عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-2016, 07:55 AM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
السفر الأول
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده: الحمد لله المميت ذي العزة والملكوت ملهم الأذهان إلى الاستدلال على قدمه ومعلمها أن وجوده لم يك واقعاً بعد عدمه ثم معجزها بعظيم قدرته على ما منحها من لطيف الفكرة ودقيق النظر والعبرة عن تحديد ذاته وإدراك محمولاته وصفاته نحمده على ما ألهمنا إليه وفطر أنفسنا من الإقرار بألوهيته والاعتراف بربوبيته ونسأله تخليص أنفسنا حتى يلحقنا بعالمه الأفضل لديه وبجواره الأزلف إليه ثم الصلاة على عبده المصطفى ورسوله المقتفى سراجنا النير الثاقب ونبينا الخاتم العاقب محمد خيرة هذا العالم وسيد جميع ولد آدم والسلام عليه وعلى آله الطيبين المنتخبين صلى الله عليه وعليهم أجمعين أما بعد فإن الله عز وجل لما كرم هذا النوع المرسوم بالإنسان وشرفه بما آتاه من فضيلة النطق على سائر أصناف الحيوان وجعل له رسماً يميزه وفضلاً يبينه على جميع الأنواع فيحوزه أحوجه إلى الكشف عما يتصور في النفوس من المعاني القائمة فيه المدركة بالفكرة ففتق الألسنة بضروب من اللفظ المحسوس ليكون رسماً لما تصور وهجس من ذلك في النفوس فعلمنا بذلك أن اللغة اضطرارية وإن كانت موضوعات ألفاظها اختياريةً فإن الواضع الأول المسمى للأقل جزأً وللأكثر كلاً وللون الذي يفرق شعاع البصر فيبثه وينشره بياضاً وللذي يقبضه فيضمه ويحصره سواداً لو قلب هذه التسمية فسمى الجزء كلاً والكل جزأً والبياض سواداً والسواد بياضاً لم يخل بموضوع ولا أوحش أسماعنا من مسموع ونحن مع ذلك لا نجد بداً من تسمية جميع الأشياء لتحتاز بأسمائها وينماز بعضها من بعض بأجراسها وأصدائها كما تباينت أول وهلة بطباعها وتخالفت قبل ذلك بصورها وأوضاعها ونعما ما سددت الحكماء إليه في ذلك من دقيق الحكمة ولطيف النظر والصنعة لما حرصوا عليه من الإيضاح وأغذوا إليه من إيثار الإبانة والإفصاح.
فأما التي تدل على كميتين مختلفتين منفصلتين أو متصلتين كالبَشَر الذي يقع على العدد القليل والكثير والجَلَلِ الذي يقع على العظيم والصغير واللفظة التي تدل على كيفيتين متضادتين كالنَّهل الواقع على العطش والرّيّ واللفظة الدالة على كيفيات مختلفة كالجَونِ الواقع على السواد والبياض والحمرة وكالسُّدفة المقولة على الظلمة والنور وما بينهما من الاختلاط فسآتي على جميعها مستقصىً في فصل الأضداد من هذا الكتاب مثبتاً غير جاحد ومضطراً إلى الإقرار به على كل ناف معاند ومُبَرِئاً للحكماء المتواطئين على اللغة أو الملهمين إليها من التفريط ومنزهاً لهم عن رأي من وسمهم في ذلك بالذهاب إلى الإلباس والتخليط.
وكذلك أقول على الأسماء المترادفة التي لا يَتَكثّر بها نوع ولا يَحدُثُ عن كثرتها طبع كقولنا في الحجارة حَجَرٌ وصفاةٌ ونَقلةٌ وفي الطويل طويل وسَلِبٌ وشَرحَبٌ وعلى الأسماء المشتركة التي تقع على عدة أنواع كالعين المقولة على حاسة البصر وعلى نفس الشيء وعلى الرَّبيئةِ وعلى جوهر الذهب وعلى ينبوع الماء وعلى المطر الدائم وعلى حر المتاع وعلى حقيقة القبلة وغير ذلك من الأنواع المقولة عليها هذه اللفظة ومثل هذا الاسم مشتَرَكٌ كثيرٌ وكل ذلك ستراه واضحاً أمره مُبيَّناً عُذَرهُ في موضعه إن شاء الله.
يتبع ... 3