الموضوع: كلمة…
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-06-2022, 10:01 AM
المشاركة 10
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: كلمة…
لماذا الكلام؟
يقولون لي مستغربين: الكلام في هذه الأيام سلاح ذو حدين،
فما ببالك تمتشقين الصوت بعد صمت الدهور؟!
ويقولون لي محذرين: القوم اليوم يغلقون آذانهم
لأن الإنصات تهمة لا تقل خطورة عن الكلام،
فما بالك اخترتِ الكلام الآن كي تتكلمي؟!
ويقولون لي متهكمين:
امتلأت الريح بأصداء المواعظ والقصائد،
واكتظت البطاح بالمنابر والمنشدين
فماذا ستضيفين، وعلى أي منبر تقفين ؟…
ويقولون لي مشفقين :
الكلام اليوم كنقش حروف اسمكِ على رمل الشواطئ
لا تأملين لها أن تبقى إلى الغد… فلماذا العناء؟!
وأقول:
يا سادتي العارفين…
إن كان الصمت من ذهب، فالكلام من نور
هو الفرق بين الموت والحياة،
العدم والوجود…
يجب ألا تروعنا الكلمة، ولو كانت بألف حد
لأن كلمة الصدق حين تجرح، فيها الدواء…
لست أمتشقها سيفًا يهاجم في الظلام
بل أرفع صفحته مرآة صقيلة تعكس وهج النجوم البعيدة
ربما تضيء عتمات الدرب…
غدا تشرق الشمس، ولكن حتى نلمس الفجر بأيدينا
الأجدى أن نشعل جذوة صغيرة، من أن نلعن الظلام!
أتكلم لأنني أؤمن بأن المضمون أهم من الإناء
وأن الباحثين عن صدى الحقيقة في متاهات المعرفة
يتوالدون مع انبعاثات الحرف
وإذا سدوا آذانهم عن هزيم الريح ووعيد الرعود
فهم يفتحون آذانهم لنداءات العقل وأنغام العاطفة
ولو لم يكن هناك من يستمع ،
لما بقيت لنا القدرة على الكلام ولا الشوق للغناء…
أتكلم، لارغبة في الإضافة ولا إثباتًا في الوجود
بل لأن العين يُبكيها ما ترى، والقلب يشطره ما يعاني
والعقل يهدده الجفاف
فلا الدمع في الصمت يتوقف
ولا الجرح في الصمت يلتئم
ولا الغيث في الصمت ينهمر
يحاصرنا الصمت بالموت البطيء
دفاعًا عن النفس يا سادتي تنفجر الكلمة
علها تغسل الصدأ عن العيون، فتعيد أبصارها
وتلتحم بشظايانا ، فترأب تصدعاتنا
وتبني جسورًا للمستقبل
وتفتح مسارب للوعي
فتروينا لنتبرعم، نبتًا جديدًا
يا سادتي العارفين
من يستطيع الوقوف على قدميه ويتكئ على إيمانه
لا يحتاج إلى ارتقاء منبر ولا إلى مكبر صوت…
ها أنتم تسمعون همسات الأعماق تعبر كل المسافات
وتنتشر في الآفاق، في الريح تضيع الصرخات المتشنجة
التي لا يتعدى منبعها الشفاه
تضيع… لأنها إذ لا تأتي من القلب لا تحمل شعورًا ولا معنى…
أتكلم… لأنني في الحروف لا أجد نفسي فقط، بل أجدكم أيضًا
وأجد معالم الوطن، والطريق إليه وعندئذ قد نستطيع أن نبنيه معًا
ليست الحروف هي المهمة وإنما المعاني التي تحملها
للقدرة الكامنة في الأصابع
تتولد حين نمسك بالقلم، تفتح مصاريع الحقيقة
وتغلق الأبواب في وجه الظلال المشبوهة
ألم تكن " إقرأ " هي كلمة البدء؟!
فليكن بدء غدنا في الكلمة…
هناك الكثير من المخالفات التي يقترفها ، ويقع فيها كثير من الناس ،
والتي لا تقوم على قاعدة التجاوز المتعمد _ من وجهة نظر الجاني _
لكون كفة المغفرة والرحمة هي الراجحة على كفة العذاب والنكال لديه !


وعلى هذا تسير سفينة المرء على لجج الأماني والتمني على الله ،
وشراعها التسويف والإرجاء !

" حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا " !


فما :
يموج به المجتمع ما هو إلا توغل في عمق الغفلة ،
والولوج في مستنقع آسن لم يجد صاحبه من ينتشله منه ،
وإن كان بذلك لا يعذر لكونه مكلف ويتحمل جريرة فعله ،


ولكي:
لا يتخذها شماعة فتكون له منجاة من النقد ، والتجريح ، والملام !
فكم نرى من مشاهد أصحابها وإن كانوا غارقين في الخطأ ،
إلا أننا نرى فيهم الخير _ لا أعمم _

وما :
يحتاجون إلا احتضانهم بكلمة تغير نمط حياتهم ، من غير أن يُخدش وجه كرامتهم ،
ومن غير أن تكون مختومة بالتقزيم ، وذلك التحقير الذي يُحطم قيمتهم !

فمن هنا :
كانت الدعوة بالكلمة الطيبة التي تمر على متلقيها وسامعها لتستقر في قلبه
لتلامس بذلك بشاشة إيمانه ، ليكون لها الأثر العظيم في تحويل حياة ذلك الإنسان السعيد .
ليعيش على التقوى والعمل الصالح ،


نأسف كثيراً :
عندما نرى من حمل على عاتقه هم الدعوة حتى غدا بذلك
سيفا مسلطا على رقاب المهمومين الذين تتقاذفهم الأهواء ،
وزخرف الحياة ، وينازعهم فيها وساوس الشيطان ،


" فلا تزيدهم تلك المعاملة إلا غما بغم ، ولا تزيدهم إلا نفورا " !
لتكون النتيجة من ذلك الغافل والغافلة هو الإنغماس في المعاصي بإصرار
بعدما كان يأتيهم الندم ويطرق على قلبهم الباب !


وما:
كان أمر الله وتبينه إلا وفق كيفية معينة لتكون دعوة خبير مشفق
ممن يراعي بذلك حال ذلك المنكوب .
فمن هنا كان لزاما علينا مخاطبة المخطي خطاب الترغيب والشفقة ،
لكون ذلك المخطي يعلم يقيناً بأنه على خطأ .



" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
" .


فما نعانيه :
هو ذلك الانفصام والتباين بين ما نقرأه في كتاب الله ،
وبين ما نفعله في شتى نواحي الحياة !

حيث انا نقرأ القرآن ولكن لا نطبق الاحكام !

ولو :
كانت حياتنا تسير وفق ما جاء به لتنفسنا السعادة ،
وما ساورنا وخالطنا الذل ولا نالنا الخسران والخذلان !

فكم نفتقر لذلك الناصح المشفق الذي يجعل من نصيحته
بلسما نداوي بها الجراح ، ونواسي بها الأحزان ،

ولكون :
ذلك الإنسان لا ينفك عن الوقوع في مثالب الخطأ ،
ولا يسلم من ذلك انسان ، وما علينا نحن معاشر الاسلام غير الرجوع إلى الله ،
لنغسل بذلك الآثام ، ليقيل عنا الرحمن العثرات وننال بها الغفران ،

وعلينا :
أن نتلمس النصح ، ونسعى إليه ممن نترسم ونتفرس فيهم الخير ،
فلا يعقم الزمان أن يُقيض لنا من يبادلنا النصح ،
لنكون في الحياة من الذين يُشار إليهم بالبنان ،

أما :
المتنكبون عن الصراط فالبعض منهم جعل في سمعه وقرا ،
واستغشى ثيابه ليسير مع حادي الشيطان ،

وأما :
من قام بدور الواعظ المشفق وبادر الناس بالاتهام ،
وقسّمهم وأغلظ عليهم وهددهم بالنيران ولم يفتح لهم باب الرحمة ،
ليكون له معين في صد وردع وساوس الشيطان ،
فذاك من ناله الخسران لكونه يبعد الأنان عن حياض الرحمن ،
فكم من كلمة طيبة غيرت مجرى حياة انسان ؟!

فهم لا يمثلون الدين في سماحته ،

" والدين منهم براء " .