عرض مشاركة واحدة
قديم 07-21-2011, 08:38 AM
المشاركة 28
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها :

وهذه الفقرة السادسة وقبل الاخيرة تبدأ بنفس الكود المكرر في الفقرتين السابقتين وهو حرف الألف (أ) وفيها يدرج القاص مزيد من الأرقام ويا لسحر الأرقام هذه اللغة الكودية التي تزيد النص رمزية وغموض ودلالات كونها لغة الكون... هذه الفقرة تتكون من 51 كلمة وتنص على ما يلي:
" أ
سته ساندوتش, 3فلافل بطاطس بدون سلطة, وكثر الكاتشب, ووحدة بدون كاتشب" بالكاد يسمع صوت الفتاة.. "أبي ببسي معاها" تقولها الصغيرة بعد فترة من الوقت, "ببسي على الصبح, سوينا حليب بالبيت يكفي" تهمس أختها كاظمة غضبها, وهي تشد مريول الطفلة من الكم.. أفكر أن أدفع عنهم لكني خائف من ردة الفعل..

ويبدو أن أهم عنصر من عناصر الجمال في هذه الفقرة هو إدراج مزيد من الأرقام فيها، فبالإضافة إلى الرقم 7 الذي ذكره القاص في الفقرة السابقة نجده هنا يذكر الأرقام (6 ، و3 و 1)، لكن الفقرة لا تقتصر على ذلك، بل فيها حشد من الكلمات ذات الدلالة، فكلمات (يسمع، صوت ، وتقولها ، وتهمس، وتشد)، فيها استثارة لحاسة السمع واللمس لدى المتلقي. أما كلمات ( غضبها ، وخائف ) ففيها استثارة للمشاعر والأحاسيس. كذلك نجد أن القاص يسخر النقائض (بدون + كثر ، تشد + أدفع ، الفعل + ردة الفعل). كما نجد القاص قد حشد عدد من الكلمات التي ترتبط بألوان متعددة ( سلطة، كاتشب، ببسي، حليب، مريول، الصبح بلونه ألفجري ) وكأنه يستحضر الألوان الأخضر والأحمر والأبيض، والنحاسي. وهو ما أضفى على النص مزيد من الجمال والسحر وكأن الكاتب لا يكتب قصة وإنما يرسم لوحة فنية تملؤها الالوان.

لكن عنصر الجمال الأهم في الفقرة فهو تكرار حرف السين ومشتقاته الشين والصاد 15 مرة في هذه الفقرة التي تحتوي على 51 كلمة ، (لاحظ العلاقة الكودية بين الرقمين 15 + 51 ) وهذه الكلمات ( سته ، ساندوتش, بطاطس ، سلطة، الكاتشب,كاتشب، يسمع، صوت، ببسي، الصغيرة، ببسي، الصبح, سوينا ، تهمس ، تشد )، والمعروف أن حرف السين بموسيقاه الساحرة هو من أحرف الهمس "سيناً أو شيناً أو صادا" ، وقد استخدمه البحتري، كما يقول الشاعر عمر أبو غريبة ،"حين دخل إيوان كسرى طريدا، خائفا، خاشعا، معتبرا"، والمعروف أيضا أن من صفات حرف الشين ( التفشي)أي هو انتثار الهواء عند خروجه من الفم وهو غالبا ما يستخدم بهدف التعبير عن الحسرة والحزن والكآبة، واستخدام هذه الحروف له وقع مهول على أذن السامع حيث يتأثر المتلقي لحال قائل هذه الحروف وهو هنا بطل القصة .

وذلك يتناسب حتما مع حالة البطل النفسية، والتي يغلب عليها الكآبة والحزن والتردد والشعور بالفراغ، ولكننا هنا نكتشف انه يتحسر أيضا لرؤية تلك الفتاة التي يحبها لكنه لا يجرؤ ( يخاف ) على مخاطبتها أو التحدث معها، ربما لأنه عاطل، رغم أن هناك ما يشير إلى أن ذلك الشعور ( الحب) متبادل، والدليل أنها مثل البطل تشرب الحليب صباحا، وتهمس حين تتكلم وتتصرف بخجل ودلال.
والدليل الآخر هو ما حل به ( البطل ) من اضطراب عندما رآها ثم طلبه لشطيرة ثانية بعد أن قرر العزوف عن ذلك، بهدف إطالة مكوثه في حضرتها، ثم تفكيره في أن يدفع عنها الحساب لكنه لم يفعل لخوفه من ردة الفعل.

وعليه فإننا نجد أن هذه الفقرة جاءت متناسبة مع الحالة النفسية لبطل القصة، وقد سخرها القاص أيضا بهدف استكمال بناء شخصية البطل باحتراف وفنية مشهودة، رغم انه تحدث بتفاصيل دقيقة جدا عن تلك الفتاة وعن المشهد، ولا ننسى أن الاهتمام بالتفاصيل الوصفية دون التأثير السلبي على التكثيف في القصة له سحر مهول أيضا وهذه الخاصية تحديدا هي ما جعل همنجوي كاتبا عظيما، ويتضح لنا أن وجود الفتاة في المطعم كان يهدف إلى مزيد من التعريف بشخصية البطل وبما يدور في نفسه من مشاعر وأحاسيس ومخاوف، ولا شك أن ذلك مؤشر على براعة القاص وقدرته على البناء الفني الجميل والبليغ والمؤثر.

يتبع ،،