عرض مشاركة واحدة
قديم 01-24-2013, 05:46 PM
المشاركة 6
عبدالله باسودان
أديـب وشاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي حول المدرسة الرمزية
حول المدرسة الرمزية - 3 -

لكن الشاعر الرمزي لديه وسائله التي يستطيع بها التعبير عن تلك الحالة الحالمة ، حيث يرى أنها تتمثل في الرمز والأسطورة والموسيقى ، أما الرمز أنه بمثابة عملية لاصطياد الرؤيا العميقة التي تكمن في أعماق النفس الإنسانية ، والشاعر يصطاد تلك الرؤية غفلاً خالية من أي شائبة وعي يفسرها أو منطق يحددها ، ومن ثم يسجلها في شعره على شكل رموز ، والرمز يبدأ من واقع ما رآه الشاعر أو عايشه ، لكنه لا يلتصق بجزئيات ذلك الواقع ولا يحلله وإنما يرده إلى أعماق ذاته ، ثم يسلمه إلى التجريد والتكثيف حتى يصبح أسلوب العمل الأدبي غامضًا أشبه بالأحلام التي تندمج فيها الصور على تناثر موادها وسعة دلالاتها ، وهو الأمر الذي يهيئ لربط هذا الأسلوب بالغموض ، ومن ثم نرى ذلك الارتباط الغموض والرمز في الشعر ناتجان لا عن سبب خارجي بل بسبب داخلي يعود إلى " طبيعة الرؤيا عند الشاعر " .تلك الطبيعة ينتج عنها تعدد القراءات وتدرجها للقصيدة القائمة على الرمز على ذلك النحو ، قراءات استكشافية تتقدم إلى ذهن القارئ بخطوات قد لا تنتهي لتجدد الدلالات واكتشاف المزيد منها لدى كل قراءة جديدة إنها قراءات تتعدد فيها مستويات التأويل لكن لا تتمانع، فكل يتصورها حسب حالته الوجدانية وحسب ما يستطيع أن يستنبط منها وحسب ما تثيره أصداؤها في نفسه وحسب ما تبعثه من عواطف ومشاعر ، وكأنها نافذة يطل منها الشاعر على أفق واسع من عالمه الداخلي) ، وفي ذلك يقول الشعراء الرمزيون : " القصيدة الحديثة هي تلك التي لا تنتهي أبدًا ، إنما تترك صورها وإيقاعاتها لتكمل أصداءً و أطيافًا لا متناهية ، ذات أبعاد موحشة سحيقة حسب قدرة كل قارئ على التعاطف المرنان معها ، إنها تلك التي تتسرب تدريجيًا إلى أعماق الذات ومكوثها فيها أخلد من مكوث تلك القصيدة القديمة ، ولأن الرمز سمة أسلوبية فإن جزئياته " ليست لها قيمة ذاتية ، بل تنبع قيمتها من وظيفتها الإيحائية في البناء العام للرمز ، لهذا نرى الشاعر الرمزي ينصح قارئه إذا أراد أن يستوعب قصيدة رمزية أن لا يجزئها أو يطلب معنى مستقلاً قائمًا بنفسه في حيز من كلماتها ، حيث أن القصيدة الرمزية لا تفسر إلا ككل لأن كل أبياتها بمثابة عوالم موحشة كل بيت مرتبط بالبيت الأخير ، وهو ارتباط نفسي وليس ارتباطًا منطقيًا حيث إن وحدة القصيدة الرمزية نفسية مليئة بالمفاجآت الإيحائية ، وليست نفسية على أساس التداعي ، كما إن الرمز ليس من طبيعته ووظيفته " أن ينقل إليك أبعاد الأشياء وهيئاتها كاملة ولكن وظيفته أن يوقع في نفسك ما وقع في نفس الشاعر من إحساسات ".
ويلحق بالرمز الأسطورة ، وهي في الأصل حكاية مجهولة المؤلف غالبًا تفسر ظاهرة كونية ، ثم اتخذت أداة فنية بوصفها أحد منابع اللاشعور الجمعي التي يمتح منها الأديب الرمزي ، وقيمتها عند الرمزيين تكمن ، كما يقول إزراباوند، في أنها " بمثابة اتحاد الماضي بالحاضر ، تصادم زماني يشمل كل المؤثرات والعوامل الإنسانية منذ فجر البداءة " ، ونجد هنا الشعراء الرمزيون متأثرًون بكارل يونغ في فهمه لمفهوم الأسطورة ووظيفتها الرمزية فينقل عنه أن الأسطورة " رواسب نفسية لتجارب لا شعورية ، يشارك فيها الأسلاف في عصور بدائية تؤدي إلى طمس المعالم والحدود بين الأجيال والمجتمعات الإنسانية المختلفة ، وإلى تجاهل كل التطور الإنساني في صعوده عبر الزمن من الحالات المتوحشة إلى المجتمع المتقدم الذي نحن عليه " ، وبهذا يصبح العودة إلى الماضي وسيلة لا غاية ، وسيلة لفهم الحاضر بخيال أكثر غنى وحيوية وخصبًا يتشكل من الربط الوثيق بين مضمون الأسطورة وما يشاكله في العصر الحاضر ، ويظهر ذلك الاتحاد أو التصادم في شخصيات الأسطورة وأحداثها ومواقفها التي يمكن ردها أو رد بعض منها إلى شخصيات وأحداث ومواقف عصرية حاضرة ، ومن ثم فهي تشكل وسيلة استعارية أو إيحائية جنح كثير من الشعراء إلى استخدامها في القصيدة المعاصرة.