجلس على الأريكة وتبتسم باتجاهه كقطة فارسية سمينة فيشعر بقدمه تحكه...فيردد كلمة (سحقا).. لكننا لا نعرف على وجه التحديد ما هو التصرف التالي حيث ترك القاص النهاية مفتوحة ليترك المجال للمتلقي أن يتصور لنفسه كيف سارت الأحداث بعد ذلك. ولا شك أن النهاية المفتوحة يكون لها وقع مؤثر على مخيلة المتلقي فتترك القصة أثرا يدوم بعد الانتهاء من قراءتها. وعدد هائل من الأسئلة التي تظل تحوم في فضاء الدماغ للمتلقي!! مثلا :
- ما مغزى استخدام حروف العنوان (عاطل) مقلوبة للفصل بين الفقرات؟ ولماذا كرر الكاتب بعض حروف الكلمة (ل مرتين +أ ثلاث مرات) ولم يكرر الأخرى (ع + ط)؟ وما دلالة ذلك؟
- ما دلالة الشعرات البيضاء التي ظن بطل القصة أنها موجودة في رأسه؟
- ما دلالة مشهد احتكاك القطة بقدم بطل القصة في الفقرة الثانية ؟
- هل قصد الكاتب أن يقول لنا بأن مصير الزوجة الثالثة عند البطل سيكون مثل مصير تلك القطة وهو الركل طبعا باتجاه بعيد عنه؟
- ما الغرض من إدخال شخصية الفتاة التي تلبس عباءة فضفاضة؟
- ما دلالة تفكير بطل القصة في أن يدفع حساب الفتاة؟ وهل يكون الـ عاطل قادر على الدفع إذا لم يكن ميسور الحال؟
- ما دلالة العشاء مع وزير العمل سوى انه سخرية أراد القاص بها أن يبرز المعنى بتسخير النقائض ( عاطل + عمل )؟
- لماذا تفاجأ البطل عندما سبقه الخادم في فتح الباب؟
- ما سر الرشفة السريعة لوالد البطل في القصة؟ وهل لها دلالة تشير إلى طبيعة العلاقة بين الولد وأبيه؟ وان سر عطل الولد يكمن في انشغال أبيه الذي لا يملك الوقت لشرب القوة على روية؟
- هل يعالج القاص في القصة مرضا اجتماعيا وهو -معاناة الشباب في ظل مجتمع من الرفاه والوفرة المادية- وكأنه أراد القول "الوفرة مفسده
- أم هل أراد القاص أن يوصل لنا الرسالة التالية:" البطالة مرض ...توصل إلى الكآبة والانتحار ربما

أخيرا، ربما يكون القاص مبارك الحمود قد كتب قصته ( عاطل ) بوعي وتخطيط مسبق وهدف ورسالة معينة، وعرف مسبقا أين يريد أن يصل بنا. وهو حتما نجح في جعل القصة تنبض بالحيوية والجمال والألوان، من خلال تسخير فنيات الكتابة المبدعة والبليغة، وتمكن من رسم مشهد يتناسب مع طبيعة الشخصية.
كما انه تمكن من بناء قصة مكتملة العناصر من الناحية الفنية ( مدخل بليغ ينم عن حركة، حبكة تساند الأحداث فيها بعضها بعضا، وفضاء زماني ومكاني محدودين ومناسبين، وشخصية رئيسية واحدة مكتملة البناء وقد بُنيتْ بأحتراف، وشخصيات ثانوية مساندة، جو النص يتناسب مع طبيعة الشخصية، التكثيف، تسخير التفاصيل، اللغة المتناسبة مع الحالة النفسية للشخصية الرئيسية، لحظة الانقلاب، والنهاية المفتوحة ) .

لكن الأهم من ذلك كله هو تلك السمة والرموز الكودية التي امتلأت بها القصة من مطلعها إلى آخرها، وفي ذلك ما يشير إلى أن لحظة ولادة النص عند الكاتب مبارك الحمود هي أشبه ما تكون بلحظة الوجد حيث يتولى العقل الباطن بقوته اللامحدودة وطاقاته البوزيترونية العمل فيخرج النص ويولد بتلك الصورة الفذة وتلك الصفة الكودية التي تحمل على معاني مستقبلية، رغم أنها تعالج موضوعا آنيا.

يتبع،،