عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2011, 11:53 PM
المشاركة 6
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


البَتُولا*



عندَما أرى البَتُولا تَنحني يَمْنة ويَسرة


عبّر الخُطوط لأشجَارِ أكثر انتصاباً وظُلْمة


أحبّذُ أن أعتبَر ثمّةَ طفل ذاك الذي يُأرجحها


غَيْر أن الأرجحةَ لَم تُحْنِها للأسفل فتُخبر


عواصف الثّلج تفعلُ ذلك

في الغالب لابُدّ وأن رأيتَها


مُثقَلةً بثَلج صباح شتائيّ مُشمِس


بعد مطَر.. كانت تقرقعُ فوق بعضِها


حينما يُهَسْهِسُ النسيم، ويَلْوي تلوّنات


حينَ الفتنةُ تفرقِعُ وتُجزِِِِّع طِلائَها


سريعاً ما يجعلها دفءُ الشّمس


تَسفَحُ صَدَفاتٍ بلّورية


تتحطّمُ وتنهارُ على قِشرة الثّلج


وكأنّها رُكامات زجاج مُهشّم لتنْثالَ بعيداً


ستظُنُّ أن القبة الداخلية للجنّةِ قد سَقَطت


جُرّت هيَ الى السّرخسيّة الذاوية بفِعل الثّقِل


وبدَت أنها لا تَنكسِ؛ بالرَّغم ما أن تُلوى


بخفّة ولفترة تطول، فلن تستعيد قوامَها مُطلَقاً:


قد تُشاهدُ جذعها يتلوّى في الأخشاب


سنيناً بعدَ ذلك، تُدَلّي أوراقَها على الأرض


مثلَ فَتياتٍ يرتكزنَ على أكفّهن ورُكَبهن


بحيث يلقين شَعْرَهن أمامهُن ومن فوق رؤوسِهن


ليَجفّ في الشّمس


لكنّني كنتُ أنوي أن أقول


حينما تَنْفضّ الحقيقة


فبرغم كلّ واقعيّتها


عن العواصف الثلجية


أحتّمُ أن أفضّلَ وجودَ طِفل حَنَاها


حينَ خرج يتمشّى وينبّشُ عن البَقَر –


طِفل بعيد جدّاً عن المدينةِ ليتعلّم البيسبول


فلعبته الوحيدة كانت ما وجَدَ نفسَه عَليه


صَيْفٌ أم شتاءٌ، أو بإمكانِهِ اللعب وحيداً


واحدةً تلو الأخرى


أخْضَعَ إليه أشجارَ أبيه


بأن يمتطيها مُنحدِراً مرة تلو الأخرى


حتّى انتزعَ القسّاوة منها


ليست واحدة وإنّما حزمة مُتَرنّحة


وليست واحدة قد تَبقى لهُ ليُستولي عَليَها


تعلّمَ كلَّ ما كان هُناكَ ليَعْلَم


فلا يُغيْرُ إلى الخارج في القريب العاجل


ولا يقتلعُ الشجرة بعيداً


فتبدو قاعاً صَفْصَفا


كانَ دائماً ما يربطُ جأشه


حتى أعلى التفرّعات، يتسلّقُ بحِرْصٍ


بنفس تلك الغُمّة التي تستعملها لملأ كَوْبٍ


حتى حافّتهِ، أو حتّى بعد حوافّه


حينها يندفعُ مُنطلقاً، قدَماه في المقدمة


ومعهما الحَفيف


يرفُصُ مسارَ انْحداره


خِلال الهواء حتّى الأرض


أما كنتُ أنا ذاتَ يَوْم مُؤرجح البُتولا


وهل سأحلم بعودة لما كُنت


ذلكَ حينما أكونُ قَلِقٌ من الاعتبارات


والحياةُ تبدو تماماً كخَشَبة من دون سَبيل


حيثُ يتحرّق وجهكَ


ويتوخّزُ بخيوط العنكبوت


التي تعترضُ طريقه، وعينٌ واحدة تبكي


لأن غُصيّنة أبقَت هَدَباتها تعترضُُ مَفتوحة


إنني أرغبُ في مغادرة الأرض للحظات


بعدها أعودُ مرّةً أخرى وأبدأ من جديد


أتمنّى ألاّ يتعنّّت القدَرُ ويُسيء فهمي


فيهَبُ لي نصفَ ما تمنيّت وينتشلني بعيداً


حيث لا أعود


الأرضُ هيَ المَكان الملائمُ للحُبّ:


لا أعلمُ بمكان قد يكون أفضَل


أودُّ أن أغادرَ مُتسلّقاً شَجَرة بُتولا


ومتسلّقاً لأغصان سوداء


تعلو جذع بياض الثّلج


ناحيَة الجنّه، هُناك


عندما لا تطالُ الشجّرةَُ شيئاً بعد ذلك


لكنّها غَطّت بقمّتها


وأسقطَتني للقاع مرة أخرى


هكذا يبدو رائعاً الذهاب


والعودة مرة أخرى


أحدُهُم قد يعملُ أسوأ


من أن يكون مؤرجح بُتولا




__________


*Birches: شجرة تتميز بساقها الشاهق

ترجمَة: شريف بُقنه الشّهراني





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)