الموضوع: أدب السجون
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-28-2010, 09:54 PM
المشاركة 5
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي
*في فيلا ياسمينة كانت المربية تعطينا دروس في آداب السلوك تعلمنا كيف نجلس على الطاولة،
وفي الصالون،وأصول الضيافة،وكيف نستقبل ونودع ،
ونطهو ،وكيف نفرض احترامنا ،
وكيف نصبح فتيات عصريات قادرات على التصرف في كل المناسبات ..

أما في القصر الملكي :

فقد تولوا تعليمنا كيف نصبح نساء منذ اللحظة الأولى لبلوغنا..علينا التقيد بالبروتوكول..
- ممنوع علينا بعد اليوم الخطأ..
- علينا عدم تجاوز عتبة البلاط،وملازمة جناح الحريم.
- علينا ارتداء الزي المغربي الطويل.
- علينا الخضوع ، والانحناء ، والسجود ، والطاعة..
للأسف كانوا يولون جل اهتمامهم إلى النواحي السطحية والقشور التي تهمش دور المرأة وتحولها إلى مجرد أداة للمتعة ووسيلة للولادة ليس إلا وتقتل في داخلها أي ملامح فكر أو إبداع..


تقول بألم :
( أين أمي لتذود عني وتحميني من جور هذه المربية ( ريفل ) التي لم تترك يوماً يمر دون أن تذكرني أنني كائن وضيع ..!!
وأن ( للامينا ) أرفع مني قدراً وشأناً، كانت تمنعني من ألبس مثلها ، أو أن أبقي شعري طويلاً ، لأن هذا يخدش مشاعر ( للامينا ) ويستفزها ، حيث كان شعرها مجعداً لا تستطيع تطويله ( ..!!
أمضت مليكة أحد عشر عاماً في حياتها في القصر، وراء أسوار قصر قلما خرجت منه، عاشت فيها ( مليكة ) سنوات طفولتها محرومة من أمها فأفاقت ذات ( غصة ) على الحقيقة ...
( فصرخت ) :
( لقد أدركت مع الوقت أنني كنت طوال تلك السنوات والأيام سجينة بين جدران القصر وأنني كنت أذبل واختنق تدريجياً ) ..!!
لذا قررت- مليكة - أن ( تقنع ) الملك بالعودة للعيش مع والدتها لعلها ( تلحق ) ببعض طفولتها
( الهاربة ) لتعيش ما تبقى منها بين ( أحضان والدتها) ..!!

الوداع للحياة السعيدة

بعد ثلاث سنوات من هذا النعيم ، حدث ما لم يكن في الحسبان ، إذ دبر والدها مؤامرة ( اغتيال فاشلة ) ضد الملك ( الحسن الثاني ) مما أدى بالأخير إلى قتل أو فقير بخمس رصاصات، واحدة في كبده، والثانية في رئتيه، والثالثة في بطنه، والرابعة في ظهره، ثم جاءت رصاصة الرحمة في عنقه لترسل الرجل الثاني والقوى إلى العالم الآخر.

كانت هذه – المؤامرة - نقطة ( التحول ) في حياة مليكة وعائلتها فلقد ( بدلت ) هذه الحادثة( الحب ) الذي كان في قلب الملك تجاههم إلى ( كره ) ..!!

أمر الملك بسجن مليكة وعائلتها المكونة من أمها وستة ( أطفال ) أصغرهم ( عبداللطيف ) وكان عمره حينذاك( سنتان ونصف ) ..!!!


تتألم مليكة فتقول..
"كل المشاهد والصور العائلية التي كانت عالقة في خيالي كانت حزينة ومأساوية..
موت أبي المفجع مراسم الحداد التي تلت ذلك..
بينما كنت في غمرة ، لم يكن يراودني أدنى شعور بالضغينة أو الحقد ضد أحد ..
حتى أنني لم أتخيل أبداً أنني قمت في أحلام اليقظة بأي ثورة أو تمرد أو مواجهة ..
وحدها ذكريات الطفولة الباكرة كانت مقبولة نوعاً ما ..
لكنهم سرعان ما سرقوها مني ..

تقول :
لقد حاول أبي أن يقتل أبي ( بالتبني ) مما أدى إلى قتله ،
كانت كارثة وقعت على رأسي أنا ..!!
خلال السنوات الأولى ..لم أكن أحلم إلا بالملك..
كنت استحضر لحظاتنا المميزة والنادرة..
كنت أنفضها عني لأعود إلى الواقع وأنا يمزقني شعور بالعار والذنب..
كنت أبقى بعدها مشتته ومبعثرة لا أجرؤ على البوح بهذه الكوابيس لأحد من أهلي إنهم لن يفهموني ..
ولم يتقبلوا مني هذه الخيانة..أبداً..
كم كان رهيباً أن يكون من رباني هو جلادي.
وأن تعصف بي بلا رحمة أو هوادة مشاعر متضاربة من الحب والكراهية نحوه..


عشرون عاماً من المعاناة


عشرون عاما قضتها عائلة أوفقير في قبو تحت الأرض أو في بقايا سجن يقع على مسافة مئات الأميال من أي مدينة أو منزل محاط بحراسات وحضر تجول ،
مع الأوامر التي يلقيها الحسن الثاني، بأن يحرم القتل على هؤلاء النسوة والأطفال الصغار، ولكن ينبغي أن يشاهدوا الموت في كل لحظة ويتمنونه…
حاولوا الانتحار مرات عديدة وكتبوا بدمائهم وثيقة تذلل وطلبا للعفو ‍..

تقول مليكة عن ما فعله الملك ( الحسن الثاني ) تجاهها وعائلتها :
( إذا كنت أحترم دائماً الحسن الثاني باعتباره أبي بالتبني فأنني أكره فيه الظلم والتعسف الذين ألحقهما بنا دون رحمة ، أكرهه لحقده علينا ، أكرهه لما ألحقه بأمي وأخوتي من أذى لا يحتمل، ضاعت طفولة أخوتي إلى غير رجعة ، عانت أمي الأمرين ، وأنا تحطمت حياتي ..!!
كيف طاوعه قلبه على ارتكاب هذه الجريمة بحقنا ،وعلى قذفنا (( عشرين عاماً )) في أتون السجن المحرق ؟!! )

،،