عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2014, 10:07 AM
المشاركة 1088
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع... العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم-43- الحي اللاتيني سهيل ادريس لبنان

-لقد وظف الكاتب سهيل إدريس مجموعة من الشخصيات التي تتقابل فضائيا وحضاريا( الشرقالغرب)، وجنسيا( الذكورة العربية≠ الأنوثة الغربية)، ولونيا( الأسمر العربيالغربية الشقراء) لرصد التفاوت الحضاري والاختلاف الوجودي بين البيئة العربيةالمكبلة بأغلال الحرمان والمنع والكبت والشذوذ والعقد والخلفيات المسبقة والعاداتوالتقاليد المحافظة الموبوءة والبيئة الغربية التي تتسم بالتحرر والانعتاق والعلموالإقبال على الحياة ولو في ثوبها المادياللاخلاقي.

-وإذاكانت مجموعة من الروايات العربية روايات أفضية ومكانية مثل: روايات نجيب محفوظ( زقاق المدق)، وعبد الرحمن الشرقاوي( الأرض)، ومحمد عزالدين التازي( المباءة- المغارات...)، فإن رواية سهيل إدريس على الرغم من عنوانها المكاني لهي روايةالشخصية لاسيما الشخصية النموذجية( بطل الحي اللاتيني) التي تعيش مصيرا وجوديا منخلال ثنائية الحرية والمسؤولية، الحرية في إثبات وجودها والارتواء من لذات الحياةوالاستمتاع بمباهج الدنيا ومعاقرة الخمرة والإشباع الجنسي، والمسؤولية التي تكمن فيالثورة على الحرمان والتقاليد البالية والعادات المستنبتة في الشرق والرغبة فيالنضال الوطني والقومي لتحرير الإنسان العربي من موروثات التخلف وقيود الكبتوالإحجام والانطواء النفسي حتى تصبح الذات العربية قادرة على الإبداع والابتكار فيمجتمع يقدس المرأة ويحررها إلى جانب الرجل حتى تساهم في العطاء والبناء الحضاري علىغرار المرأة الغربية.

-لقد خلق الكاتب شخصية مركزية وهي البطل واستتبعها بشخصيات ثانويةتابعة لها مثل صبحي وعدنان وربيع وفؤاد وأحمد.

-تتسم هذه الشخصية بالفرديةوالتشبعبالفكر الوجودي الذي اكتسبه في جامعة السوربون لاسيما أن هذه الفترة كانت فترةالفلسفة الوجودية التي دعا إليها كل من سارتر وسيمون دوبوبفوار وألبير كامو، إذ قالسارتر: إن الإنسان في هذه الحياة كممثل يؤدي دوره ثم ينتهي وجوديا، لذلك دعا إلىحياة العبث واللاجدوى تحت شعار: افعل ما تشاء، حيث تشاء، ومتى تشاء. ( حرية الفعل،حرية المكان، حرية الزمان). كما أن فلسفة سارتر تنبني على مرتكزين أساسيين هما: الحرية والمسؤولية.

-ويلاحظ أن شخصية بطل الحي اللاتيني شخصية تعبر عن المؤلف الواقعي: الدكتور سهيل إدريس مما يعطي لهذه الرواية بعدا أطوبيوغرافيا( سيرة ذاتية)؛ لأنالكاتب يرسم هذه الشخصية حسب قناعاته وأفكاره ومبادئه التي يؤمن بها حتى تتبدى لناشخصية نموذجية ومثالية بالمقارنة مع عدنان المتعصب دينيا وصبحي المستهتر أخلاقياوربيع التونسي المتطرف في مواقفه الوطنية والسياسية وفؤاد الملتزم بالدفاع عن قضاياالوطن والأمة حيث تخلى عن عشيقته فرانسواز لاصطدام مواقفهما تجاه فرنسا وبطشهاالاستعماري.

-ويجمع فؤاد بين هموم المرأة الجنسية والهموم الثقافية والفكريةوالنضالية، بينما يظل بطل الحي اللاتيني بطلا معتدلا في أفكاره ووطنيته ومواقفهتجاه الوطن والأمة والآخر لا يتشنج ولا يتعصب كالآخرين، فلسفته الوجودية متوازنة،وهذا ما يشير غليه كذلك الدكتور إبراهيم السعافين:"

-فالشخصية المركزية هي الفكرةالمثالية، والشخصيات الأخرى إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكهاوتسويغ له، وإما تبع لها تدور في فلكها، وتنطق باسمها، فوق أنها تلقي الضوء عليها،وتكشف عن أبعادها.

-وشخصية بطل الحي اللاتيني قد اختارت النوع الأول من الشخصياتالثانوية حيث تبدو شخصيته قائمة على الاعتدال، فهو معتدل في فكره و معتقده، معتدلفي نزواته، معتدل في وطنيته، وحتى يلقى المؤلف الضوء على هذه القضايا، لجأ إلىتوظيف الشخصيات الثانوية التي تعد نماذج ابتدعها فكر المؤلف، لتحدد " نموذج" الشخصية المركزية.

-وأما ما نسمعه على ألسنة جانين أو فرانسواز أو غيرهما فإنهمحاولة لكشف بعد جديد من شخصية البطل، في الوقت الذي لانحس فيه بوجود هذه الشخصياتفي الواقع أو نكاد. فهي- على أي حال- شخصيات كسيحة شوهاء أشبه بنماذج لفكرة جبريةفي رأس المؤلف. الأمر الذي أدى أحيانا إلى أن تظهر النرجسية بوضوح فيما أضفتهالشخصيات الثانوية إلى الشخصية المركزية" النموذج" على نحو ما ورد في رسالة جانينالأخيرة إلى بطل الحي اللاتيني التي أشرنا إليها في حديثنا عن الأحداث والعقدة".

-وحتى على مستوى الشخصيات النسوية نجد تقابلابينها: فجانين مونترو عشيقة البطل هي شخصية نموذجية تدافع عن العرب، وتقدر الحبوالمسؤولية، وفية وصادقة في عواطفها ومبادئها، تضحي بكل ما لديها من أجل الآخرين. أما فرانسواز حبيبة فؤاد فكانت مثقفة وواعية ذوقها الفني رفيع بيد أنها كانت عنصريةتدافع عن فرنسا الاستعمارية. أما مارغريت والأخريات كمرأة الرصيف وفتاة السينما فهينماذج وجودية مستهترة وعبثية غير صادقة ووفية، فواحدة تدعي أنها شاعرة، والأخرىتسرق نقودا من البطل، وأخرى تعد ولاتفي. أما هند في الشرق فهي نموذج للمرأة العربيةالخائفة على شرفها وعفتها وجسدها ترتعد من وجود الرجل وتعطي ألف حساب للمعتقداتوالأنظمة الاجتماعية الموروثة حتى تحافظ على نفسها ووجودها بين أسرتهاومجتمعها.

-شخصية البطل أتتلتعبر عن فكر المؤلف مما جعلها تتميز بالفردية والنرجسية؛ لأن الشخصيات الأخرى كلهاتدور في فلكها وترغب في اصطحابها ومعاشرتها على الرغم من انطوائيتها وعزلتهاواحترامها لحريتها المقننة التي ترتبط بالمسؤولية. كما يمكن لنا أن نرصد مسارات فيهذه الشخصية النامية الديناميكية:
مسار الإخفاقوالعبث والملل واليأس واللاجدوى والاغتراب الذاتي والمكاني؛
مسار التحرر الوجودي عن طريق التمركز الذاتي والإشباع الجنسي والارتواءالثقافي والفني؛
مسار النقد الذاتي وتحملالمسؤولية الوجودية والوطنية والقومية.
-ويمكنكذلك أن نضع تصنيفا للشخصيات في الرواية بهذا الشكل:
شخصيات وجودية عابثة ( صبحي- عدنان- أحمد....)؛
شخصيات وجودية متوازنة( البطل، وفؤاد)؛
شخصيات محافظة ( الأم، ناهدة، هدى، الأهل فيلبنان....)؛
شخصيات نسوية زائفة( مارغريت،ليليان، فتاة الرصيف، فتاة السينما...)،
شخصياتنسوية عنصرية( فرانسواز، امرأة مطعم لوي جران التي وصفت الإنسان العربيبالمتوحش)
شخصيات إنسانية ضحية الظروف ولهاموقف: ( جانين مونترو- تيريز

-ونستغرب أن يكونبطل سهيل إدريس بدون اسم علم يحمله، إذ تركه مجهولا لتعبر عنه ملامحه وأفعالهوالقيم التي يؤمن بها.

-وما الجدوى من اسم علم في عالم يتناطح فيه الصراع ويبرز فيهالشر وتنعدم فيه الحرية .

- يقول سهيل إدريس عن بطله:" ولكن من حسن حظ بطل الحياللاتيني أن قام عشرات من الدارسين يتعاطفون معه، محللين سلوكه بين الوقائعوالأحداث، ويربطونه بوضع الإنسان العربي، المحروم المقموع، جنسيا وفكريا واجتماعيا،الذي يذهب ليلتمس الحرية في فترة من الاغتراب المؤقت، حتى إذا أاشبع هذه الرغبةالمقموعة والتي كانت تكبت معظم طاقاته الإنسانية والإبداعية، بدأ يعي ذاته ويستكملمختلف أبعادها، ويوظف طاقته في خدمة قومه الذين يعود إليهم. لقد ارتكب هذا الإنسانكثيرا من الآثام والأخطاء، لأنه كان يعتقد أن الحرية بلا ثمن. ولكنه حين أرادالتكفير عن خطئه، أثبت أنه أصبح يعي مسؤوليته وأنه مدعو لتوظيفها في خدمة قضاياهالمصيرية."

-وهكذا نخلص إلى أن شخصية البطل اللاتيني شخصية وجودية متوازنة على الرغممن تناقضاتها، وقد اهتدت في الأخير إلى خلاصها المسؤول أخلاقيا ومصيريا ووجودياووطنيا وحضاريا.