الموضوع: الأدب الأرمني
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2010, 02:49 PM
المشاركة 3
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب الأرمني

كيف مات العندليب

شهدت حادثة حفرت في ذاكرتي بوضوح مدهش. و كل مرة أتذكرها ،تنتابني حالة من الانفعال ،رغم مرور سبعة أو ثمانية أعوام على الحادث.
كان ذلك في باكورة يوم من أيام أيار ، قبيل شروق الشمس، والحديقة مغمورة بغبش الفجر.
على شجيرة ورد حطت خمسة عنادل ، أحدهم في الوسط و الأربعة الباقون تحلقوا حوله .
أخذت العنادل الأربعة تصدح بالغناء تباعا ، في محاولة لأسر قلب الأنثى الواقفة في الوسط.
كانت هذه مسابقة رائعة حقا.كل واحد منهم يحاول التفوق على منافسيه ، كل واحد يغرد أجمل من الآخر.
الانثى تصغي بأناة .ولكن يبدو أن أحدا من العنادل لم يأسر قلبها .كان تحول بصرها بارتباك من واحد لآخر.وكم من العسير الاستجابة للحب إذا بقي الفؤاد صامتا .
و فجأة ، تناهت زغردة من أغصان شجيرة الرمان القريبة . أدارت الأنثى رأسها الصغير نحو الرمانة ، وإذا بالمغني عندليب صغير خبأته أزهار الجلنار الحمراء.
لقد سمعت تغريد العنادل غير مرة، و سحرني هذا التغريد و لكني لم أسمع قط زغردة كهذه. يالها من ألحان و أنغام رقيقة تزخر بآلاف و آلاف التنويعات و الترانيم!
كانت هذه أغنية قلب اكتوى بالحب ، أنشودة ملأى بالدموع المحرقة و الحزن اللامتناهي، يأتلف فيها أريج الصباح بوابل أزاهيره ،فتنسرب في الجنينة محولة كل شيء حولها إلى حكاية سحرية.
أليست هذه هي أنشودة العندليب التي سمعها الملحن الفارسي العظيم الذي ألف (العروش السبعة) من ترانيم العنادل و نسج الراست * الخالد
مكثت أصغي غارقا في الأحلام ،و فجاة رأيت كيف رفرفت الأنثى نحو المغني و قد سحرتها ترنيمته و حطت جنبه ، ثم دست منقارها برقة تحت جناحه.
و ما لبث العندليب أن صمت . راحا يتداعبان بمنقاريهما في رغد أزهار الجلنار الحمراء، نسيا كل ما يحيط بهما منغمسين في السعادة ، حتى أنهما لم يلحظا كيف نكست العنادل الأربعة الأخرى رؤوسها و طارت منصرفة.
مرت برهة من الوقت و عاود العندليب الغناء. راح ينشد بصوت قوي مرتفع أنشودة النصر. و في كل لحن منها يتقد فؤاده الملتهب.
كانت هذه نافورة متلألئة من السعادة اللامتناهية و الفرح المشرق الذي أخذ يشع وامضا و يتسامى نحو العالي.....
على حين غرة، انقطعت الاغنية ، و سقط المغني كالطعين على الثرى جثه هامدة.
عدوت صوبه.
وجدت المسكين منطرحا على الأرض ،و الدم ينبجس من حنجرته الرقيقة ، و خبا نور عينيه نصف المغمضتين . بينما راحت الأنثى تحوم صافرة بأسى ومرارة فوق جثة المغني الذي أحرقته نيران الوجد.


* الراست من احدى المقامات الفارسية

المصدر
حكايات العم اوهان
الكاتب : افيتيك اساهاكيان
ترجمة موفق الدليمي