الموضوع: ** ذاكرة الروح **
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-26-2011, 01:27 AM
المشاركة 2
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* أنا وجدتي .. والعفريت
يا لحرف يتسلق أصابعي .. ويتخذ من كفي مهجعا ..
وهطول للأطياف يغويني بنبشِِ ذاكرتي التي باتت على مقربة من جمجمتي.. لأقتنص من مجرياتها الروعة ..
في الحقل أقف مشاكسة العشب بقدمي .. أركل الإخضرار وأعدو .. أتربص بالفراشات وراء شجر التوت وصوت الريح الهامس كان يعلو من وراء التلال.. بينما قرص الشمس يرسم على ثغره بسمة حمراء قهقهت لها كل النهارات ..
على امتداد بصري كنت أتخيل جدي يمتطي التعب ويأتي منحنيا من بين سنابل القمح .. وحزمة من زهور الريحان معلقة بكفيه , جدي .. وخطاه المتثاقلة .. ومحياه الهزيل الذي يلوح لي وهو يدس بقدميه إلى قلب الدار ..
صغيرة كنتَ وأحبو على المرج بجديلتين كورتهما لي أمي على جانبي وجهي . . لم يكن يدور في خلدي وقتذاك .. سوى اللهو ومطاردة الروائح العطرة ..
منذ أن رحلتُ من تلك الضفة اليبضاء .. وأنا أتلطخ ببقع من رمادية الظلام ..
والحكاية لا تنبري إلا ببداية قد تراخت على قناعات هشة .. بينما آلية الرعب تتوغل في قلبي وتهيمن على كل مدني الوليدة ..
كان المساء يحل عادة بسواد ينتشر دخانه من الشرق حتى يخنق بقايا النور ..
والنوم شاطئ تتجسد عنده كل المخلوقات المهيبة ..
فقط وجه جدتي ما كان يلمس قلبي ويهدهده بالأمان ..
قلت لها يوما : جدتي هل حقا أن العفريت يأتي ليلا ويخطف الصغار ويأكلهم ؟
تمتمت تتثاءب من وراء شيخوختها : ألا تملي الإصغاء لكل ما يقال .. من أين سمعت هذا ؟
قلت أمسك بيدها المجعدة : إبنة الشيخ ظافر .. يقولون بأن العفريت قد خطفها ..
سألتني : وهل تصدقين هذا ؟
أجبت بحماس : لا أدري ولكنهم يقولون بأن العفريت قد التهمها ورمى بعظامها في البئر ..
ضحكت جدتي حتى أن الليل تلصص بفضول يصغي لصدى فرحها المبحوح , تنهدت في النهاية وقالت تنظر للسقف : يا للصغار وخيالهم الجامح .
ثم التفتت إلي وقالت : حبيبتي .. لقد ماتت الفتاة - يرحمها الله - لأنها تعثرت ووقعت في البئر .. ولم ينتبه أحد إليها إلا بعد أن غرقت المسكينة ..
همست : ولكنهم يقولون ..
قاطعتني بحزم : لا تلقِِ بالا لما يقولون ..
وعاودت التحديق بي تداعبني : ما رأيك بحكاية تُنسيكك هذه الخرافة ؟
هتفتُ بفرح : أجل يا جدتي .. أريد حكاية الضفدع
قالت بهدوء تبدأ ترنيمتها الليلية المعتادة : كان يا ما كان في قديم الزمان ضفدع يعيش مع أمه بخير وسلام ..
وغاب صوت جدتي تدريجيا وأنا أنساب وأغرق مع الكرى ..
غاب .. فيما بعد وانقطع عن الدنيا .. وبقي كهمس لذيذ يجوب رأسي بحكايات الزمان ..
غاب .. ولكن العفريت المتوشح بالظلام .. لم يرحل أبدا .. بل مكث في أحلامي واتخذ من روابيَ ملاذ ومسكنا ..
تحيتي