عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
13006
 
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


صبا حبوش is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
397

+التقييم
0.08

تاريخ التسجيل
Mar 2011

الاقامة
الرياض

رقم العضوية
9765
12-18-2016, 04:24 PM
المشاركة 1
12-18-2016, 04:24 PM
المشاركة 1
تحليل تطبيقي التحليلي على المنهج النفسي ..
تحليل جزء من قصيدة " المواكب" للشاعر جبران خليل جبران وفق المنهج النّفسيّ:
أَعطِني النّايَ وَغَنِّ .... وَانسَ ما قُلتُ وَقُلتا
إِنَّما النّطقُ هَباءٌ .... فَأَفِدني ما فَعَلتا
هَل تخذتَ الغابَ مِثلي .. منزِلاً دُونَ القُصُور
فَتَتَبَّعتَ السّواقي ... وَتَسَلّقتَ الصُّخور
هَل تَحَمّمتَ بِعِطرٍ ... وتَنشّفتَ بِنُور
وَشَربتَ الفَجرَ خَمراً .... في كُؤوسٍ مِن أَثِير
هَل جَلَستَ العَصرَ مِثلي ... بينَ جَفناتِ العِنَب
وَالعَناقيدُ تَدَلّت .... كثرَيَّاتِ الذَّهَب
فَهيَ لِلصّادي عُيُونٌ .... وَلمن جاعَ الطّعام
وَهيَ شَهدٌ وَهيَ عطرٌ.... وَلمن شاءَ المدام
هَل فَرَشتَ العُشبَ لَيلاً .... وَتَلَحّفتَ الفَضا
زاهِداً في ما سَيَأتي ..... ناسياً ما قَد مَضى
وَسُكوتُ اللَّيلِ بَحرٌ ...... مَوجُهُ في مَسمَعك
وَبِصَدرِ اللَّيلِ قَلبٌ ........ خافِقٌ في مَضجعك
أَعطِني النّايَ وَغَنِّ ...... ... واِنسَ داءً وَدَواء
إِنَّما النّاسُ سُطُورٌ ..........كتِبَت لَكِن بِماء
لَيتَ شِعري أَيّ نَفعٍ .......في اِجتِماعٍ وَزحام
وَجِدالٍ وَضَجيجٍ ............وَاِحتِجاجٍ وَخِصام
كُلُّها أَنفاقُ خُلدٍ ...........وخُيوط العَنكَبوت
فَالَّذي يَحيا بِعَجزٍ ........فَهوَ في بُطءٍ يَموت(1)

1-المواكب ، جبران خليل جبران ، دار الكتاب العربي، ط1، 1997، ص35.





سنحاول في هذه الأبيات دراسة المحاور النّفسيّة التي عبّر من خلالها الشّاعرعن كوامن ذاته في صوره ومعانيه المختبئة خلف الألفاظ.
فيبدأ مطلع قصيدته بروح الإنسان الذي أتعبتّه الحياة ، وجعلته يركن إلى تأمّلات ما حوله ، فقد عاش بعيداً عن وطنه ، احتوتّه بلاد المهجر ببرودتها ، وما لبثت الأقدار أن خطفت منّه أخته ثم أخيه ثم أمه ، ليجد نفسه وحيداً في هذه الدنيا.
يعود لطفولته ، فيذكر أباه السكران على الدوام وظلمه لأمّه ، فيعتمل داخله الإحساس بالظلم.
تأخذه تأمّلاته إلى بلدته ، ومسقط رأسه "بشرّي" المجاورة لأرز الرّب ، والرّابضة على كتف الوادي المقدّس "قنوبين" ، فيطلب من قدره ناياً كالتي كان والده يعزف بها أثناء رعايته الماشيّة ، هذه الناي هي بشرّي بأرضها وهوائها وطبيعتها الخضرة ، فجبران بين جدران بوسطن وأبنية نيويورك ، يشتاق لطفولته يلعب ويلهو قرب والده في البساتين ، وجميعنا يعلم ما يحمله صوت الناي من حزنٍ ورقّة تحاكي القلوب.
فهو لا يريد الناي ذاتها ، بل يريد بها البساطة التي كان ينعم بها بين ربوع بلدته ، فجمالها ظلّ منطبعاً في نفسه ، وحبّها لا يفارقه ، ففي إحدى رسائله إلى ابن عمه نخلة ، يقول :
" هل يأتي ربيع حياتنا ثانيةً ، فنفرح مع الأشجار ونبتسم مع الزهور ونركض وراء السواقي ونترنم مع العصافير مثلما كنّا نفعل في بشرّي ...هل نرجع ونجلس بقرب مار سركيس وعلى نهر النبات وبين صخور مار جرجس...وأجمل ما في هذه الحياة يا نخلة هو أنّ أرواحنا تبقى مرفرفةً فوق الأماكن التي تمتعنا فيها بشيءٍ من اللذّة..."(2)

هو باحثٌ عن الحريّة التي ماعاد يشعر بها رغم وحدته ، فوفاة أمّه وأخوته تركت أثراً كبيراً في نفسه ، فمال في حياته إلى الانعزال والوحدة ، ولعلّه يرغب بالتحرر من هذه الحال ، فهو حبيس النّفس وليس حبيس الجسد!.
أمّا الغابة فتمثّل الضياع والاغتراب بين ثنايا نفسه، فهي تذكره ببلدته وذكريات طفولته ، كما أنّها برحابتها ونقائها تمثّل حريته الداخليّة ، على عكس القصور وجدرانها وقصد بها بوسطن التي ضاق بها وضاقت به.
فصورة جبران الطفل حاضرة في لاوعي جبران الشّاعر المغترب ، فتتبع السواقي وتسلّق الصخور وتذكر عناقيد العنب المتدليّة من الداليات ليس إلاّ عبق بلدته المرتبطة بذكريات الطفولة ، ويرتبط هذا بمدلولاتٍ كثيرة نجدها في النّص ( العطر ، الفجر، العشب ، الفضاء).

2-المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران،جمع وتقديم: أنطوان القوّال ،دارالجيل ط1،1994،ص11،12.


ويمكننا بوضوح أن نرى في تلك الصورة انعكاساً للحياة البريئة ، الخاليّة من أيّ همّ أو تفكير ، فالشّاعر يبتغي هذه الحياة من خلال النسيان ؛ ليس فقط نسيان ما مضى وآلم روحه ، بل التوقّع للغد وما سيؤلمه ، فدعوته للزهد بما قادم ، دليل قوي على النظرة السوداويّة التي كان يرى بها الأمور ، وهي لم تأتِ من فراغ ، فما مرّ به من صدمات جعلته لا يثق بالجديد.

وهدير صوت الّليل ليس إلّا لحظات التأمّل المرتبطة بتلك الصدمات ، بالإضافة للمعاني النّفسيّة التي يثيرها الّليل سواء الخوف من المجهول ، أو الظلمة الروحيّة.
ولا نغالي في قولنا إنّ جبران كان إنساناً عصابياً من خلال تناوله لواقعه ، وما تمنيه لعودة الماضي واعتزاله في حاضره إلّا نوع من الرغبة في الأول والدفاع عن الثاني من خلال التفرد بالنّفس.

ونظرته للآخر كانت نتيجةً لما شهده في طفولته من ظلم والده ، وما لقيه من رفض والد الفتاة التي أحبّها وإحساسه بالدونيّة آنذاك ولّد في نفسه رفض الناس بالمقابل.
وهذا مايفّسر حبّه للتأمل والصمت بدلاً من لقاء الآخرين ومناقشتهم ، وربط ذلك بألفاظٍ حملت هذا المعنى، فخيوط العنكبوت بما تحمله من معاني الوهن والضعف، وأنفاق الخُلد المعبّرة عن الشيء المؤقّت الزائل هي العلاقات الاجتماعيّة وزيفها.

ويبدو لنا تداخل الماضي في حاضر الشّاعر ، فالتشاؤميّة والنبرة الحزينة هي الصفة الغالبة على النّص بالرغم من الظاهر الموحي بالتفاؤل.
فالناس كالسطور المكتوبة بالماء ، والماء لا يترك أثرا عند الكتابة ، ولفظة الماء توحي بالشيء الغامض والدال على الفراق ، فموت أمّه وأخوته جعله على يقينٍ أنّ حياة البشر كحبر الماء بجرّة قلمٍ تصبح ذكرى ، وهذه الصورة الشعريّة الزاهدة حبيسةٌ في لاشعور الشّاعر ، كما أنّها صادرة عن نفس زهدت بما حولها وآثرت العودة إلى الماضي لتحجب به صور الحاضر الذي لا يرضي المشاهد التي يستحضرها الشّاعر من طفولته.

ويغلب على النّص الجمود والسكون ، فنلاحظ أنّ الحركة فيه بطيئة ، فقد اتكأ الشاعر كثيراً على الأسماء ( النّاي ، الغاب ، القصور ، السواقي ، الصخور ، العطر ، الفجر ، الخمر ، الكؤوس....الخ) ، وهي انعكاس لداخله الرّاكد وهدوئه.
كما كان لأسلوب الاستفهام حضوراً كبيراً في أسلوبيّة النّص (هل تخذت ؟ ، هل تحمّمت؟ ، هل جلست؟ ، هل فرشت؟ ) وهذا يبرز التوتر الداخلي الذي كان يعيشه الشاعر بين تذكار الماضي المتمثل ببلده لبنان وبين واقعه القاتم بأزقة الأبنية الضخمة وجدران ضيّقت الخناق عليه.
ونلاحظ أن الشّاعر بنى قصيدته على تفعيلتين هما: (فاعلاتن،فاعلن) وهذا يجعلنا نستدل على قصر نفَس الشّاعر ، و حالته الساكنة الناتجة عن اضطراب لاشعوري يتحكم بأحاسيسه ومشاعره.

وبقي أن نشير إلى قدرة الشّاعر على نقل عواطفه الذّاتيّة تُجاه ذكرياته الطفوليّة وبلده الحبيب لبنان عبر صور حلّق بها إلى الماضي وحاول التعبير عنها عبر تشابكها بالواقع من خلال تساؤلات تثبت اليقين وتقطع الشك برغبته الداخليّة الدائمة بالعودة إلى الوطن الأول مع صندوق الذكريات المكتنز في لاشعوره الداخلي...


https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..