الموضوع: كشكول منابر
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-14-2020, 06:21 PM
المشاركة 2563
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: كشكول منابر
يا زارع النور...

قصيدة نهاية الخدمة في الحقل التربوي.

الإهداء: إلى معلمي زارع النور في قلبي:

محمد العفيف رحمه الله.

يا قاعةَ الفصل ، يا بيتي ، وعنواني...
ما أقصر العمرَ بين الآن والآن! ...

واكبتِ درسي ، وتدريسي ، وتجربتي،
في أن أفيد ببعض النّصح إخواني...

إنّي لأذكرُ طفلا ثائرا غَضِبا،
في دربكِ الحرّ ، تستهديه أختان:

"عد يا نجيب ، فأمّي عندها رُطَبٌ"
"عد، فالمعلم لا يُعنى بصبيان"...

لم يرجع الطّفل ، لم تُخدع فراستُه،
فالقسم روض ، وعطر الرّوض ناداني...

وقفت بالباب ، والأشواق تغمرني...
لمّا رآني حبيب القلب حيّاني.

كم كان فذّا ، يُحيط النّورُ طلعته...
هذا ملاكي ، وهذا فارسي الحاني.

وجه صبوح ، سبى عقلي وأوردتي....
واجتاح جذري وسيقاني وأغصاني....

لو ألتقيه بهذا اليوم، أمنحه
انتاجَ عمري ، وأملاكي ، وتيجاني.

هذا المعلم يا إخوان هيّأني
للإنطلاق إلى الدنيا بإيمان....

***

ياقاعة الفصل ، كنتِ خير بنيانِ...
كنّا نجيئك من كوخ و وديان....

كانت ظروفٌ من الحرمان تجعلنا،
نسعى بجهد إلى إلغاء حرمانِ...

نقتات بالعلم من عقل به رشد،
تحوي ثناياه أنْهارا لعرفان....

كان المعلم في أريافنا بطلا....
والكأس والفخر في تنوير إنسان.

لو يبسَم الوجه أعلو للسّما طربا،
أو يعبس الوجه أهوي نحو خذلان.

ما كنت أخشاه في القسم وأرهبه،
بل كنت أهواه مبهورا بإدمان...

مازلت لليوم مسحورا بروعته،
من قاوم الجهل كي يرقى بأذهان.

لا أفضح السّرّ ، أو أفشي مجاملة
لو قلت أنّي مدين ، وهو ديّاني...

يا زارع النور في قلبي وفي خلدي
هل نعمة النور تُحصى ضمن أوزان؟

ليس المعلم إلا رمز نهضتنا،
جازوا المعلم إحسانا بإحسان.

***

يا قاعة الفصل هل يطويك نسياني؟
في كل ركن من الأركان ألقاني...

هنا شممت عطور الحبر منتشيا...
هنا ترشقت بالطبشور خلاني.

هنا حُظيت بتكريم على ألقي...
هنا ضُربت لتقصيري و نسياني.

هنا تجاوزت أقراني بلا تعب....
هنا انهزمت وما جاوزت أقراني.

هنا المسائل كانت لا تطاوعني...
هنا القواعد أعيتني بعصيان.

كان المعلم فانوسي إذا نضبت
أضواء زيتي ، وكان الدّاعم الباني.

كنا صغارا ، ولكن بين أضلعنا
توقا لعزّ ومجد لا يُرامانِ...

إنّي لأذكر في فخر وفي عجب...
كيف استفاضت بدمع الحزن عينان !

حين استعادت فرنسا بعض أربعنا،
واستدرجتنا إلى قتل وإذعان....

كنت ابن تسع، هفا للذّود عن شرف
كم كنت أشتاق أن أجتاح ميداني!

بِنْزَرْتُ كانت تناديني ويا لهفي.
ما كنت أسطيع إلّا عضّ أسناني....

شاركت في موكب الشجعان مختفيا،
فاستبعِد الطفل عن دورٍ لشجعان.

***

ياقاعة الفصل عند الموعد الثاني...
لم ألق طيبا ، ولا عطرا لريحان.

كل الميادين لا يخفى تطورها،
وأنت والصّخرة الصّمّاء سيّان.

نفس المقاعد ، بل صارت مسوّسة،
يحلو لها الرقص من تحريك سيقان.

لم ألق أني بنفس الوضع من سلفي،
كان السعيد، وما فارقت أحزاني.

ما خطط الناس في تحسين مدرستي،
بل خطط الناس في التقليل من شأني.

الرّاتب الضحل لا يحنو على تعبي،
والجوع والفقر صارا بي يطوفان...

الغَوْا طموحي وحالوا دون أمنيتي،
كأنما المئزر المبيضّ أكفاني...

ماذا أقول عن الإصلاح يالهفي!
يهوي إلى العار في إرضاء سلطان.

كيف السبيل لأن ترقى مناهجنا،
والفارس الحق لا يدعى لإتقان؟

***
ياقاعة الدرس ، تربو فيك أشجاني
هل في رحابك نلقى دفء أحضان؟

العش للطير محراب بروعته،
وأنت للطفل أنقاض لقيعان.

لو أنصفوا الطفل لاهتموا بسيده،
واستقدموا الفصل من جنات رضوان.

كل الخلائق تعطي من غرائزها،
والنّاس يحصون في منّ ورجحان.

البيت أضحى بتكييف وتدفئة،
والفصل يبقى كما يبقى لأزمان.

***

يا قاعة الفصل عذرا عن مجادلتي،
أدعو لمجدك في جهري وإبطاني.

إنّي المغادر ، أستبقيك في دعة
لو مسّك الخير ، أمن الله يغشاني...

ما يثلج الصدر أن ألقاك باذخة
إشعاعك النور ، يغزو كل ميدان....

أستودع الله صرحا يحتوي أملا،
في أن نصير إلى مجد بأوطان.

***

يا قاعة الفصل ، يا بحري وشطآني...
بادت قلاعي ، وذا التجديف أعياني.

في فترة النصح ما نفّذت خارطتي،
فالنصح والوعظ ألفاظ لِتِبيان...

وضع الرّقابة والتنظير أحرجني،
بعض الأحبّة ، رغم الوُدّ عاداني...

قبل التفقد ، ألقى الشغل منتظما،
بعد التفقد ألقى شغلنا الفاني...

جاء الرقيب ، ترى في القسم ملحمة،
غاب الرقيب ، سباني خبث شيطاني...

ان الرقيب ضمير بين أضلعنا...
ربٌّ يراني ، ولا تخفاه ألواني...

نهج الكفايات لم يصنع مقاربة،
تهدي إلى البذل في صدق وإمعان.

قلبُ المعلم ، ذا يحتاج تنقيةً...
لو أخلص القلبُ ، يُروى كل ظمآن.

لن ينفع النصح والإرشاد من جُبِلوا
على التذمّر من ضعف ونقصان.

شغل المعلم أتعاب مكدسة،
لا ربح فيها، سوى منّ لرحمان.

الفصل ياسيدي محراب أدعية...
والدرس ياسيدي تمجيد منّان.

***

يا قاعة الفصل ، يسقي الكونَ تحناني
شوقي وودي، كنهرين يفيضان...

اطوار عمري مضت كالبرق مسرعة،
في كل عام أرى أفواج فرسان...

واليوم أغدو الى شيخوختي بأسًى،
يزداد عمقا ، وتعلو منه أشجاني.

أهل السياسة لم يعنَوا بكِ أبدا،
بل منك صاغوا شعارات لطغيان.

ما للطرائق من سحر يعاضدها،
تنظير قول ، بلا فعل وبرهان.

بعض المدارس تشكو همَّ عزلتها،
لم يفلح النور في تمزيق كثبان.

لو أنصفوها لصارت خير منتزهٍ،
يحوي جنانا ، ويحوي خير عمران.

ما من مكان بأرقى من قداستها
حتى المساجد ، حتى دور رهبان.

متى سنعطي حقوق الطفل كاملة
من غير مَنٍّ ولا نهب لقرصان ؟

متى سنختار للتعليم افئدة،
فيها من الحبِّ ...
طوفانٌ...
لِطُوفَانِ ؟...

رحمك الله يازارع النور....
وجمعنا بك في أرقى مراتب الجنان.
محمد نجيب بلحاج حسين.