الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
01-16-2014, 10:07 AM
المشاركة
1088
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,766
تابع... العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم
-43-
الحي اللاتيني
سهيل ادريس
لبنان
-
لقد
وظف الكاتب سهيل إدريس مجموعة من الشخصيات التي تتقابل فضائيا وحضاريا( الشرق
≠
الغرب)، وجنسيا( الذكورة العربية≠ الأنوثة الغربية)، ولونيا( الأسمر العربي
≠
الغربية الشقراء) لرصد التفاوت الحضاري والاختلاف الوجودي بين البيئة العربية
المكبلة بأغلال الحرمان والمنع والكبت والشذوذ والعقد والخلفيات المسبقة والعادات
والتقاليد المحافظة الموبوءة والبيئة الغربية التي تتسم بالتحرر والانعتاق والعلم
والإقبال على الحياة ولو في ثوبها المادي
اللاخلاقي
.
-
وإذا
كانت مجموعة من الروايات العربية روايات أفضية ومكانية مثل: روايات نجيب محفوظ
(
زقاق المدق)، وعبد الرحمن الشرقاوي( الأرض)، ومحمد عزالدين التازي( المباءة
-
المغارات...)، فإن رواية سهيل إدريس على الرغم من عنوانها المكاني لهي
رواية
الشخصية لاسيما الشخصية النموذجية
( بطل الحي اللاتيني)
التي تعيش مصيرا وجوديا من
خلال ثنائية الحرية والمسؤولية
،
الحرية في إثبات وجودها والارتواء من لذات الحياة
والاستمتاع بمباهج الدنيا ومعاقرة الخمرة والإشباع الجنسي
، والمسؤولية التي تكمن في
الثورة على الحرمان والتقاليد البالية والعادات المستنبتة في الشرق والرغبة في
النضال الوطني والقومي لتحرير الإنسان العربي من موروثات التخلف وقيود الكبت
والإحجام والانطواء النفسي حتى تصبح الذات العربية قادرة على الإبداع والابتكار في
مجتمع يقدس المرأة ويحررها إلى جانب الرجل حتى تساهم في العطاء والبناء الحضاري على
غرار المرأة الغربية
.
-
لقد خلق الكاتب
شخصية مركزية وهي البطل
واستتبعها بشخصيات ثانوية
تابعة لها مثل صبحي وعدنان وربيع وفؤاد وأحمد.
-
تتسم
هذه الشخصية بالفردية
والتشبع
بالفكر الوجودي
الذي اكتسبه في جامعة السوربون لاسيما أن هذه الفترة كانت فترة
الفلسفة الوجودية التي دعا إليها كل من سارتر وسيمون دوبوبفوار وألبير كامو، إذ قال
سارتر: إن الإنسان في هذه الحياة كممثل يؤدي دوره ثم ينتهي وجوديا، لذلك دعا إلى
حياة العبث واللاجدوى تحت شعار: افعل ما تشاء، حيث تشاء، ومتى تشاء. ( حرية الفعل،
حرية المكان، حرية الزمان). كما أن فلسفة سارتر تنبني على مرتكزين أساسيين هما
:
الحرية والمسؤولية
.
-
ويلاحظ أن
شخصية بطل الحي اللاتيني شخصية تعبر عن المؤلف الواقعي
:
الدكتور سهيل إدريس مما يعطي لهذه الرواية بعدا أطوبيوغرافيا(
سيرة ذاتية
)؛ لأن
الكاتب يرسم هذه الشخصية حسب قناعاته وأفكاره ومبادئه التي يؤمن بها حتى تتبدى لنا
شخصية نموذجية ومثالية بالمقارنة مع عدنان المتعصب دينيا وصبحي المستهتر أخلاقيا
وربيع التونسي المتطرف في مواقفه الوطنية والسياسية وفؤاد الملتزم بالدفاع عن قضايا
الوطن والأمة حيث تخلى عن عشيقته فرانسواز لاصطدام مواقفهما تجاه فرنسا وبطشها
الاستعماري.
-
ويجمع فؤاد بين هموم المرأة الجنسية والهموم الثقافية والفكرية
والنضالية، بينما يظل بطل
الحي اللاتيني بطلا معتدلا في أفكاره ووطنيته ومواقفه
تجاه الوطن والأمة والآخر لا يتشنج ولا يتعصب كالآخرين
، فلسفته الوجودية متوازنة،
وهذا ما يشير غليه كذلك الدكتور إبراهيم السعافين:"
-
فالشخصية المركزية هي الفكرة
المثالية، والشخصيات الأخرى إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكها
وتسويغ له
، وإما تبع لها تدور في فلكها، وتنطق باسمها، فوق أنها تلقي الضوء عليها،
وتكشف عن أبعادها.
-
وشخصية بطل الحي اللاتيني قد اختارت النوع الأول من الشخصيات
الثانوية حيث تبدو شخصيته قائمة على الاعتدال، فهو معتدل في فكره و معتقده، معتدل
في نزواته، معتدل في وطنيته، وحتى يلقى المؤلف الضوء على هذه القضايا، لجأ إلى
توظيف الشخصيات الثانوية التي تعد نماذج ابتدعها فكر المؤلف، لتحدد " نموذج
"
الشخصية المركزية.
-
وأما ما نسمعه على ألسنة جانين أو فرانسواز أو غيرهما فإنه
محاولة لكشف بعد جديد من شخصية البطل، في الوقت الذي لانحس فيه بوجود هذه الشخصيات
في الواقع أو نكاد. فهي- على أي حال- شخصيات كسيحة شوهاء أشبه بنماذج لفكرة جبرية
في رأس المؤلف. الأمر الذي أدى أحيانا إلى أن تظهر النرجسية بوضوح فيما أضفته
الشخصيات الثانوية إلى الشخصية المركزية" النموذج" على نحو ما ورد في رسالة جانين
الأخيرة إلى بطل الحي اللاتيني التي أشرنا إليها في حديثنا عن الأحداث والعقدة
".
-
وحتى على مستوى الشخصيات النسوية نجد تقابلا
بينها: فجانين مونترو عشيقة البطل هي شخصية نموذجية تدافع عن العرب، وتقدر الحب
والمسؤولية، وفية وصادقة في عواطفها ومبادئها، تضحي بكل ما لديها من أجل الآخرين
.
أما فرانسواز حبيبة فؤاد فكانت مثقفة وواعية ذوقها الفني رفيع بيد أنها كانت عنصرية
تدافع عن فرنسا الاستعمارية. أما مارغريت والأخريات كمرأة الرصيف وفتاة السينما فهي
نماذج وجودية مستهترة وعبثية غير صادقة ووفية، فواحدة تدعي أنها شاعرة، والأخرى
تسرق نقودا من البطل، وأخرى تعد ولاتفي. أما هند في الشرق فهي نموذج للمرأة العربية
الخائفة على شرفها وعفتها وجسدها ترتعد من وجود الرجل وتعطي ألف حساب للمعتقدات
والأنظمة الاجتماعية الموروثة حتى تحافظ على نفسها ووجودها بين أسرتها
ومجتمعها
.
-
شخصية البطل أتت
لتعبر عن فكر المؤلف مما جعلها تتميز بالفردية والنرجسية؛ لأن الشخصيات الأخرى كلها
تدور في فلكها وترغب في اصطحابها ومعاشرتها على الرغم من انطوائيتها وعزلتها
واحترامها لحريتها المقننة التي ترتبط بالمسؤولية. كما يمكن لنا أن نرصد مسارات في
هذه الشخصية النامية الديناميكية
:
مسار الإخفاق
والعبث والملل واليأس واللاجدوى والاغتراب الذاتي والمكاني؛
مسار التحرر الوجودي عن طريق التمركز الذاتي والإشباع الجنسي والارتواء
الثقافي والفني؛
مسار النقد الذاتي وتحمل
المسؤولية الوجودية والوطنية والقومية
.
-
ويمكن
كذلك أن نضع تصنيفا للشخصيات في الرواية بهذا الشكل
:
شخصيات وجودية عابثة ( صبحي- عدنان- أحمد....)؛
شخصيات وجودية متوازنة( البطل، وفؤاد)؛
شخصيات محافظة ( الأم، ناهدة، هدى، الأهل في
لبنان....)؛
شخصيات نسوية زائفة( مارغريت،
ليليان، فتاة الرصيف، فتاة السينما
...)
،
شخصيات
نسوية عنصرية( فرانسواز، امرأة مطعم لوي جران التي وصفت الإنسان العربي
بالمتوحش)
شخصيات إنسانية ضحية الظروف ولها
موقف: ( جانين مونترو- تيريز
-
ونستغرب أن يكون
بطل سهيل إدريس بدون اسم علم يحمله، إذ تركه مجهولا لتعبر عنه ملامحه وأفعاله
والقيم التي يؤمن بها.
-
وما الجدوى من اسم علم في عالم يتناطح فيه الصراع ويبرز فيه
الشر وتنعدم فيه الحرية .
-
يقول سهيل إدريس عن بطله:"
ولكن من حسن حظ بطل الحي
اللاتيني أن قام عشرات من الدارسين يتعاطفون معه، محللين سلوكه بين الوقائع
والأحداث، ويربطونه بوضع الإنسان العربي، المحروم المقموع، جنسيا وفكريا واجتماعيا،
الذي يذهب ليلتمس الحرية في فترة من الاغتراب المؤقت، حتى إذا أاشبع هذه الرغبة
المقموعة والتي كانت تكبت معظم طاقاته الإنسانية والإبداعية، بدأ يعي ذاته ويستكمل
مختلف أبعادها، ويوظف طاقته في خدمة قومه الذين يعود إليهم. لقد ارتكب هذا الإنسان
كثيرا من الآثام والأخطاء، لأنه كان يعتقد أن الحرية بلا ثمن.
ولكنه حين أراد
التكفير عن خطئه، أثبت أنه أصبح يعي مسؤوليته وأنه مدعو لتوظيفها في خدمة قضاياه
المصيرية
."
-
وهكذا نخلص إلى أن شخصية البطل اللاتيني شخصية وجودية متوازنة على الرغم
من تناقضاتها، وقد اهتدت في الأخير إلى خلاصها المسؤول أخلاقيا ومصيريا ووجوديا
ووطنيا وحضاريا
.
رد مع الإقتباس