عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2012, 11:17 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
· كيف تطورت علاقة المجلس العسكري بالثورة من التأييد إلى الخصومة

لابد من نقطة نظام وتأمل .. تفسر لنا التطور الخطير فى مواقف المجلس العسكري من الإحتفاء والترحيب إلى الضيق إلى المحاربة ..
الأسباب متعددة وإن كانت تحتاج تفسيرا جوهريا لتفسر موقف قيادات المجلس , ولا يستقيم الأمر إلا إذا خمنا ــ كتخمين شخصي ــ أن المجلس العسكري ليس على قلب رجل واحد فى الرؤي والأهداف , وإذا وضعنا بأذهاننا أن قرارات المجلس يتم إتخاذها بطريقة التصويت بين أعضائه وانتخاب قرار الأغلبية ..
فإن هذا سيؤكد ما ذهبنا إليه من أن المجلس كان يضم النوعين ..
نوع يؤيد الثورة ذاتها ويعتبرها الحدث الأهم والأحق برعاية القوات المسلحة , ونوع آخر يري الثوار تمادوا فى الإصرار على خلع مبارك دون أن يتم خلعه بطريقة غير مهينة ويتم غلق صفحته إلى الأبد وكفي ..
وفى الأيام الأولى للثورة كانت القرارات تنتصر دوما لصالح الجبهة الأولى المؤيدة للثورة , ولم يرتفع صوت معارضي الثورة كثيرا فى تلك الآونة ,
ولعل بعض الأحداث التى مررنا بها تجعلنا نخمن بعض أعضاء الجبهة المضادة للثورة المتمثلة فى اللواء ممدوح شاهين واللواء إسماعيل عتمان واللواء حمدى بدين واللواء حسن الروينى الذى يعتبر أكبر مجاهر بعدائه للثورة وفصائلها كما كان مدافعا عن مبارك نفسه وكان يري ضرورة خروجه مع ضمان عدم محاكمته وقد عبر عن هذا الرأى صراحة فى الميدان أمام الثوار يوم 10 فبراير عندما نزل إلى الميدان مبشرا المتظاهرين بتحقيق كافة مطالبهم شريطة ترك أمر المحاكمة جانبا ..

ويمكننا أن نرسم صورة تخيلية للمجلس فى أيام الثورة الأولى ووجهة النظر السائدة هى جبهة الثورة ضد جبهة المعارضين , واستمرت كذلك حتى يوم الإستفتاء ليتحول الأمر إلى انحياز المجلس لوجهات نظر معارضي الثورة نوعا ما وقد مرت الكفة متعادلة بين الجبهتين لفترة ما ..
ولم يتأخر الوقت كثيرا حتى نجح أعضاء جبهة رفض الثورة فى استعداء كافة قيادات المجلس على الثوار مستغلين مواقف شباب الثورة نفسها والمليونيات الضاغطة على المجلس التى نجم عنها محاكمة مبارك ونجليه , وكذلك إقالة حكومة شفيق وحل جهاز أمن الدولة وإقالة القيادات الصحفية غصبا وغير ذلك من الأمور التى كانت الثورة تطالب بها فى الميدان وتصر عليها ولا تقبل أن تترك المجلس يري رأيه فيها كما كان يتصور ..
هنا وجد أعضاء جبهة الرفض فرصتهم مواتية للغاية فى استعداء المجلس بأكمله على الثوار والإعلامين البارزين فى صفوف الثورة واعتبارهم مارقين ولا يقدرون الجميل ولا يحترمون المجلس الأعلى وقواتهم المسلحة فضلا على عدة أسباب أخرى لابد أنهم ساقوها كمبررات للمجلس تحثهم على الوقوف ضد أهواء الثوار ونزقهم الثورى كما يتصورون ..
واستغلت جبهة الرفض شيئا هاما للغاية وهى تطاول الألسنة على القادة حيث كان الثوار يأخذون أريحيتهم فى الحديث عن قيادات المجلس فساعد هذا جبهة الرفض على تكريس صورة الشباب النزق قليل الأدب على الثوار وأنه من المستحيل على قيادات المجلس أن تقبل أن يأمرهم ( شوية عيال ) لا يعجبهم شيئ ولا يعجبهم أحد

هذه هى الصورة التى وقع بها تطور الأحداث , فهل كانت مبررات المجلس كافية للإنقلاب على الثوار بهذا الشكل ثم الإنقلاب على الثورة ..
هذا يحتاج إلى بعض التفصيل ..

العلاقات بين المجلس الأعلى والثورة كانت فى شهر العسل فى فترة البدايات , وارجعوا لأرشيف الثورة , وبلغت شعبية الجيش والمجلس حدا خرافيا تكررت معه صورة أكتوبر 1973 م , وانتشي قادة المجلس بما حدث , و كانوا يرغبون بشدة فى الحفاظ على تلك المكاسب وتسليم السلطة والإحتفاظ للجيش بمكانة خاصة ظن المجلس أن الهيئات التشريعية لن تبخل عليه بها فى الدستور الجديد ..
بل إنهم تعاملوا فعليا على أن هذا الوضع الخاص حق مكتسب لهم مقابل مساندة الجيش للثورة , وهى وجهة النظر القاتلة التى وقع فيها أعضاء المجلس ولم يحسنوا أو يدركوا أن الشباب الثائر لن يقبل بهذا الوضع الذى يريده المجلس , ولن يقبل بإعادة إنتاج نظام مبارك مع ديمقراطية أسياد البلد التى أشبعنا نظام مبارك بها طيلة ثلاثين عاما
فالمجلس فعليا ــ وربما للآن ــ لم يقتنع إطلاقا أن هدف الثورة والثائرين هو الحياة الديمقراطية السليمة على غرار الدولة الحديثة وإنهاء عهد الدولة الأبوية وأساطير الرموز فى قيادة الدولة والعودة للمفهوم الصحيح فى النظرة لرجال الحكم على أنهم خُدام الشعب لا أسياده أو كباره ..
ووجهة النظر هذى طبيعية وتقليدية , وعدم استيعاب المجلس العسكري لها يعود إلى أن جيل الآباء كلهم لشباب اليوم ـــ كما سبق الشرح ـــ لم يفهموا طبيعة هذا الجيل الجديد من الشباب الذين يمثلون 60 % من تعداد السكان وخرجوا كافرين بكل شيئ سياسي بعد أن انغلقت أمامهم فرصة التواصل مع أجيال آبائهم وأجدادهم فضلا على ما لاقوه من التحطيم المعنوى على يد السلطة الغاشمة ..
وساهم إطلاع الجيل الجديد على نمو ثقافته وبوسائل عصره فسبق أجيال آبائه بمراحل ,
ولا زال جيل الآباء حتى لحظتنا تلك يستهولون جدا جدا ما حدث لنظام مبارك على يد هؤلاء الشباب , ويستغربون جرأتهم ــ وأحيانا يكرهونها ويعتبرونها إساءة أدب ـــ
تماما كما اعتبر جيل الآباء أن ما نادى به الثوار هو طامة كبري وشيئ أسطورى لم يتمكنوا من استيعابه لأن ثقافة تأليه الحاكم وتعظيمه مشربة فى النفوس منذ عقود , وقد نشأت أجيال الآباء على صفات الزعامة والريادة , وهذه مشكلة نفسية وإجتماعية لا تهدمها إلا الثقافة السياسية المستقلة ليدرك المواطن أن تعامله مع الحاكم ينبغي أن يكون كنظرته إلى موظف حكومى مكلف بخدمة الشعب فى إطار ما يجب على الدولة توفيره لمواطنيها , أما النظر إلي الحاكم باعتباره الزعيم الملهم أو حتى كبير العائلة فهى النظرة السقيمة التى ألقتنا فى ذيل الأمم بعد طول مجد ورفعة

وبنفس الشاكلة تعامل المجلس العسكري ..
فهو من ناحية يؤمن بأنه قدم للشعب خدمة كبري بانحيازه للثورة وهى وجهة نظر أقل ما يقال عنها أنها مغرقة للغاية فى تعظيم الذات حيث أن هذا الموقف ــ وفقا لأى مقياس ــ لم يكن بيد المجلس العسكري أن يخالفه فالجيش من ورائه لن يطيع اوامر القتل , وهذا ما اختبره المشير طنطاوى بنفسه خلال مروره على الضباط والجنود بميدان التحرير
كما أن صاحب الفضل هو الشعب وليس الجيش فهو الذى قام بالثورة وقدم تضحياتها , ولو أن هناك فضلا يُــقاس فهو للشعب على الجيش إذ وفر عليه مغبة الإضطرار لانقلاب عسكري على مبارك للإطاحة بمخطط التوريث ومنحه الشرعية الشعبية التى بمقتضاها تم طرد مبارك
ومن ناحية أخرى هو لا يستوعب طبيعة جيل الثورة وغرق تحت زعمه أن سيتمكن من استيعابهم تحت جناحه وأنهم لن يجرءوا على توجيه النقد له باعتبار أن ( دللهم على الآخر ) ومنحهم فرصة لقاء القيادات بل واستمع لرغباتهم ونفذها , فنشأت هنا وجهة نظر داخل المجلس العسكري تعتبر أى كلام للثوار بعد ذلك وأى اعتصامات هى من قبيل إساءة الأدب !!
فكان أن استهول المجلس العسكري ما حدث من الثوار واستنكر أكثر علو صوتهم وصيغة الأمر التى يتبعونها فى مليونيات ميدان التحرير لإعلان مطالبهم وانكشف للمجلس فجأة أنه كان غارقا فى الوهم عندما تصور أن جيل الثورة سلمه أمانة البلاد وغادر الميادين إلى شاشات التلفاز واكتفي بالثقة فى المجلس وقيادته وطريقته فى إدارة البلد ..
وهنا وقع المجلس الأعلى فى الأزمة النفسية الثانية ..
فالثقة كانت موجودة دون شك فى المجلس العسكري لكن المجلس نسي أن يتعامل فى ميدان السياسة لا ميدان القتال والدفاع عن الوطن , فخلط بين الأمرين ..
ففي حالة ميدان القتال تكون الثقة فى القيادة العسكرية مصحوبة بترك الحرية الكاملة لهم فى إدارة المعارك وعدم التدخل بالنقد أو حتى الاستفسار فى مجريات المعارك والإكتفاء فقط بالنتائج
أما فى حالة ميدان السياسة فالشعب تلقائيا هنا يعطى الثقة ولكن لا يعطيها بشيك على بياض بل يعطيها بعيون مفتوحة تُراجع كل إجراء وتستفسر عن كل خطوة , وهو ما اعتبره المجلس تخوينا له وتشكيكا فى قدرته على أداء مهامه , وبالطبع كان هذا الشعور ثقيلا للغاية على نفوس القيادات ولم يحتملوه , ولم يمنحوا أنفسهم فرصة لفهم الفارق بين ميدان القتال وميدان السياسة ..
ساهم فى ذلك أيضا إلى أن كافة أعضاء المجلس العسكري من ذوى البطولات فى حرب أكتوبر , والمشير نفسه هو المقاتل الوحيد بالجيش الباقي من الجيل القديم الذى خاض كافة حروب مصر وكانت له موقعة شهيرة للغاية فى معركة المزرعة الصينية ــ إحدى معارك حرب أكتوبر ـــ , ومقاتلو الجيش دائما وأبدا يعتبرون احترام الشعب لهذه التضحيات هو المقابل الذى يحصلون عليه تجاه مهنة كمهنة المقاتلين لا تكفيها أموال العالم لتقدرها لأنها مهنة التضحية والفداء
وداخل الجيش لا يمكن للمدنيين تخيل مدى احترام القادة وهيبتهم ــ بالذات مقاتلى أكتوبر ــ فهؤلاء فى الجيش مكانتهم كمكانة من شهد بدرا بين الصحابة
وبالتالى هم لا يتخيلون سقوط هذا الإحترام أيا كانت الأسباب
وكان هذا خلطا كبيرا وقعوا فيه ..
فكل من له تجربة سياسية مهما كان صغرها يدرك تماما أن اللعبة السياسية لا تعرف الإحترام وأنها قائمة أصلا على التشكيك والهجمات , وهذا الأمر هو الذى يدفع بمعظم نجوم المجتمع إلى العزوف عنها لما تحتويه من اعتداءات لفظية واتهامات وإشاعات ونحو ذلك ..
فمثلا عندما قامت سيدة بريطانية بقذف جون ميجور رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ببضع بيضات فاسدة , حكم القضاء البريطانى ببراءتها واعتبر فعلتها تعبير حاد عن الرأى تجاه سياسات الحكومة الخاطئة ..
واللهجة العنيفة التى استخدمها الشعب ضد سياسات المجلس العسكري لم تكن موجهة للمجلس بقدر ما هى موجهة لفشل سياساته , وهنا كان الشعب أكثر وعيا من قادته فى إدراك تلك النقطة التى لم يستوعبها القادة ولم يتخيلوا أن ثمن ممارسة السياسة والحكم فادحا إلى هذا الحد , ولم يقبلوا أو يتقبلوا فكرة انهيار مهابتهم الخرافية التى اعتادوها داخل الثكنات أو حتى خارجها من بين جموع الشعب فى فترة ما قبل تسلمهم السلطة ..
وتعامل العسكري مع سياسته الفاشلة تعامل الأب المفرّط مع ابنه الأكثر تفريطا فبدلا من أن يحسن تقويمه ليتفادى العواقب .. دافع عنه بالحق والباطل

وانقلب تقديرهم لشباب للثورة إلى حالة من الهياج والغضب الشديد دفعتهم إلى إخراج نفس طريقة النظام القديمة فى التعامل مع فصائل المعارضة الجادة ألا وهى إتهامات التخوين وزعزعة الإستقرار و .... الخ