الموضوع: ** ذاكرة الروح **
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-26-2011, 01:31 AM
المشاركة 3
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** لغز النملة ..
أدمنتُ على ممارسة الشغب في حضرة الطفولة , وحواسي تقرأ الوجوه البريئة بصورة صحيحة حين تنقشها السذاجة بألوان من البياض ..
أتعاطى تفاصيل النقاء بتلقائية تدغدغ ذلك الكائن الصغير في قلبي وتجعله يعدو مزهوا على روابي الذات ..
لا أنسى ذلك المساء الصيفي الذي اكتظ بعدد هائل من أفراد عائلتي , كان الليل يبعثر أوراق سوداء على باحتي والأنسام الحارة تلتقطها وتلقي بها وراء السور ..
فقط شجرة اللوز كانت على غير عادتها فرحة .. وكأنها تقف على كرسي التراب وتنشد أبيات هجاء في الضجر .. وتضحك ..
أجل سمعت ضحكتها .. وهمهمة الريحان الواجم .. وامتعاض الكرم الذابل في الركن ..حتى زقزقة الوقت الغارق في الحركة والفوضى من حولي أنصتُ لها بإمعان ..
كنت قد أنهيت للتو مراسم التعب .. وانفض الزحام من حولي بعد وجبة عشاء شهية , فعاد البعض من أقاربي إلى منازلهم بعد سهرة ممتعة وصاخبة , ولم يبقى سوى أختي وبناتها اللائي تحلقن حولي ورحن يلقين علي بالطرائف والألغاز ..
كانت ابنتي نجوان تستفزهن وتطالبهن بالمزيد من الضحك .. وكانت كلما ساد الصمت لهنيهة تنبش الصخب من جديد ليزاول مهامه على أكمل وجه ..
قالت شذى : خالتي هناك زرافة لم تنحني أبدا .. لماذا ؟
قلت وأنا مجهدة وعديمة التركيز أتعجل الجواب : لماذا .. أنت أخبريني لماذا ؟
قالت تضحك : لأنها أقسمت أن لا تنحني لله ..
هتفت ابنتي : حسنا , هناك جندي كلما دخل المطبخ ورأى الثلاجة قدم لها تحية عسكرية .. لماذا .؟
صمت الجميع يطالبونها بالحل ..وراحت الأحداق الجميلة تنظر إليها باستجداء كي تخبرهم بالحل ..
فقالت وضحكاتها تتخلل حديثها وتملأ المساء فرحا : لأن الثلاجة كانت من صنع شركة " جنرال "
وتوالت البسمات والضحكات والنوادر الطفولية بين ابنتي وبينهن , نملة تضع كحلا في عينها لماذا ؟ وعجوز تقفز فوق المقعد , لماذا .. وفيل حزين في الغابة لماذا ؟
وفجأة وجدت مها ذات الأربع السنوات تدنو مني وتقول لي بما يشبه الهمس : خالتي سأقول لكِ لغزا ..
التفت اليها أشجعها : هاتي ما لديكِ يا حبيبيتي ..
خالتي كان هناك نملة .. لماذا .
قطبت حاجبي مستغربة من الجملة الناقصة وقلت : لماذا ماذا يا عزيزتي ..أين السؤال .؟
وكأنها لم تنصت إلي كررت السؤال مستاءة : كان هناك نملة يا خالتي .. لماذا ؟
هتفت بحيرة : حسنا سأجيبك .. ولكن اللغز ينقصه بعض الكلمات يا حبيبتي .. ..
قالت توشك على البكاء : لا إنه صحيح .. هيا أجيبيني ..
ونظرت إلى أختي استنجد بها وأشرت إليها متمتمة : ما هو اللغز ؟
هزت كتفيها وقالت : لا أعلم ..
وبدأت مها في البكاء وقالت وسط نشيجها : انك تجيبهن ولا تجيبيني ..إنكِ تحبينهن أكثر مني ..
يا إلهي .. لطمني حزنها ومع ذلك كدت أن أطلق ضحكة تمزق أجواء التوتر التي سادت بيننا , وسرعان ما واتتني فكرة فقلت أتملص من إشفاقي عليها :
- لا بأس .. دعيني أفكر حتى أجيبك على سؤالك .. هل لأنها سمينة ؟
قالت : لا ..
قلت : هل لأنها كسولة في الدراسة .؟
هتفت وقد بدأت ترتسم على وجهها علامات الفرح لأنها هزمتني بلغزهو طلسم بحد ذاته ولا أعرف تفاصيله : لا يا خالتي ..
وفي النهاية قلت أدعي الاستسلام : حسنا .. أخبريني أنت يا مها .. فقد عجزت عن حل لغزك ..
قالت بغرور طفلة ذكية : لأن النملة غبية يا خالتي .. غبية .. ألم تكتشفي ذلك ؟
وغرقت في ضحك شديد ..أجل لقد هزمتني تلك الطفلة المشاكسة بعفويتها اللذيذة .. كنت بين الفينة والأخرى أسترجع هذه الذكرى في جمجمتي كي أبتسم ..
وما زلت أذكّرها بهذه الحادثة بين الحين والآخر حتى باتت من الطرائف العائلية المثيرة للفرح والموشومة بالبراءة ..
تحيتي